قدّاس الشهداء: “العهد لكم”

مدة القراءة 5 د

“العهد لكم” هو عنوان اليوم، يوم الشهداء، شهداء “المقاومة اللبنانيّة”، في مقرّ حزب القوّات اللبنانيّة في معراب.

منذ أسابيع تنتشر صور الشهداء على مواقع التواصل الاجتماعيّ. رفاق استشهدوا منذ عشرات السنين. أتوقّف طويلاً عند كلّ منها. أعرف غالبيّتهم. ولكلّ صورة حكاية وموقف وبطولة في ذاكرتي. صورة ديب مطر، من فرقة الصدم، تعيدني إلى تلك الليلة وهو يستعدّ لعملية عسكريّة خلف الخطوط. ديب شجاع جدّاً. رأيته متردّداً. سألته “شو باك؟”، أجابني: “صاروا يعرفوا مركزنا. وطبيعة الأرض صعبة ما بتسمح نضرب من مكان آخر”. على الرغم من ذلك نفّذ المهمّة. واستشهد. جدّيّة كابي خضرا وبسمة ميشال مسعود معاً في الصورة، وهدوء جاك الكاتب المسرحيّ، تعيدني إلى ليل 10-11 شباط 1990. لم تغِب عن مخيّلتي صورة الياس طوق، ملقى على الأرض ومضرّجاً بالدماء… في ذاك الليل سقط أيضاً العديد من الشهداء الأحياء. منهم فادي ووليد اللذان فقدا ساقيهما. لقد حوّل ميشال عون “المناطق المسيحيّة” إلى “جهنّم”، ثلاثين عاماً قبل أن يحوّل كلّ لبنان إلى “جهنم”.

بالمناسبة تعود أكثر الصُوَر لشهداء سقطوا في حرب الإلغاء التي شنّها ميشال عون ضدّ القوّات.

سيعيد خطاب سمير جعجع تأكيد الاتفاق في الموقف بين القوّات وبكركي. وليس هذا الاتفاق ظرفيّاً إنّما استراتيجي

هل لا تزال القوات “نضالية”؟

بعد الحرب تحوّلت القوّات إلى حزب سياسيّ، أُعيد تأسيسه بعد خروج سمير جعجع من المعتقل. في السنوات السابقة طرحت السؤال على نفسي: أما تزال حزباً نضاليّاً؟

لم يكن السؤال تشكيكاً في وفاء سمير جعجع للشهداء، فهو يعرفهم فرداً فرداً، ولا تشكيكاً في روحه النضالية، وروحه النضاليّة هي التي قادته إلى المعتقل. لم يهرب كغيره. اختار المواجهة. لم يلِن أمام إرهاب النظام الأمني اللبناني – السوريّ. ولم يضعف. ولكنّي طرحت السؤال لسببين:

1- لأنّ بعض مَن في مركز القرار في القوّات منذ سنوات لا ينتمي إلى أفواج المناضلين، على الرغم من أنّهم من أجيالهم العمريّة. والبعض منهم لم يعرف شهيداً. وربّما لم يقف يوماً على قبر شهيد. ناقشت الموضوع مع قدامى في الحزب ونواب سابقين فيه. كان لدى البعض منهم التساؤل ذاته!

2- قناعة منّي أنّ على القوّات أن تبقى حزباً نضالياً. فهي ليست حزباً سياسياً كباقي الأحزاب. ولا يمكن أن تكونه. وكي لا يفهمني البعض خطأ، فإنّ الحفاظ على الروح النضالية لا يعني أبداً الرغبة في العودة إلى الحرب، ولا يعني التخلّي عن الواقعيّة السياسيّة في مقاربة الملفّات والأحداث، ولا رفض المناورات السياسيّة، إنّما يعني الجهوزيّة لتحمّل الاضطهادات على أنواعها من أجل القضيّة التي استشهد من أجلها آلاف القواتيّين.

 

خطاب جعجع اليوم

سيعيد خطاب سمير جعجع اليوم التأكيد أنّ القوّات حزب مناضل من أجل استعادة الدولة وتحقيق “الجمهوريّة القويّة”، حزب لا يخشى ترهيب الحزب ولا إرهاب سلاحه:

1- في موضوع حزب الله، سيكمل هجومه ضدّ سلاحه غير الشرعي، وهيمنته على قرار الدولة التي تدمّر الدولة ومؤسّساتها، وخياره الإيراني المدمّر للبنان ولعلاقاته مع محيطه العربي ومع المجتمع الدوليّ.

2- في موضوع التيار الوطني الحرّ، سيهاجم سياسة رئيسه التي تؤسّس لمرحلة جديدة من الدجل السياسيّ الذي أسّس له ميشال عون وتجلّى واضحاً في عهد رئاسته الفاشلة والكارثيّة.

