قضيّة المرفأ: من هو الانتحاريّ الثاني؟

مدة القراءة 7 د

يتّجه ملفّ التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت نحو مزيد من التعقيد والتشابك مع طلب وزارة العدل تعيين قاضٍ عدليّ آخر “لبتّ الأمور الضرورية والملحّة” ريثما يتمكّن المحقّق العدليّ “الأصليّ” طارق البيطار من مزاولة مهامّه مجدّداً، كما ورد في كتاب وزير العدل هنري خوري الموجه إلى مجلس القضاء الأعلى.

أعطى “المجلس”، بعد فترة من التريّث، موافقته على الاقتراح فاتحاً الباب أمام فرز قضائي وسياسي كبير حول قانونيّة خطوة وزير العدل والاسم المقترح للمهمّة والهامش الذي سيعمل من ضمنه المحقّق العدليّ الثاني في ملفّ المرفأ. والأهمّ هي التساؤلات عن هويّة الانتحاريّ الثاني الذي سيدير ملفّ التحقيقات.

المرشحون خلفاً للبيطار

مصادر موثوقة تؤكّد لـ “أساس” أنّ “هذه الخطوة لا تفسّر سوى ضمن إطار كفّ يدّ المحقق العدلي البيطار حتى إشعار آخر بعدما وصل مسار التحقيقات معه إلى الحائط المسدود”، مشيرة إلى أنّ “الأسماء التي يتمّ التداول بها تشمل القضاة سمرندا نصار، نقولا منصور، سامر ليشع، وسامر يونس لكن الأخير يواجه بفيتو من بعض أعضاء مجلس القضاء الأعلى على رأسهم مدّعي عام التمييز غسان عويدات”.

يتّجه ملفّ التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت نحو مزيد من التعقيد والتشابك مع طلب وزارة العدل تعيين قاضٍ عدليّ آخر “لبتّ الأمور الضرورية والملحّة” ريثما يتمكّن البيطار من مزاولة مهامّه مجدّداً

التكليف “المطاط”

البارز في الكتاب المُرسل من وزير العدل إلى مجلس القضاء الأعلى الذي اطلع عليه “أساس” عدم ذكر عبارة “القاضي الرديف” فجاءت الصيغة كالآتي: نرفع إلى مجلسكم الكتاب الحاضر للعمل على البتّ بمبدأ تعيين محقّق عدلي لمعالجة الأمور الضرورية والملحّة طيلة فترة تعذّرقيام المحقق العدلي الأصيل بمهامه”.

هذه العبارة “المطاطة” تطرح تساؤلات حول هامش الصلاحيات الذي سيعطى للمحقق العدلي الجديد والتي يمكن أن تكون واسعة جداً وتأثيرها على التحقيق نفسه حين يستأنف القاضي طارق البيطار تحقيقه العدلي.

في هذا الإطار تفيد المعلومات بأنّ القاضي البيطار غير موافق على هذه الخطوة، ويعتبرها بمنزلة “تدخّل مباشر من السلطة السياسية”، ما دفع إلى الواجهة السؤال عما إذا كان البيطار سيترجم إعتراضه بالإستقالة.

“العونيون” عند رئيس مجلس القضاء

لاقت خطوة وزير العدل وموافقة مجلس القضاء الأعلى استياءً كبيراً لدى جهات كثيرة، خصوصاً أنّهما جاءتا عقب استقبال القاضي سهيل عبود لوفد من “التيار الوطني الحر” في مكتبه، ما أدّى إلى ارتفاع الأصوات المطالبة باستقالة رئيس مجلس القضاء الأعلى وإعفاء وزير العدل من مهامّه.

وقد تضمّنت الأسباب الموجبة لاقتراح الوزير أمرين أساسيَّين:

– تبلُّغ وزارة العدل دخول أحد موقوفي ملف المرفأ بصورة طارئة إلى المستشفى نظراً إلى تدهور حالته الصحية. ووردت معلومات، وفق كتاب الوزير، أنّ معظم الموقوفين تردّى وضعهم الصحّي.

