كبسة أصبع… تمحو المستقبل

مدة القراءة 4 د

يروي الرئيس البريطاني الأسبق ونستون تشرتشل في مذكّراته عن الحرب العالمية الثانية أنّه خلال اجتماع يالطة الذي جمعه إلى الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت والرئيس السوفياتي جوزف ستالين، فوجئ باللغة الفوقية والاستعلائية التي استخدمها الرئيس الأميركي في مخاطبة ستالين، وذلك خلافاً لِما كان يحدث في الاجتماعات السابقة.

يقول تشرشل إنّه لم يجد تفسيراً لذلك إلا بعدما عرف بامتلاك الولايات المتحدة السلاح النووي الذي أُطلق بعد ذلك بوقت قصير في 6 آب 1945 على اليابان (هيروشيما وناكازاكي) وأدّى إلى مقتل 150 ألف شخص على الفور.

ربّما يكون قصف اليابان بالسلاح النووي قد عجّل في إجراءات استسلام اليابان “من دون قيد أو شرط”، لكنّ القصف النووي وجّه رسالة إنذار إلى الاتحاد السوفياتي، وهي الرسالة التي أطلقت الحرب الباردة، وأطلقت في الوقت ذاته سباق التسلّح النووي.

يضمّ النادي النووي اليوم الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي (أميركا، روسيا، الصين، فرنسا، وبريطانيا)، ويضمّ أيضاً دولاً عديدة أخرى، مثل الهند وباكستان وإسرائيل وكوريا الشمالية. وتقف على أبواب هذا النادي إيران. أمّا الدخول إليه فإنّه يتوقّف على نتائج اجتماعات فيينا.

العالم على كفّ عفريت نووي. إنّ معلومة خاطئة قد تؤدّي إلى حركة إصبع رئيس ما على جهاز إلكتروني محمول تلغي كلمة المستقبل من قاموس الإنسانية

آباء القنبلة النووية

انتقلت النواة الأولى للصناعة العسكرية النووية إلى إيران وجنوب إفريقيا (أثناء فترة حكم التمييز العنصري)، وحتى إلى ليبيا (أثناء سلطة معمّر القذافي) من باكستان، وتحديداً من خلال أبي المشروع النووي الباكستاني الدكتور عبد القدير خان الذي عيّنه الرئيس برويز مشرّف مستشاراً خاصّاً له بعد إبعاده عن المؤسسة النووية استجابة للضغط الدولي، وبالتعاون مع عشرات الشركات الأوروبية المختصّة، كما يذكر ذلك المؤرّخ وليم لانغويش في كتاب له عنوانه: “البازار النوويّ: صعود النوويّين الفقراء”.

في هذا الكتاب يروي المؤلّف كيف تصرّف آباء القنبلة النووية الأولى، وعلى رأسهم ألبرت آينشتاين وروبرت أوبنهايمر، وهما من أصول ألمانية – يهودية.

يقول المؤلّف إنّ جمعية العلماء النوويين التي كانت تضمّ كلّ العلماء، حذّرت المسؤولين الممسكين بزمام الحكم واتّخاذ القرارات من خطورة استعمال السلاح النووي على الإنسانية، ونقل المؤلّف عن آينشتاين قوله: “لو أنّ السياسيين يعرفون ما نعرفه عن هذا السلاح لبادروا إلى إلغاء الحروب جملةً وتفصيلاً. فإذا وقعت حرب نووية، فإنّ العالم لن يعرف حرباً ثانية لأنّها ستكون نهاية الحروب، ونهاية الإنسان”.

لم تُلغَ الحروب. وها هي حرب أوكرانيا تزداد اشتعالاً. وقد تكون المدخل إلى ما هو أخطر وأسوأ على الإنسانية كلّها. حُصرت الحروب حتى الآن في أقاليم ومناطق محدّدة (حروب إقليمية) من دون اللجوء إلى السلاح النووي. وكادت أزمة كوبا تكون استثناء. واليوم تشتعل الحرب الأوكرانية. ومن أجل ذلك اقترح العلماء إلغاء نظام الدولة الوطنية وإقامة دولة عالمية واحدة، وأوّل من اقترح هذه الفكرة آينشتاين. وبذلك يتمّ في اعتقادهم تعطيل استخدام السلاح النووي. ولكنّ ذلك لم يحدث أيضاً. ما حدث هو اتفاق بين موسكو وواشنطن على عقد معاهدة في عام 1970 لمنع انتشار الأسلحة النووية، وحصر شرعية امتلاك هذا السلاح التدميري بالدول التي تملكه في ذلك الوقت (أي في عام 1970). غير أنّ هذه المعاهدة الدولية خُرِقت مراراً. وآخر متّهم بمحاولة اختراقها هي إيران.

 

سبب الاهتمام بإيران

من هنا الاهتمام الدولي ببرنامج إيران النووي.

إقرأ أيضاً: قنبلة هيروشيما.. هل تكون الأخيرة؟

لم تعد الصناعة النووية سرّاً من أسرار العلوم الحديثة. ولم تعد الموادّ الأوّلية للصناعة النووية مجهولة أو محتكَرة. ويعرف العالم جيّداً الآثار الرهيبة للتدمير النووي (سواء كان تدميراً عن سابق تصوّر وتصميم كما حدث في اليابان، أو تدميراً عن طريق الخطأ كما حدث في مفاعل تشيرنوبيل في أوكرانيا). أخطر ما يكون السلاح النووي عندما يكون بإمرة رئيس يتمتّع بسلطة اتّخاذ القرار. وهو ما سبق أن فعله الرئيس الأميركي في نهاية الحرب العالمية الثانية، وكانت الكارثة. وهو ما كاد يحدث من جديد في أيام نيكيتا خروتشوف وجون كينيدي، وما قد يحدث اليوم مع فلاديمير بوتين وجو بايدن. لقد دخل على هذا المسرح الآن الرئيس الصيني “شي جين بينغ”، وربّما الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون.

العالم على كفّ عفريت نووي. إنّ معلومة خاطئة قد تؤدّي إلى حركة إصبع رئيس ما على جهاز إلكتروني محمول تلغي كلمة المستقبل من قاموس الإنسانية.

مواضيع ذات صلة

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…

على باب الاستقلال الثّالث

في كلّ عام من تشرين الثاني يستعيد اللبنانيون حكايا لا أسانيد لها عن الاستقلال الذي نالوه من فرنسا. فيما اجتماعهم الوطني والأهليّ لا يزال يرتكس…