منذ الإعلان في 24 كانون الثاني عن قراره تعليق عمله في الحياة السياسية، ودعوة “عائلته في تيار المستقبل لاتخاذ الخطوة نفسها”، وحظر تقديم الترشيحات باسم التيار الأزرق في الانتخابات النيابية، تحوّل حساب الرئيس سعد الحريري على “تويتر” إلى منصّة لتقديم التعازي والتبريكات واستذكار بعض المناسبات وتقديم التهاني بالأعياد وحصر تعليقاته ببعض الأحداث الأساسيّة المحليّة أو العربية.
خلال هذه الفترة أُجبر الحريري على تذكير من يعنيه الأمر، ردّاً على بعض التسريبات، أنّه مصرّ “على تعليق عمله السياسي وعمل تيار المستقبل ولن يتدخّل في أيّ استحقاق أو مشروع سياسي”.
في الواقع ما يزال الحريري ينأى بنفسه عن “البركان اللبناني”، مع التزام شبه كامل من جانب تيار المستقبل بـ”التعليمات” إلى اللحظة التي كسر فيها التيار الأزرق “صمت قبور” المقاطعة السياسية عبر بيان حمل فيه على “عهد جهنّم” على خلفيّة ترقيات أزلامه في وزارة الاتصالات، وتحديداً في شركة MTC Touch ، مستغرباً “ألّا تبادر الجهة التي ينتمي إليها الوزير جوني قرم إلى إيقاف هذه البلطجة التي تفوح منها روائح الصفقات مع التيار الوطني الحر”، واضعاً هذه المعطيات في عهدة رئاسة الحكومة والمرجعية السياسية لوزير الاتصالات.
يرى كثيرون أنّ “حالة” القاضي هاني حلمي الحجّار في السراي الحكومي تشكّل امتداداً لسياسة تخلّي الحريري عن ومكتسباته
لكنّ خطوة تيار المستقبل، التي كسرت للمرّة الأولى قرار “المقاطعة” بتوجيه اتّهامات إلى العهد والتيار الوطني الحرّ ووزير الاتصالات وخلفه تيّار المردة بالبلطجة و”ضرب التوازن الطائفي والمذهبي”، لم تلقَ صدى في الشارع السنّي المتروك. ذهبت بعض أوساط قريبة من تيار المستقبل إلى وصف البيان بـ”بكائيّة لوم الآخرين التي باتت أقرب إلى شعار “ما خلّونا””.
وطرحت الأوساط نفسها تساؤلات من نوع: “لماذا قطع تيار المستقبل صومه وانتقد وزير الاتصالات دفاعاً عن حقوق “الطائفة السنّيّة” وموقع رئيس مجلس إدارة شركة touch سالم عيتاني، فيما التزم الصمت يوم مدّدت حكومة نجيب ميقاتي للّواء طوني صليبا على رأس المديرية العامّة لأمن الدولة بعد تعيينه بصفة مدنية من دون طرح التمديد للّواء عماد عثمان على رأس المديرية العامّة لقوى الأمن الداخلي؟ ولماذا سكت أيضاً المستقبل يوم تناول رئيس الحكومة نجيب ميقاتي المدّعي العامّ التمييزي القاضي غسان عويدات من على منبر السراي مهدّداً إيّاه بالقول “منبعتو على بيتو”؟”.
في هذا السياق تُذكّر الأوساط بأنّ “اللواء عثمان عُيّن في حكومة الرئيس سعد الحريري الأولى والقاضي عويدات في حكومة الرئيس الحريري الثانية في عهد الرئيس ميشال عون، وهما كانا بمنزلة خيار شخصي للحريري”.
أمام هذه المشهديّة تقول شخصية على تماس مع واقع الساحة السنّيّة في ضوء انسحاب الحريري من الحياة السياسية: “لا يمكن اختصار مشكلة الطائفة السنّيّة في الوقت الحالي بما سمّاه بيان المستقبل بـ”بلطجة” الوزير قرم، بل إنّ أكبر هذه المشاكل ناتجة عن انكفاء الرئيس الحريري وتفرّد الرئيس ميقاتي و”حساباته الشخصية”، حيث يبدو أنّ الأخير يعدّ العدّة في حال حصول تسوية رئاسية لاستبدال المواقع السنّيّة التي أتت بها الحريرية السياسية بأشخاص جدد يؤسّسون لمرحلة تسمى على اسمه”.
