باسيل في بيروت والمالكي في بغداد

مدة القراءة 5 د

لا أميل ‏إلى ‏القول المستعجل بانعدام فرص جبران باسيل في الوصول إلى رئاسة الجمهورية. لنتأمّل قليلاً سلوك الفريق الحاكم للحياة السياسيّة في العراق، أي جماعات إيران، الإيرانية والعراقية، كنموذج لقراءة ما يمكن أن تكون عليه خيارات هذا الفريق نفسه في لبنان.

هذا الفريق الذي يحاول في العراق إعادة عقارب الساعة إلى الوراء عبر ترئيس نوري المالكي أو مَن يختاره المالكي لرئاسة الحكومة، يتصرّف على قاعدة أنّ كل ما حدث في هذا البلد، من تظاهرات وحراك شعبي، وولادة معادلة سياسية جديدة عبّر عنها الرئيس مصطفى الكاظمي بعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني، والانفتاح العراقي على العرب، يمكن الإطاحة به، وتنحيته جانباً. ويصرّ هذا الفريق على أنّ إعادة تأسيس معادلات الهيمنة الإيرانية على العراق من داخل المؤسّسات، كما ساد لزمن طويل، هو أمر متاح، ويستأهل تحقيقه، عدم التلهّي بلعبة التسويات، بحجّة مغازلة هذا الجانب العراقي أو ذاك، أو التأقلم مع المعطيات الجديدة في الواقع العراقي.

حافظ حزب الله على أكبر قدر ممكن من المكانة السياسية، النيابية والوزارية والخدماتية والإعلامية، لكلّ حلفائه ممّن يندرجون تحت عنوان حلفاء سوريا في لبنان

‏لا تختلف المقاربة السياسية لهذا الفريق في لبنان عمّا يمارسه في العراق، ولا أظنّ أنّ حزب الله، الذي يملك نظريّاً عدداً من الخيارات، أسقط خيار إيصال مرشّحه الأول إلى رئاسة الجمهورية، بعد أن ثبت حجم ولاء وتبعيّة الحالة العونيّة، في كافّة المحطّات الحسّاسة، أكان ما قبل رئاسة عون أم في خلالها.

‏صحيح أنّنا في العراق بإزاء صراع شيعي شيعي، ستكون لنتائجه أبعاد استراتيجية مهمّة بشأن بنية النفوذ الإيراني في المنطقة، وهو ما يتطلّب استنفاراً إيرانيّاً هائلاً، ورفضاً شرساً لأيّ تسوية تضعف هذا النفوذ، ولكنّ الصحيح أيضاً أنّ إيران وحزب الله يحتاجان، للأسباب نفسها، إلى غطاء لبناني “يُلطّف” الهيمنة على لبنان، بالطريقة السائدة منذ انقلاب السابع من أيار 2008، ويطيل أمد هذا الحكم من دون اللجوء إلى تسويات رئيسية، ويسنده ويتحالف معه في المرحلة المقبلة، التي “قد” تنطوي كما أشار حسن نصرالله على فتح ورشة تعديلات دستورية، في واحدة من أخطر لحظات اختلال الميزان الوطني في لبنان.

‏للأسف لا تكفي الأدلّة الغزيرة المتوافرة حول انهيار المكانة الشعبية للعونيّة السياسية، التي يطمح جبران باسيل لوراثتها وترؤّس البلاد باسمها، للقول إنّه بات خارج السباق، رئيساً أو صانعاً للرئيس. فهي أوّلاً لم تكفِ في حالة نوري المالكي في العراق، حيث علامات الرفض الشعبي له أكبر من تلك التي تخصّ العونيّة السياسية في لبنان.

ولننتبه أنّ الحزب حافظ على أكبر قدر ممكن من المكانة السياسية، النيابية والوزارية والخدماتية والإعلامية، لكلّ حلفائه ممّن يندرجون تحت عنوان حلفاء سوريا في لبنان، وذلك بعد أن انهار كلّ ركن من أركان النفوذ السوري عندنا. فكيف الحال مع الحالة السياسية العونيّة التي تتمتّع بواقع برلماني مسيحي مهمّ على الرغم من تراجعه كمّاً ونوعاً.

ليس بسيطاً أن ينجح جبران في تكوين كتلة برلمانية من 17 نائباً مسيحياً، على الرغم من:

1-  العقوبات الأميركية.

