لا نفط في عهد ميشال عون. هذا ما باتَ مؤكّداً مع تضارب الأنباء حول توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.
تشير مصادر رسميّة في وزارة الخارجيّة الأميركيّة لـ”أساس” إلى أنّ نقطة توقيع اتفاقَ ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل باتت مُعقّدة، نظراً إلى قُربِ انتهاء ولاية الرّئيس ميشال عون وعدم تشكيل حكومة جديدة.
يطمح الأميركيّون لـ”إعلان النوايا” بشكلٍ رسميّ خشيةً من إمكانيّة وصول حزب الليكود وبنيامين نتنياهو إلى سدّة الحُكم مُجدّداً. ففي فترة حُكم نتنياهو بين سنتيْ 2011 و2021 كان الأخير مُتمسّكاً بالخطّيْن هوف و1 أو بمنطقة بين الخطّ 23 و”هوف”، وهذا لا يُبشّر الإدارة الأميركيّة بالخير.
لا نفط في عهد ميشال عون. هذا ما باتَ مؤكّداً مع تضارب الأنباء حول توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل
في تل أبيب يخشى الثّنائي الحاكم رئيس الوزراء يائير لابيد وبيني غانتس أن يستغلّ مُنافسهما رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو “تنازل لابيد وغانتس” عن الخطّيْن 1 وهوف والقبول بالخطّ 23 على اعتباره رضوخاً لـ”مطالب حزب الله”، وبالتّالي أن يتسبّبَ الترسيم بخسارتهما الانتخابات في تشرين الثّاني المُقبل.
دفَعت هذه العراقيل الأميركيين أن يسعوا لانجاز اتفاق شفهيّ مُعلن (اتفاق نوايا) بين بيروت وتل أبيب، على أن يتمّ التّوقيع بعد انقضاء الاستحقاقيْن.
يقول الأميركيّون إن وصول نتنياهو إلى رئاسة الحكومة في إسرائيل يضع قضيّة الترسيم بين خياريْن:
الأوّل: أن يُحاول “بي بي” المُزايدة في الدّاخل على لابيد وغانتس، وأن يحاول “ابتزاز” إدارة بايدن لدورها في إقصائه من الحكم مع تركيب الائتلاف بين لابيد وغانتس ونفتالي بينيت والقوى العربيّة في الكنسيت في ربيع 2021. يُضاف إلى ذلك موقف نتنياهو المُتصلّب من سعي إدارة بايدن للعودة إلى الاتفاق النّوويّ مع إيران. إذا اختارَ نتنياهو هذا الاحتمال، فهذا يعني أنّ قضيّة الترسيم ستعود إلى المربّع الأوّل. وهُنا تحاول إدارة بايدن استباقه وقطع الطّريق عليه.
الثّاني: أن يسعى نتنياهو لـ”مُسايرة” الإدارة الأميركيّة، وأن يصلَ ملفّ الترسيم إلى نهايته، وهذا غير مضمون، نظراً لظروف الاتفاق النّوويّ والصّبغة اليمينيّة التي ستطغى على حكومة برئاسة “بي بي” في حال نحج في الوصول إلى الحكومة مُجدّداً.
كما يريد هوكستين من زيارته المُحتلمة أن يحصلَ على ضمانات من حزب الله تتعلّق بأمن منصّات الغاز الإسرائيليّة وخصوصاً منصّة “إنرجين” في حقل كاريش التي ستُعلّق بدء الاستخراج إلى الأوّل من تشرين الأوّل بدلاً من أوّل أيلول الجاري.
في مُقابل الضّمانات، سيُقدّم المبعوث الأميركيّ عرضاً يضمَن أن تبدأ الشّركات التنقيب والاستكشاف في البلوكات اللبنانيّة. وهذا كان محوَر لقاء هوكستين مع الرّئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون ووفدٍ من إدارة شركة “توتال” في العاصمة الفرنسيّة قبل أيّام.
كذلك نفت مصادر رسمية لبنانية مطّلعة على الاتصالات مع هوكستين ما نقلته وسائل إعلام عن تلزيم حقل قانا لشركة “إنيرجين” التي تستخرج الغاز من حقل كاريش.
تضارب حول زيارة آموس
تتضارب الأنباء حول زيارة المبعوث الأميركيّ لشؤون الطّاقة آموس هوكستين إلى لبنان. قد تكون الزيارة نهاية الأسبوع وربما الأسبوع المقبل، وربّما تتأجل الى أجل غير مسمّى. يربط الأميركيون مصير الزيارة بالجواب الإسرائيلي، فهم لا يريدون “نصف جواب”.
يكثر الكلام عن الزيارة المحتملة، ولا تزال آثار طائرات سلاح الجوّ الإسرائيليّ التي مشّطَت سماء لبنان قبل أيّام ومن تحته لا تزال الآثار البيضاء بين أمواج البحر الأبيض المُتوسّط حيثُ نظّم حزبُ الله “مسيرات بحريّة” توحي بغطاءٍ أهليّ لحربه التي يُحذّر منها.
يصلُ هوكستين إلى بيروت مبدئيّاً مساء غد الخميس. ينتظرُ اللبنانيّون ما يحملُه هوكستين في جعبته، إلّا أنّ المعلومات تشير إلى أنّ الوسيط الأميركيّ يحمل “نصفَ جوابٍ” من تل أبيب
يحاول آموس أن ينزل على أرض الواقع حاملاً “التّصوّرات المعقولة” بين طرفيْن يُهوِّلان بالحرب ولا يريدانها، لكن لا إجابة حاسمة.
