الدكتور أنطوان مسرّة هو عضو المجلس الدستوري سابقاً (2009 – 2019). هو واحد من أبرز خبراء الدستور في لبنان. صاحب موسوعة من الكتب التي عالجت الدستور، حتى بات مسلّما أنّه مرجع دستوري يعود إليه أهل الحكم عند استفحال الأزمات، تماماً كالتي نعيشها اليوم في لبنان.
من يزور منزل مسرّة يظنّ أنّه يدخل إلى مكتبة كبرى، تشبه مكتبات الجامعات الأوروبية والأميركية. منزل مليء بالكتب، يعيش بينها هذا الخبير القانوني. من بين الكتب كان لقاؤنا معه. الطريف أنّه يسخر من كثرة المحلّلين، ممن يدّعون ويسمّون أنفسهم “مثقّفين” أو خبراء في القانون والدستور.
برأيه فإنّ الدستور واضح ولا مجال لتفسيرات كثيرة عنه وفيه. يجيب على فرضيّات الفراغ الرئاسي وسجال الصلاحيّات، فيقول: “لا شيء اسمه فراغ في أي دستور في العالم، وعلى رئيس الجمهورية أن يوقّع مراسيم تشكيل الحكومة فوراً، فالحكومة المستقيلة شرعية وحائزة ثقة المجلس مصدر السلطات وممثّل الشعب، جديداً كان أم قديماً”.
يبدأ مسرّة كلامه من انتخاب الرئيس وصولاً إلى الحكومة: “السجال القائم، وأحياناً من قبل قانونيين ومثقّفين بلا خبرة، ولا أقول حقوقيين، يهدف إلى حرف موضوع الاستحقاقات الدستورية عن جوهره ومبادئه المعترف بها عالمياً والبالغة الوضوح في النظام والدستور اللبنانيَّين”.
لا يوجد في أيّ نظام دستوري في العالم أيّ فراغ. كلّ الدساتير من دون استثناء تضمّ بنوداً وإجراءات ومبادئ لسدّ الفراغ
يطرح الموضوع من جانبين :
1- قضية المهل الدستورية: المهل المرتبطة بالاستحقاقات هي مهل مرتبطة بالشرعية، وهي محدّدة وإسقاطية وغير قابلة للتأويل، لأنّها مرتبطة بالشعب مصدر السلطات.
من هو منتخب من الشعب أو من المجلس النيابي، وهو الممثّل الشعبي، تنتهي ولايته في نهاية ولايته، ولا تُمدّد أيّاً كانت الأوضاع والظروف والضرورات حتى لدقيقة واحدة، وإلّا يصبح مغتصباً للشرعية أو ممارساً لانقلاب ومختزلاً للدستور ويخضع لمبدأ الخيانة العظمى.
قد يختلف الأمر بالنسبة إلى كلّ القيّمين الآخرين على الحكم من رئيس الحكومة ومديرين عامّين وموظّفين لأسباب ومعطيات حصرية ومحدّدة.
مَن لكن يتولّى السلطات الرئاسية في نهاية العهد في حال لم يُنتخب رئيس؟
يجيب مسرّة بلا تردّد: “لا تبرير لعدم انتخاب رئيس ولعدم اجتماع المجلس النيابي كهيئة ناخبة ولعدم تأليف حكومة. وكلّ السجالات والتأويلات والتفسيرات والاجتهادات في هذا الموضوع كما هي سائدة اليوم لا علاقة لها بأي منظومة حقوقية في العالم. بل تندرج في المخادعة القانونية escroquerie juridique”.
وهنا يشرح مسرّة الإجابة على هذه الإشكالية في نقطتين:
أوّلاً: يجب على الحكومة الحالية المستقيلة أن تتابع تصريف الأعمال، لكنّنا حاليّاً لسنا في حالة تصريف أعمال، بل نحن في حالة كارثة اقتصادية ماليّة ووطنية ومعيشية. فعبارة تصريف الأعمال تعني أعمالاً روتينية إدارية عامّة. لذلك واجب رئيس الجمهورية وهو رئيس الدولة بحسب المادة 49 أن يسهر على احترام الدستور والإسراع في تشكيل حكومة. وإذا لم يحصل اتفاق بينه وبين الرئيس المكلّف، فليس رئيس الجمهورية مَن يعطي الحكومة الثقة بل مجلس النواب.
وعليه، فإنّ التقاعس في تأليف الحكومة وتوقيع مرسوم تأليفها، يجعل الثقة التي يعطيها المجلس النيابي على درجتين! وهذا مخالف للدستور.
– درجة أولى: على مستوى رئيس الجمهورية!
– درجة ثانية: على مستوى مجلس النواب.
في حال تقاعس رئيس الجمهورية وهو رئيس الدولة الذي يسهر على احترام الدستور (المادة 49) عن توقيع مراسيم الحكومة يكون ينوب بذلك عن ثقة مجلس النواب، وهذا مخالف للدستور واستيلاء على صلاحية المجلس النيابي وخرق لمبدأ النظام البرلماني الذي يقوم على فصل السلطات، ويحوّل مجلس النواب إلى مجرّد مصادق وموقّع على الثقة.
ثانياً: حكومة تصريف الأعمال حائزة ثقة المجلس النيابي، سواء أكان جديداً أو قديماً، وتُعتبر شرعية أكثر من أيّ حكومة أخرى يتمّ تأليفها بأي بحجّة سدّ أيّ فراغ! فهي أدنى شرعية من الحكومة المستقيلة Legitimite. وبالتالي تستطيع أن تتولّى صلاحيّات رئاسة الجمهورية في حال عدم انتخاب رئيس.
إقرأ أيضاً: شكري صادر لـ”أساس”: الحكومة المستقيلة ترثُ الرئيس… ولا فراغ في الدستور
لا يوجد في أيّ نظام دستوري في العالم أيّ فراغ. كلّ الدساتير من دون استثناء تضمّ بنوداً وإجراءات ومبادئ لسدّ الفراغ. عبارة “فراغ” غير موجودة ويجب عدم استخدامها في الخطاب المتداول لأنّ استعمالها يعني الجهل أو التجهيل المتعمّد.
ما يحصل فعلاً أنّ هناك تفريغاً متعمّداً، وكلّ الممارسات منذ 2014 على الأقلّ تظهر أنّ هناك خطة داخلية وإقليمية في التعطيل والتفريغ وخرق المبادئ الدستورية. والأمثلة عديدة في التفريغ المتعمّد.