2-  انقطاع علاقاته العربية، ولا سيّما الخليجية، بما لذلك من انعكاس مفترض على المزاج التاريخي عند المسيحيين.

3-  فقدانه للغطاء الكنسي الماروني.

4-  تجسيده لكلّ ما يمقته اللبنانيون، بحيث تحوّلت شتيمته إلى مرادف لنشيد الثورة.

5-  سجلّه الحافل بالفشل الخدماتي، لا سيّما في وزارة الطاقة التي تطال مصالح كلّ فرد لبناني.

6-  التصاقه بأكثر مشروع معادٍ لفكرة الدولة في الوجدان الماروني.

وأمّا بعد، فقد حلّت ندى البستاني، كواحدة من الإفرازات المباشرة للحالة الباسيليّة، في المرتبة الأولى في كسروان في الانتخابات النيابية الأخيرة!!

هذه معطيات لا يقفز حزب الله فوقها ببساطة ويسر، ذاهباً نحو إنتاج وقائع سياسية يستبدل بها استثماراته منذ اتفاق مار مخايل 2006.

الأخطر أنّ “فانتزمات التسوية” ستعطي محور باسيل-حزب الله فرصة أن يستحوذ على رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، معاً إلى جانب رئاسة مجلس النواب التي هي بمثابة تحصيل الحاصل.

ففي جعبة حزب الله وباسيل، خيار رئاسي للتسوية، يمتلك المواصفات الرئاسية التالية:

1- ماروني لا إمكانية للتجسير بينه وبين سمير جعجع (على الرغم من بعض المجاملات الاجتماعية)، ولا خوف على العلاقة بينه وبين جبران باسيل، التي بقيت مصانة بعيداً عن عيون الفضوليّين.

2- جُرِّب وثبت أنّه لم يزعج ثوابت حزب الله يوماً، ويحظى “باطمئنان” حارة حريك.

3- صُنعت صورته على مدى سنوات كنجم من نجوم “المجتمع المدني”، ما يحرج خصوم حزب الله في الاعتراض عليه.

4- يتمتّع بمقدار معتبر من النزاهة الشخصيّة والعامّة، يمكن التعويل عليها أوّلاً لمغازلة اللبنانيين عامّة، وثانياً لأن يُخفى عنهم فقدانه شبه التامّ لأيّ عصب سياسي.

إقرأ أيضاً: “السيد” جاهز للتسويات ..لكن بدون السلاح

بيد أنّ ثمن قبول باسيل بهذه التسوية، لا يقلّ عن مطالبته بالمقابل في اختيار رئيس الحكومة، ومرشّحه جاهز، وسبق أن تمّ التداول باسمه في مراحل سابقة.

لم يفعل حزب الله كلّ الذي فعله منذ العام 2006 حتى اليوم، كي يمنّ على اللبنانيين برئيس يأخذ البلاد إلى حالة تسوية، صُرف الغالي والنفيس من أجل الإجهاز عليها.

مواضيع ذات صلة

الحروب ليست حلّاً…  

عالم الحروب اليوم أعمق وأخطر، وقد وصل إلى قلب أوروبا بهجمة روسيا على أوكرانيا عام 2022 التي استمرّت حتى اليوم. وكأنّما كانت إسرائيل تنتظر مسوِّغاً…

“الحزب” يتموضع مسبقاً شمال اللّيطاني؟

يتحضّر “الحزب” لـ”اليوم التالي” للحرب. لا يبدو أنّ بقيّة لبنان قد أعدّ عدّة واضحة لهذا اليوم. يصعب التعويل على ما يصدر عن حكومة تصريف الأعمال…

كيف استفاد نتنياهو من تعظيم قدرات الحزب للانقضاض؟

كلّما زار آموس هوكستين بيروت في الأشهر الماضية، كان المسؤولون اللبنانيون وبعض المتّصلين به من السياسيين يسرّبون بأنّها “الفرصة الأخيرة”. لكنّه ما يلبث أن يعود،…

نتنياهو هزم الجنرالات…

ما حكاية الخلاف الشديد بين بنيامين نتنياهو وجنرالات الجيش والأمن في إسرائيل؟ لماذا يبدو أبطال الحرب أقرب إلى التسويات السياسية مع الفلسطينيين، بل مع حلّ…