اختار النائب ملحم الرياشي “برانش” مع عدد من الإعلاميين ليعلن أنّه يرشّح رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع لرئاسة الجمهورية: “لم أشاوره، ولا شاورتُ أحداً في الداخل أو الخارج، بل سأطرح الترشيح في اجتماع تكتلنا النيابي”.
الرياشي: سمير جعجع مرشّح الأكثرية المسيحية التي كرّستها نتائج الانتخابات النيابية له الفرصة أيضاً لأن يكون رئيساً
لكنّ الرجل الآتي من اللاهوت والأدب، ومن الصحافة والكتابة، ومن المصالحات والتفاهمات، ومن إدمان التاريخ وفهم الجغرافيا، إختار ليعلن هذا الترشيح مجموعة من الشيفرات التي يمكن جمعها وتفكيكها للخروج بفهم واضح لهذا الترشيح:
1- في المكان: اختار الرياشي أنطلياس، ساحة “العامية” الشهيرة في تاريخ الموارنة، في قلب المتن. وأعلن للزملاء سبب هذا الاختيار. هو الذي يمثّل حزباً شارك في عامية 14 آذار وفي عامية 17 تشرين، وسيكون أساسياً في أيّ عامية آتية، إذا استمرّ الانزلاق.
2- في الزمان: للتاريخ رمزيّة أيضاً. قبل يومين فقط كان جمهور بشير الجميّل يحتفل بذكرى انتخابه رئيساً للجمهورية مستحضراً خطابه الرئاسي ومطالباً بانتخاب رئيس يشبه البشير. وبعد أسبوع ندخل في المهلة الدستورية لانتخاب رئيس يخلف ميشال عون.
3- في شخصه: يجمع ملحم رياشي فوق كتفيه رأساً يمكن تأويله على أكثر من معنى. فهو مرشّح “الحياد البطريركي”، والمسوّق الذي لا ييأس له، وقد صار “نائب الحياد البطريركي”. وبالتالي فإنّ رسالة بكركي قد تستوفي بعض شروطها هنا.
4- في المصالحة المسيحية: الرياشي هو الذي وقف خلف “تفاهم معراب”. لم يتعب من الدفاع عن أهمية هذا التفاهم في مسيرة القوات وفي وقف الحروب العونية القواتية العبثية، وفي تطهير اسم القوات من كلّ الدعاية السوداء التي تعرّضت لها. وللرياشي سيرة ذاتية متينة طويلة من العمل إلى جانب الحكيم ألبير مخيبر، وصولاً إلى الحكيم سمير جعجع، وما بينهما من محطّات سياسية طبع فيها بصماته، أبرزها المصالحة المسيحية – المسيحية التي أوصلت ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية. فهي أوّلاً أسقطت الجدار الذي كان ما يزال عالقاً منذ الحرب بين جعجع وجزء من الوجدان المسيحي، وثانياً أسقطت تجربة عون في بعبدا و”أسطورة ميشال عون”، وثالثاً فتحت الباب اليوم لتقول ردّاً على مبادرة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل من الديمان: “إذا أراد باسيل هذه المرّة أن يدعم وصول سمير جعجع إلى الرئاسة كما فعل جعجع مع عون عام 2016 فأهلاً وسهلاً، وأمّا أن يتوقّع أن نتّفق على رئيس لا لون له فهذا ليس وارداً”.
5- في الأكثرية المسيحية: النائب “الطازج”، بعد ثلاثة أشهر من نيابته، ينطلق من أنّه جزء من كتلة تمثّل الأكثرية المسيحية، في النواب وفي عدد الأصوات: “المسيحيون أعطونا 200 ألف صوت، وهذا دليل ثقتهم بالقوات”.
6- في العروبة: الرياشي أيضاً هو سفير العرب في معراب، وسفير معراب لدى العرب. ومبادرة كهذه لا بدّ أن تمرّ في طريق الذهاب، بالعرب، أو في طريق الإياب.
7- في الأهداف: يدرك الرياشي أنّ ظروف جعجع مختلفة عن ظروف بشير الجميّل، وأنّ الواقع يحتّم التحاور مع الجميع، ولا سيّما مع القوّة الكبرى في البلاد، وهي حزب الله. وهو يقول إنّ “في البلاد قوّتين أساسيّتين، ومن هنا يبدأ الحوار مع جعجع الرئيس وليس جعجع المرشّح”، باعتبار أيّ كلام آخر لا طائل منه ولا مفاعيل له. لكنّه يصرّ على أنّه “لا يجوز أن يكون ترشيح ميشال عون طبيعياً، وترشيح سليمان فرنجية طبيعياً، فيما ترشيح سمير جعجع “غير طبيعي”.
اختار النائب ملحم الرياشي “برانش” مع عدد من الإعلاميين ليعلن أنّه يرشّح رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع لرئاسة الجمهورية
مناورة أم ترشيح جدّي؟
وحين يُسأل: هل تحاول رفع سقف المواجهة للوصول إلى مرشّح وسطيّ مواصفاته أقرب إلى مواصفات القوات؟ أجاب بحزم:
– أوّلاً، هو ترشيح جدّي “كما تراني وأراك”.
– ثانياً، هدفه نزع صفة “التابو” عن الكلام عن جعجع رئيساً. لماذا نقبل بأمراء الحرب في كلّ المواقع الأخرى ولا نقبلها لسمير جعجع؟ كفى استخفافاً بهذا الأمر.
– ثالثاً، يتمتّع جعجع بمواصفات عدّة تخوّله إنقاذ الجمهورية. أولاها أنّه يضمن فكّ عزلة لبنان عن محيطه العربي والخليجي. وثانيتها أنّه يستطيع محاورة حزب الله من الندّ إلى الندّ.
– رابعاً، إنّه دائماً رجل المرحلة. في الحرب كان قائداً عسكرياً، وعندما تسلّم المنطقة الشرقيّة انتظمت، وعندما وجد وجوب انتخاب عون رئيساً فعلها.
يقول الرياشي إنّ “الحزب مكوّن أساسي في البلاد”. لا يسمّيه مكوّناً إيرانياً، بل هو لبناني والتحاور معه واجب. يصف خطاب الأمين العامّ للحزب الأخير بأنّه “إعادة قراءة ومراجعة يقوم بها الحزب لعلاقته مع الدولة. مرحّب بها هذه المراجعة. غير أنّ الحوار معه يجب أن يكون حواراً بين أقوياء وليس بين قويّ وضعيف لأنّ إعادة بناء الدولة تستوجب حواراً ورئيساً لا يخاف إذا اتّصل به مساعد وفيق صفا”.
إقرأ أيضاً: خطة “ب” رئاسية للحزب: كلّ الملفات قيد الدراسة؟
“سمير جعجع مرشّح الأكثرية المسيحية التي كرّستها نتائج الانتخابات النيابية له الفرصة أيضاً لأن يكون رئيساً”، يقول الرياشي الذي ينسج العلاقات مع القوى منطلقاً من سيرته الذاتية السياسية الطويلة. فهل ينجح في خلق مساحات نقاش والتقاء على رئيس ندّ للحزب؟ لا على مواصفات تشبه مواصفات مباراة انتخاب ملكة جمال لبنان…