– وجود سابقة قضائية قضت بتعيين محقّق عدليّ آخر بسبب تعذّر قيام الأصيل بمهامّه.

تبلُّغ وزارة العدل دخول أحد موقوفي ملف المرفأ بصورة طارئة إلى المستشفى نظراً إلى تدهور حالته الصحية. ووردت معلومات، وفق كتاب الوزير، أنّ معظم الموقوفين تردّى وضعهم الصحّي

عبود تحت الضغط

في الجانب القانوني انقسمت الآراء حول الخطوة التي أتت، وفق مطّلعين، بسبب العمل على “تسوية”، خصوصاً في ما يتعلّق بقضيّة الموقوفين في ملفّ المرفأ التي لم يعُد بإمكان رئيس مجلس القضاء الأعلى تحمّل تبعاتها لجهة بقاء الأمور على ما هي عليه.

وسبق للقاضي عبود أن جُوبِهَ إقتراحه لتعيين رؤساء أصليين لمحاكم برفض من “الثنائي الشيعي بذريعة عدم تحقيق التوازن الطائفي”. ولو أُقر الإقتراح كان من شأنه أن يمهّد لإعادة النصاب إلى الهيئة العامّة لمحكمة التمييز صاحبة الصلاحيّة في بتّ الدعاوى ضدّ البيطار أو دعاوى نقل الملفّ إلى قاضٍ آخر.

في واقع الحال، استند وزير العدل إلى “الظرف الاستثنائي” الذي يحيط بوضع الموقوفين، وإلى وجود سابقة بتعيين محقّق عدليّ رديف عام 2006 حين تمّ تعيين القاضي جهاد الوادي محقّقاً عدلياً في قضيّة التحقيق باغتيال الرئيس رفيق الحريري التي كان يتولّاها المحقّق العدليّ القاضي الياس عيد.

غياب النص وتشابك الصلاحيات

لكنّ أوساطاً مطّلعة تؤكّد لـ “أساس” أن لا نصّ قانونيّاً يسمح بتعيين محقّق عدليّ رديف أو محقّق ظلّ، لافتةً إلى أنّ “تكبيل التحقيق العدلي والحالة الصعبة للموقوفين في الملفّ لا يبرّران هذا الإجراء غير المسبوق ما دام هناك محقّق عدليّ أصيل لم تُبتّ الدعاوى المرفوعة ضدّه بعد، وهو المسؤول الأوّل والأوحد عن الملفّ الذي بين يديه والذي لا يمكن “تجيير” جزء منه إلى أيّ محقّق عدلي آخر”.

هذا الواقع سيؤدّي حكماً، وفق الأوساط، إلى تشابك في الصلاحيّات والتوجّهات بين المحقّقين العدليّين. فما يوافق عليه الأوّل قد لا يوافق عليه الثاني والعكس صحيح.

في سياق موازٍ، تلفت هذه المصادر إلى أنّ “الواقع الحالي لجهة تعثّر تأليف حكومة واحتمال الوصول إلى فراغ رئاسي قد يعطّل أيّ إمكانية لفكّ “لغم” تكبيل القاضي البيطار الذي كُفّت يده عن الملفّ بسبب تعطّل الهيئة المولجة ببتّ الدعاوى ضدّه. فتعديل مرسوم تعيين قضاة أصيلين لمحاكم التمييز يحتاج إلى توقيع رئيس الجمهورية، وهذا ما لن يكون ممكناً فعله مع حكومة من 24 وزيراً تتولّى صلاحيّات رئيس الجمهورية”.

