كشف الباحث نديم شحادة أنّ تقرير البنك الدولي الأخير عن لبنان، الذي أثار ضجّة في الأوساط السياسية والإعلامية والشعبية في لبنان قبل أسبوعين، إذ اعتبر أنّ اللبنانيين كانوا ضحية “مخطّط بونزي*” و”ركود متعمّد”، أنجزه “شربل نحاس وآلان بيفاني اللذين كانا من الركائز المهمّة للنظام ذاته الذي ينتقدانه الآن”. وأكّد أنّ البنك الدولي كان “شريكاً في صياغة السياسات العامة وشريكاً للحكومات اللبنانية المتعاقبة، بل مموّلاً لمعظم المشاريع المذكورة في التقرير”.
ولفت شحادة إلى أنّ التقرير الذي حمل عنوان “تقرير الماليّة العامة في لبنان: مخطّط تمويل بونزي (Lebanon Public Finance Review Ponzi Finance) أعدّه فريق يتألف من الوزير السابق شربل نحّاس “وساعده فريق من ثلاثة باحثين هم أعضاء في حزبه السياسي “مواطنون ومواطنات في دولة”. ترشّح اثنان منهم معه عن الحزب في انتخابات 2018. تعاونا مع مؤسسة المواطنة اللبنانية، برئاسة آلان بيفاني، وحظيا بدعم عددٍ كبير من موظّفي البنك الدولي في كلّ من لبنان وواشنطن”.
شحادة ذكّر، في مقال نشره موقع “آراب نيوز” قبل أيّام: “كان كلّ من نحاس وبيفاني نشيطين في النظام الذي ينتقدانه اليوم، وكانا من الركائز المهمّة له. ترشّح كلاهما للانتخابات البلدية في بيروت عام 1998 تحت راية التيار الوطني الحر للعماد ميشال عون، رئيس الجمهورية الحالي. وكانا مستشارَين للجنرال إميل لحود عندما كان رئيساً للجمهورية، وكانا مقرّبين من اللواء جميل السيد عندما كان مديراً عامّاً لمديرية الأمن العام”.
البنك الدولي كان شريكاً في صياغة السياسات العامة وشريكاً للحكومات اللبنانية المتعاقبة، بل مموّلاً لمعظم المشاريع المذكورة في التقرير
وأشار المقال إلى “أنّ نحاس الذي شغل مرّتين مناصب وزارية نيابة عن التيار الوطني الحر، في حكومتين متتاليتين: فكان وزيراً للاتصالات بين تشرين الثاني 2009 وحزيران 2011، ووزيراً للعمل من حزيران 2011 إلى شباط 2012، ذكّر الرئيس عون الذي اختلف معه لاحقاً، كيف عقد (نحاس) في عام 2011 اجتماعات مع بيفاني والنائب إبراهيم كنعان وجبران باسيل زعيم التيار الوطني الحر اليوم، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ووافق على “نسف” النظام”.
وقال شحادة إنّ “عضو فريق صياغة التقرير آلان بيفاني كان مديراً عامّاً لوزارة الماليّة لمدّة 20 عاماً حتى استقال في عام 2019، وكان أيضاً عضواً في مجلس إدارة المصرف المركزي، ورأس وحدة إدارة الديون الحكومية في وزارة الماليّة عند إنشائها في عام 2008. وهو من وقّع على جميع الموازنات ومعاملات الديون، وكان المسؤول الأعلى مرتبة من منظور كلّ من وزارة المالية والمصرف المركزي، ولديه معرفة كاملة بالعمليات المالية والنقدية. ولذلك لا يمكن بأيّ طريقة اعتباره مراقباً محايداً”.
