في العراق يُحاول زعماء الحشد الشعبي إيهام الآخرين بأنّ تنظيمهم المسلّح التابع لـ “الحرس الثوري الإيراني” هو ميليشيا تابعة للدولة العراقية لأنّها تنفق عليه وتسلّحه وسبق لها أن سنّت من أجله قانوناً. أمّا في لبنان، فإن السيد حسن نصر الله فقد كان واضحاً تركُز جهوده على تحويل البلد إلى دولة ميليشيا. هي ميليشياه التي تنفق عليها إيران أيضاً وتدفع لأفرادها رواتبهم وتسلِّحهم، وهو يُصيب في ذلك.
في الحالتين يوجد سلاح متفلّت يقع خارج سيطرة الدولة بغضّ النظر عن الجهة التي تنفق عليه. يتحرّك هذا السلاح بموجب تعليمات تصدر عن الحرس الثوري الإيراني، . والهدف منه ليس غامضاً. فإذا ركنّا شعارات المقاومة جانباً، وهي شعارات لم تعد صالحة للاستعمال في حاضرنا، فإنّ إيران تعتمد على سلاح أذرعها في نشر هيمنتها والحفاظ على مصالحها. وصار شائعاً أنّ ذلك السلاح سيلعب دوراً مهمّاً في المرحلة المقبلة، إذا ما أُجبرت إيران على التراجع عن سياساتها الخارجية مقابل توقيع الاتفاق النووي.
سيكون الحشد الشعبي مشكلة داخلية في العراق يتداخل من خلالها السياسي مع المذهبي. أمّا بالنسبة إلى حزب الله فإنّ اشتباكه في ميدان السياسة تجاوز حدود العبث المحلّي. فهو منذ أن صار طرفاً في الحرب السورية انتمى إلى ظاهرة الإرهاب الإقليمي الذي امتدّت تأثيراته إلى العراق واليمن. لم تكن إيران في حاجة إلى توريطه في المشكلات الإقليمية مثلما فعلت مع الميليشيات العراقية. لقد انتفخ حزب الله تلقائيّاً بسبب الظروف التي جعلته يهيمن على أجزاء من الدولة في لبنان.
سيكون الحشد الشعبي مشكلة داخلية في العراق يتداخل من خلالها السياسي مع المذهبي. أمّا بالنسبة إلى حزب الله فإنّ اشتباكه في ميدان السياسة تجاوز حدود العبث المحلّي
تشابه بين لبنان والعراق
هناك تشابه رهيب في لبنان والعراق لجهة الظروف والمعطيات ، لكن النتائج حتى اللآن تبقى معلقة. في لبنان لم يكن مفاجئاً، أنّ دولة الميليشيا لم تتمكّن من توسيع حدودها لتشمل كلّ الجغرافية اللبنانية، وذلك بتأثير مباشر من احتجاجات عام 2019 وما تلاها من أحداث، وفي مقدَّمها كارثة ميناء بيروت. هذا دفع بـظاهرة حزب الله إلى الإنحسار حتى بين أوساط الطائفة الشيعية التي صار في إمكانها أن تعبّر عن تململها في مواجهة الأوضاع المعيشية المنهارة.
أمّا ميليشيا الدولة في العراق التي تمّ تلفيقها في ظروف مفتعلة فإنّها فقدت فرصة الصعود إلى السلطة على الرغم من أنّ عدداً من زعمائها صاروا نوّاباً في البرلمان العراقي. في وقت سابق صارت قطباً في الحياة السياسية، غير أنّ عاصفة الاحتجاجات الشبابية في تشرين الأول 2019 جمّدت تمدّدها عند حدود رغبة زعمائها في الحفاظ على إنجازها بالبقاء جزءاً من الحياة السياسية التي لا يمكن الرهان على ثباتها.
لهذا يمكن القول إنّ حركة الاحتجاج الشعبي في لبنان والعراق نجحت في قطع الطريق أمام حزب الله في الوصول إلى هدفه في تحويل لبنان إلى ولاية إيرانية، وأمام الحشد الشعبي الذي بات معزولاً ومكشوف الخطط المعادية لقيام دولة، وصارت المسافة تتّسع بينه وبين الدولة، وليس من المستبعد أن يجري حلّه إذا تمكّنت الحكومة المقبلة من سنّ قانون يعالج مسألة السلاح الذي يقع خارج سيطرة الدولة.
هذه نظرة متفائلة تدعمها نتائج الانتخابات الأخيرة. صحيح أنّ تلك النتائج لم تكن حاسمة، غير أنّها كانت مقيِّدة لمشروعَيْ الطرفين (الحزب والحشد الشعبي) في السيطرة المطلقة على أمور الدولتين. لذلك يكتفيان اليوم بالإعاقة من غير أن يقدّرا أنّهما مع استمرار سلوكهما المعيق لا يكسبان شيئاً، فالزمن لا يجري لصالحهما في ظلّ افتضاح دورهما التآمري في الإبقاء على الأوضاع المعيشية في حالة تردٍّ مستمرّ.
إقرأ أيضاً: لبنان والعراق(1/2): توأمان سياسيان غير مُعلَنيْن؟
حتى الآن اكتفى الشعب بردود الأفعال، لكن لا شيء يضمن بقائه عند حدود المعارض الغاضب السلبي، فقد تدفعه ظروفه التي تزداد سوءاً إلى التدخّل المباشر من أجل التغيير.