يرى كثيرون أنّ “”حالة” القاضي هاني حلمي الحجّار في السراي الحكومي تشكّل امتداداً لسياسة تخلّي الحريري عن ومكتسباته، وتعكس انغماس ميقاتي بالمقابل في تحصيل مكاسب مفترضة في مرحلة التسوية المقبلة، مكتفياً بحمل شعارات الحفاظ على حقوق الطائفة السنّيّة من دون الالتزام بتطبيقها”. فقبل أيام تقدّم معاون مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي هاني حلمي الحجار من وزير العدل هنري خوري بطلب إلغاء انتدابه مستشاراً قانونياً لدى رئاسة الحكومة الصادر عام 2018.
وكان الحجار قد زُكّي لهذا الموقع برغبة من الحريري في حكومة العهد الأولى، وغاب عن السراي في مرحلة حسان دياب، ثمّ التحق بموقعه في السراي مجدّداً بعد أشهر من تعيين ميقاتي رئيساً للحكومة، لكنّه لم يعد قادراً، وفق مطّلعين، على الاستمرار في ظروف عمل لا تحترم تجربته التي بناها في السلك القضائي ولا المهامّ المفترض أن تناط به وفقاً لموقعه في السراي.
تُذكّر الأوساط بأنّ اللواء عثمان عُيّن في حكومة الرئيس سعد الحريري الأولى والقاضي عويدات في حكومة الرئيس الحريري الثانية في عهد الرئيس ميشال عون، وهما كانا بمنزلة خيار شخصي للحريري
يتمسّك الحجار، وفق المصادر، بكتاب إلغاء انتدابه “الذي لا عودة عنه”، وينتظر أن يبتّه وزير العدل القاضي هنري الخوري. ويُنقل عنه أنّه “في وقت لم تنَل منه السهام التي تلقّاها في صدره وأساءت من غير ذنب الى صورته القضائية، إلاّ أنّه لم يعد يحتمل السكوت عن الطعنات في الظهر”، في إشارة إلى التضييق الذي تعرّض له في السراي ودفعه إلى تقديم طلب إلغاء الانتداب الذي لا يُمكن وضعه إلا في خانة “الإحراج للإخراج”.
القاضي الذي يُشهد له بالكفاءة العالية والسمعة النظيفة والبروفيل البعيد عن الأضواء لم تنصفه “الحريرية” ولا أدركت “الميقاتية” حيثيّته القضائية والمهنيّة وتماسه المباشر مع ملفّات تخصّ الطائفة كملفّ السجون والموقوفين الإسلاميين.
هو الملفّ الذي أزاحه ميقاتي عن ظهره قبل أيام بأن أحال هيئة العلماء المسلمين، بعدما طلبوا منه التواصل مع مفوّض الحكومة القاضي فادي عقيقي، إلى القاضي الحجار، فيتبيّن أنّ الأخير بادر منذ حوالي أسبوع إلى طلب إلغاء انتدابه إلى السراي.
لم يتمكّن الحجار من فهم ماذا يريد ميقاتي من المستشار القانوني لرئاسة الحكومة بعد تشكيل الحكومة ولا قبل الانتخابات النيابية ولا بعدها. إذ لم تُسهم الاجتماعات المتكرّرة بين الطرفين والعلاقة الطيّبة والودّية، وفق المعلومات، في إرساء آليّة عمل بمهامّ واضحة وفق ما كان يطلب الحجّار الذي تمّ التداول باسمه للتوزير في حكومة ميقاتي الحالية.
إقرأ أيضاً: باسيل: العونيون إلى الشارع وفرنجية أحد الأهداف
هكذا وفيما يجهد ميقاتي للإيحاء بأنّه ناشط على خط توحيد جهود أهل الطائفة ولمّ الشمل وتحصين جبهة المواجهة مع العهد ووريثه، “ينسحب” من السراي مَن فرضت الظروف عليه يوماً بفعل وجوده مستشاراً فيها إلى جانب الحريري أن يكون أبرز وجوه المواجهة مع هذا العهد، و”على عينك يا ميقاتي”.