حزب سياسي أعدّ التقرير
وسأل: “تخيّلوا الفضيحة لو أنّ البنك الدولي تبنّى حزباً سياسياً في أيّ بلد آخر غير لبنان وزوّده بالموارد والدعم، فضلاً عن موافقته ومصداقية دعمه المؤسسي لإنتاج برنامجه السياسي الخاص”. وقال: “إذا أراد البنك الدولي تطبيق مبدأ الحياد والإنصاف، فسيتعيّن عليه أن يفعل ذلك في دول أخرى في المنطقة، مثل تركيا أو سوريا أو العراق أو اليمن. وستكون معايير اختيار الأطراف التي سيتمّ دعمها مثيرة للاهتمام. بل في الواقع سيكون انقلاباً كبيراً إذا تمكّن السياسيون الغربيون المتطرّفون مثل بيرني ساندرز في الولايات المتحدة الأميركية أو جيريمي كوربين في المملكة المتحدة من إقناع البنك الدولي بأن يلقي بثقله وراء مسارهم السياسي. هذان الرجلان، مثل نحاس، يتمتّعان بشخصية كاريزمية جذّابة بين جيل الألفية. بل ذهب نحاس إلى أبعد من ذلك: فقد طلب علناً من السيد حسن نصر الله، الأمين العامّ لحزب الله، تسليم السلطة إليه وإلى حزبه، وأن يرعاه ويكفل مناصرته كحاكم مؤقّت للبلاد حتى يتمكّن من إصلاحه… لم يُخْدَع نصرالله بذلك ولا الناخبون في عام 2018، لكن من الواضح أنّ البنك الدولي فعل ذلك”.
كان كلّ من نحاس وبيفاني نشيطين في النظام الذي ينتقدانه اليوم، وكانا من الركائز المهمّة له
مسؤولية البنك الدولي
كاتب المقال اعتبر أنّ الاستنتاجات التحليلية وتوصيات السياسة الواردة في التقرير الشهير يتعارض بعضها مع البعض الآخر، وإنّه إذا كان صحيحاً وكان هناك “مخطط بونزي” و”ركود متعمّد”، فإنّ البنك الدولي كان شريكاً نشطاً في كلتا الحالتين ويتحمّل جزءًا كبيراً من المسؤولية عن النتائج.
ووصف الكتاب التقرير بأنّه “متحيّز” ويسيء إلى لبنان والبنك الدولي نفسه، وسأل عن دور البنك الدولي على مدار الثلاثين عاماً الماضية في دعم السياسات الضارّة التي ينتقدها.
وذكّر بأنّه “قبل ثلاث سنوات تقريباً من اندلاع الأزمة الحالية، كان إصدار البنك الدولي في خريف 2016 للمرصد الاقتصادي للبنان مليئاً بالثناء لِما وصفه بالسياسات الاستباقية الفاعلة لمصرف لبنان، البنك المركزي في البلاد”. وقال: “قدّم البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية قروضاً ومنحاً، فضلاً عن الدعم الفنّي للبرامج والإجراءات التي قال التقرير “إنّها أدّت عمداً” إلى نتائج كارثية”.
غير أنّ “ما يبدو أكثر إثارة للحيرة بشأن التقرير، في رأي شحادة، هو استخدامه “لهجة الناشطين واللغة الشعبوية، وهو ما يمثّل انحرافاً جذرياً عن المصطلحات الجافة والروبوتية المعتادة للبيروقراطية في واشنطن. فمنذ متى يبدأ تقرير البنك الدولي بـ”رسالة إلى اللبنانيين” يبلغهم فيها أنّ خسارة مدّخراتهم كانت نتيجة إجراءات مدروسة نفّذها النظام القائم بقصد إفقارهم”. واستطرد الكاتب ساخراً: “يبدو أنّ مؤلّفي التقرير سعداء بشعارهم “الركود المتعمّد” وكرّروه عدّة مرّات في المقدّمة بخطّ مائل للتأكيد عليه، بل إنّ العنوان “Ponzi Finance”(تمويل بونزي)، هو في حدّ ذاته إثاريّ للغاية وغير مسؤول، إن لم يكن متعالياً”.
إقرأ أيضاً: البنك الدولي: لبنان يغرق… التعافي يحتاج 19 عاماً
* نديم شحادة اقتصادي لبناني وباحث مشترك حول شؤون الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى المعهد الملكيّ للشّؤون الدّوليّة ـ شاتهام هاوس.
– Ponzi Finance أو خطط تمويل بونزي: تعني التمويل الاحتيالي على طريقة تشارلز بونزي، المحتال الأميركي من أصل إيطالي. وكان أوّل من أنشأ طريقة الاحتيال الشهيرة بـ”سلسلة بونزي“، ويعتمد على جذب المستثمرين عبر تقديم الوعود بتحقيق عائد كبير من دون مخاطرة، لكنّه في واقع الأمر يستخدم أموال المستثمرين الجدد لدفع مستحقّات المستثمرين السابقين من أجل كسب ثقتهم.
رابط المقال باللغة الإنكليزية: إضغط هنا