كان مُقرّراً في واشنطن أن يدخُلَ شهر أيلول ويكون اتفاق التّرسيم بين لبنان وإسرائيل مُنجزاً. دَخلَت الحسابات الدّاخليّة في بيروت وتلّ أبيب على خطّ اللحظات الأخيرة، فبات التوقيعُ صعباً، إلّا أنّ الاتفاق ليس مُستحيلاً.
ينقُل زوّار مرجع أمنيّ بارز أنّه “في حالَ لم يحمل هوكستين جواباً إسرائيليّاً واضحاً وحاسماً، فإنّ الأمور لن تسير على ما يُرام، وقال: “رح تدبك”.
قطَر على خطّ الحلّ؟
بعد العاصمة الفرنسيّة، حطّ المبعوث الأميركيّ رحاله في العاصمة القطريّة الدّوحة. هُناك كان هوكستين يُفاوض القطريين على دخول شركة قطريّة إلى البلوكات الجنوبيّة عوضاً عن شركة “نوفاتيك” الرّوسيّة التي انسحبَت بسبب العقوبات الأميركيّة على روسيا بعد غزو أوكرانيا.
كما يسعى هوكستين أن تتحمّل الشّركة القطريّة و”توتال” دفع مبلغ يتراوح بين 250 و300 مليون دولار لتل أبيب، بدلاً من لبنان، في حال تبيّن أنّ الجزء الجنوبيّ من حقل قانا المُحتمَل الذي يقع داخل المياه الفلسطينيّة المُحتلّة يحتويّ على غاز طبيعيّ. فقد سمِعَ هوكستين من المسؤولين اللبنانيين رفضاً قاطعاً لدفع الدّولة اللبنانيّة تعويضاً لإسرائيل عن الجزء الجنوبيّ لـ”حقل قانا المُحتَمَل”.
في الإطار أيضاً، علم “أساس” أنّ رئيس جهاز الاستخبارات القطريّة أحمد بن ناصر بن جاسم آل ثاني يعمل بالتّوازي مع هوكستين على خطّ الترسيم بين بيروت وتل أبيب وباريس التي تسعى لتنويع مصادر الغاز الطّبيعي إلى أوروبا عوضاً عن روسيا، وذلك في بيروت وتل أبيب والجزائر والدّوحة وغيرها.
حزب الله والجيش الإسرائيلي: عرض العضلات
تزامناً مع وصول طائرة هوكستين إلى الدّوحة، أطلَق الجيش الإسرائيليّ مناورات عسكريّة على الحدود مع لبنان استمرّت حتّى مساء أمس الثّلاثاء، ونشرَ قطعاً بحريّة إضافيّة قُرب المياه الإقليميّة اللبنانيّة. حاكَت هذه المناورات تعرّض إسرائيل لهجومٍ من حزبِ الله في البرّ والبحرّ.
بدا لافتاً أثناء المناورات النّشاط غير الاعتياديّ لطائرت التّجسّس فوق مطار رفيق الحريري الدّوليّ والضّاحيّة الجنوبيّة والعاصمة بيروت.
تأتي المناورات أيضاً بالتزامن مع رسائل إسرائيليّة إلى المسؤولين اللبنانيين عبر قنوات مُتعدّدة تُحذّر من أنّ أيّ ضربةٍ يشنّها حزب الله في البحر ستُلاقي ردّاً عسكريّاً واسعاً على البنى التحتيّة والمرافق الحدوديّة من معابر ومطار ومرافئَ.
بالمقابل حزبُ الله يقوم بتحرّكات عسكريّة علنيّة في جنوب لبنان على السّاحلِ وفي الدّاخلِ، وكذلك مناورات واسعة بقاعاً بالذّخيرة الحيّة في “حربتا” عند جرود السّلسلة الغربيّة، برسالة أرادها الحزبُ ظاهرةً تحت أعيُن طائرات الاستطلاع الإسرائيليّة.
لم يكتفِ الحزب بالتّحرّكات العسكريّة، إذ نشرَت أوساطه أخباراً عن رفع الجهوزيّة المُستشفيات اللبنانيّة في حال نشوب نزاعٍ حدوديّ مع الجيش الإسرائيليّ.
إقرأ أيضاً: دبلوماسيو الغرب والعرب قلقون… من انهيار أمني
كذلك تعمّد الحزب تنظيم مسيرةٍ بحريّة تحت عنوان “غاز لبنان للبنان” لمراكب انطلقَت من العبدة وطرابلس وصور نحو النّاقورة، وكأنّه يُحاول القول “إنّه يسعى لغطاء شعبيّ في حال تحرّك عسكريّاً لأجل الغاز والنّفط”. إلّا أنّ هذه الحركة لا تعني أنّ غالبيّة اللبنانيين تُؤيّد توريطَ لبنان في نزاعٍ عسكريّ لا تُعرَف نتائجُه، ويزيد الطّينَ بِلّة.
على الرّغمِ من أنّ هذه التّحرّكات على جانبيْ الحدود لا تعدو كونها تبادل للرّسائل قبل وصول هوكستين، إلّا أنّ أسهمها سترتفع بلا شكّ في حال كانت زيارة الوسيط الأميركيّ بلا نتائج ملموسة…