تلفت هذه المصادر إلى أنّ “الواقع الحالي لجهة تعثّر تأليف حكومة واحتمال الوصول إلى فراغ رئاسي قد يعطّل أيّ إمكانية لفكّ “لغم” تكبيل القاضي البيطار الذي كُفّت يده عن الملفّ

مهمة قضائية جديدة

يرى متابعون للملفّ أنّه في حال إقرار تعيين محقّق عدليّ آخر سنكون أمام “مهمّة قضائية” غير واضحة المعالم والحدود، خصوصاً أنّها تختلف تماماً عن سابقة عام 2006. وثمّة تساؤلات عدّة ترتبط بصلاحيّات القاضي العدلي الرديف:

– هل تشمل فقط بتّ طلبات إخلاء سبيل الموقوفين واسترداد مذكّرات التوقيف؟

– وهل تشمل بتّ الدفوع الشكليّة المقدّمة أو تلك التي ستُقدّم من قبل وزراء ونواب وأمنيّين معنيّين بالقضيّة؟

– هل يذهب المحقّق العدلي رقم 2 إلى حدّ بتّ إشكاليّة عدم صلاحيّة المجلس العدلي لمحاكمة الرؤساء والوزراء والنواب الذين لهم “محكمتهم” الخاصّة من خلال المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء؟

– هل يعالج هذا التعيين “الخطيئة الأصليّة” في التحقيقات التي اتّخذت منحى سياسيّاً وانتقاميّاً من القاضي فادي صوان إلى القاضي طارق البيطار على حساب المنحى القانوني للقضيّة؟

أسئلة تنتظر إجابات

أبعد من هذه التساؤلات تقول أوساط معنيّة بملفّ تحقيقات المرفأ: “ليس هناك أيّ شكّ أنّ الادّعاءات والتوقيفات في ملفّ انفجار المرفأ حملت أبعاداً سياسية واضحة. ولذلك إذا كان رئيس مجلس القضاء الأعلى قد رضخ أخيراً للضغوط أو ربّما اقتنع بعدم صوابيّة إبقاء ملفّ الموقوفين من دون معالجة حاسمة، فهل يسمح أيضاً بتعيين قاضٍ عدليّ آخر قد ينسف مسار تحقيقات البيطار، خصوصاً لجهة تبرئة مدّعى عليهم في القضية؟”.

تضيف الأوساط: “هل القاضي الرديف سيطبّق إملاءات جهات سياسية وينساق إلى المزايدات الشعبوية كما فعل البيطار أو يحكم في الملفّ بمنطق القانون فقط؟ وما مصير مَن ليس لهم “ظهر سياسيّ” يحمل قضيّتهم، على عكس حالة المدير العامّ السابق للجمارك بدري ضاهر الذي يحمل التيّار الوطني الحرّ لواء الدفاع عنه؟”.

إقرأ أيضاً: ميقاتي “يزيح” ملف الموقوفين الإسلاميّين عن ظهره

وتتساءل الأوساط: “هل سيتحلّى القاضي العدليّ الجديد بالجرأة والمناعة الكافية للقول بأنّ الادّعاءات في الملفّ لا ينطبق عليها التوصيف القانوني الذي أعطته النيابة العامّة التمييزية وحوّلت على أساسه الملفّ إلى المحقّق العدلي باتّهام موحّد هو القصد الاحتماليّ بالقتل؟”.

وتشير الأوساط إلى أنّ “التسوية التي قضت بتعيين قاضٍ عدليّ آخر تعكس في بعض جوانبها الحرب المفتوحة بين جبران باسيل الذي رفع لواء قضية إخلاء سبيل بدري ضاهر وتبرئته والقاضي سهيل عبود، وهو واقع يضرّ بالمعنيّين المباشرين بالملفّ، خصوصاً إذا تمّ تعيين قاضٍ يدير أذنيه إلى مَن هم خارج مكتبه”.

مواضيع ذات صلة

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…

الميدان يَنسِف المفاوضات؟

لا شيء في الميدان على المقلبين الإسرائيلي واللبناني يوحي بأنّ اتّفاق وقف إطلاق النار يسلك طريقه إلى التنفيذ. اليوم ومن خارج “دوام عمل” العدوّ الإسرائيلي…