3- في موضوع انتخابات رئاسة الجمهوريّة، سيعيد تأكيد خياره دعم رئيس لديه روح التحدّي والنضال لإنقاذ البلاد من براثن الفساد وهيمنة السلاح.

4- سيدعو المعارضة إلى تنسيق أكبر ليس في استحقاق انتخاب رئيس للجمهوريّة فقط، بل في استكمال الثورة على الفساد والفاسدين…

في موضوع انتخابات رئاسة الجمهوريّة، سيعيد جعجع تأكيد خياره دعم رئيس لديه روح التحدّي والنضال لإنقاذ البلاد من براثن الفساد وهيمنة السلاح

سيعيد خطاب سمير جعجع تأكيد الاتفاق في الموقف بين القوّات وبكركي. وليس هذا الاتفاق ظرفيّاً إنّما استراتيجي. وأكاد أقول كيانيّاً. والسبب أنّ القوّات هي “ابنة” الكنيسة. فمنذ بدايتها احتضنتها الكنيسة لتكون مقاومة لبنانيّة وليس مسيحيّة. لذلك اسمها “القوّات اللبنانيّة” وليس “القوات المسيحيّة”. واتّخذت جبهتها السياسيّة التي تأسّست في الكسليك اسم “جبهة الحرّيّة والإنسان”، ثمّ اسم “الجبهة اللبنانيّة”. بالتالي سيكون البطريرك الراعي حاضراً اليوم في معراب ليس فقط من خلال رعايته للقدّاس والحضور الكثيف لرجال الدين، إنّما أيضاً من خلال المواقف التي سيطلقها سمير جعجع.

 

عصا جعجع السحرية

لا يملك سمير جعجع عصا سحريّة لإنقاذ الوضع. ولكنّه “لن يُلدغ من الجحر مرّتين”، كما قال. هادن الحزب في الماضي لعلّه يعود إلى رشده ويعود إلى لبنان. فاعتبر الحزب هذا الموقف ضعفاً. واستقوى أكثر. تصرّف مع ترشيح ميشال عون على طريقة “أمّ الصبيّ”، فخسرنا “الصبي” – الدولة وقرارها ومؤسّساتها ونظامها السياسي الاقتصادي والمالي…

إقرأ أيضاً: انتخب الرهبان.. فهل ينتخب السياسيّون؟

أصبح “الحكيم” اليوم أكثر قناعةً بأن لا مخرج من الأزمة إلا بـ”عملية جراحيّة” تقتضي حلّاً جذريّاً لسلاح حزب الله، واستئصالاً للطبقة السياسيّة الفاشلة والفاسدة التي يحميها، واستبدالها بأخرى غير فاسدة وقادرة على إنقاذ البلاد وحُسن إدارتها. وهذا ما ينادي به البطريرك الماروني. ولتحقيق ذلك هناك مسار نضاليّ طويل وصعب. الانتخابات الرئاسية محطّة فيه كما كانت الانتخابات النيابيّة. لذلك سيتوجّه إلى الشهداء في يومهم بالقول: “العهد لكم” بمتابعة مسيرة النضال للوصول إلى “الجمهوريّة القويّة” التي وعد بها بشير وحَلَم بها اللبنانيون على مدى 23 يوماً.

 

* أستاذ في الجامعة اللبنانية

مواضيع ذات صلة

رجال ترامب هم رجال إسرائيل!

تعكس اختيارات الرئيس المنتخب دونالد ترامب لبعض فريقه الرئاسي الجديد عمق سياساته المقبلة تجاه العالم ككلّ، وتجاه منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص. قيل لي…

هل ينفع الحوار مع إيران للاستغناء عن خدماتها؟

حين تتحدّث مع دبلوماسيين غربيين عاملين على مسائل لبنان والمنطقة هذه الأيام، يصغون بشيء من اللياقة لما يُعرض من التفاصيل المتعلّقة بصيغة لبنان، سواء في…

صواريخ إيران: شّبح صّينيّ مجهول

كيف تحوّلت إيران إلى مصنّع للصواريخ؟ الصواريخ الإيرانية الصنع تعزّز الآلة العسكرية الروسيّة في الحرب على أوكرانيا. وهذه الصواريخ الإيرانية تشكّل رأس الحربة العسكرية للحوثيين…

تشدّد الرّياض: عودة عربيّة إلى نظام إقليميّ جديد؟

توحي نتائج القمّة العربية – الإسلامية بأوجه متعدّدة لوظيفة قراراتها، ولا تقتصر على محاولة فرملة اندفاعة إسرائيل العسكرية في المنطقة. صحيح أنّ القمّة شكّلت حاضنة…