ينشر “أساس” على حلقتين، جوهر التعديلات المُقَرّة على قانون رفع السريّة المصرفية، وتلك التي قد تقرّ في القريب العاجل في حال الدعوة إلى جلسة تشريعية، نظراً إلى أهمّيّة هذا القانون.
اللافت أنّ النواب جبران باسيل وإبراهيم كنعان وسيمون أبي رميا يريدون تعديلات تحاسب الموظفين والمسؤولين والسياسيين والمرشحين ومستشاريهم والإعلاميين وعائلاتهم، منذ العام 1989.
لم تنتهِ تماماً معركة تعديل قانون السرّيّة المصرفية. وفق معلومات “أساس” سيُطرح في الجلسة التشريعية المقبلة اقتراح قانون معجّل مكرّر بمادّة وحيدة “لتعديل بعض أحكام قانون السرّيّة المصرفية” قد تثير جدلاً سياسيّاً كبيراً.
لن يكون إمرار “القانون – التعديل” سهلاً، خصوصاً أنّ بقعة تداعيات التعديلات المُقَرّة على قانون السريّة المصرفية في جلسة 26 تموز لم تنحسر بشكل كامل مع وجود مُعسكرين:
اللافت أنّ النواب جبران باسيل وإبراهيم كنعان وسيمون أبي رميا يريدون تعديلات تحاسب الموظفين والمسؤولين والسياسيين والمرشحين ومستشاريهم والإعلاميين وعائلاتهم، منذ العام 1989
– الأول يعتبر بالتعديلات غير مهمة ولا تقدّم المطلوب، على اعتبار أنّها لا تحدّد آليّة المفعول الرجعي، وتنفي حتّى وجوده، وتُبقي هيئة التحقيق الخاصة ممرّاً أساسيّاً لطلب رفع السرّيّة المصرفية. ولا يستوفي القانون، برأي المعسكر نفسه، شروطاً جدّية تساعد على محاسبة للفاسدين لأنّها تبقي الصلاحيّة بيد المدّعي العامّ المالي. تُضاف إلى ذلك تساؤلات كبيرة: هل القانون إصلاحيّ فعلاً أو هو “قانون احتيالي” على صندوق النقد الدولي لإرضائه شكلاً، فيما تنفيذ القانون والالتزام بمندرجاته سيبقيان حبراً على ورق؟!
– المعسكر الثاني يؤكّد أنّ القانون نقل لبنان، بسرّيّته المصرفية، من ضفّة إلى أخرى، فاتحاً المجال أمام “كشف” أيّ مشتبه به ماليّاً بقضايا فساد بعد سحب الصلاحيّة الحصرية من يد هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، ونقلها إلى آلية تقديم طلبات لرفع السرّيّة من جانب قضاة التحقيق في جرائم الفساد والجرائم المنصوص عليها في المادة 19 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، والجرائم المحدّدة في قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، ودعاوى الإثراء غير المشروع. يمكن أيضاً للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والإدارة الضريبية وهيئة التحقيق الخاصة طلب رفع السرّيّة المصرفية! هذا ويتحصّن القانون بالمفعول الرجعي باستناده إلى قوانين تأخذ بالمفعول الرجعي كقانون الإثراء غير المشروع. ولو أخذت لجنة المال والموازنة والهيئة العامة بمشروع الحكومة لما كان هناك مفعول رجعي.
ما هي التعديلات الجديدة؟
إضافة إلى التعديلات الأساسية التي أُقرّت في جلسة 26 تموز والتي شملت توسيع “لائحة” الجهات المخوّلة طلب رفع السرّيّة المصرفية وتشديد العقوبات على رافضي تقديم المعلومات وتكريس المفعول الرجعي لرفع السرّيّة، يطلب الاقتراح الجديد المقدَّم من النواب جبران باسيل وإبراهيم كنعان وسيمون أبي رميا الإجازة للجهات المحدّدة بالقانون والمخوّلة، الاستحصال على المعلومات المصرفية المشمولة بالسرّيّة عن الأشخاص المذكورين أدناه:
“منبع” القانون أساساً هو لجنة المال والموازنة وتبنّاه لاحقاً النائب باسيل
– الفقرة الأولى: الموظّف العمومي (أيّ شخص يؤدّي وظيفة عامّة أو خدمة عامّة) وأيّ شخص يؤدّي عملاً لصالح ملك عامّ أو منشأة عامّة أو مرفق عامّ أو مؤسّسة عامّة أو مصلحة عامّة أو مال عامّ، سواء أكان مملوكاً كلّيّاً أو جزئيّاً من أحد أشخاص القانون العامّ، وسواء تولّاه بصورة قانونية أو واقعية بما في ذلك أيّ منصب من مناصب السلطات الدستورية أو أيّ منصب تشريعي أو قضائي أو تنفيذي أو إداري أو عسكري أو ماليّ أو أمنيّ أو استشاري.
– الفقرة الثانية: رؤساء الجمعيات (الأحزاب) التي تتعاطى نشاطاً سياسياً، ورؤساء وأعضاء مجالس إدارة الشركات التي تدير أو تملك الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة والإلكترونية، والمرشّحون للانتخابات النيابية والبلدية (وصولاً إلى الأزواج والأولاد القاصرين و (أو) المؤتمنين و (أو) الأوصياء…).
تتجلّى “قنبلة” القانون من خلال سريان مفاعيل الفقرة الثانية على هؤلاء الأشخاص حتى بعد تاريخ تقديم استقالتهم أو انتهاء خدمتهم أو إحالتهم إلى التقاعد، وذلك عن طوال الفترة التي كانوا يتولّون فيها مهامّهم ولمدّة خمس سنوات إضافية، وتسري أيضاً على كلّ من تولّى سابقاً أيّاً من المسؤوليّات الواردة فيها من تاريخ 22 تشرين الأول 1989 ولغاية تاريخه.
القنبلة الثانية هي “وعدٌ” من الرئيس برّي لمقدّمي الاقتراح بدراسته وإقراره.
“منبع” القانون أساساً هو لجنة المال والموازنة وتبنّاه لاحقاً النائب باسيل. ففي الجلسة التشريعية الأخيرة “راجع” النائب إبراهيم كنعان الرئيس برّي بأهميّة هذا التعديل الذي لم يرِد ضمن التعديلات على قانون تعديل السرّيّة المصرفية، فطلب من إبراهيم إعداد اقتراح قانون معجّل مكرّر بمادّة وحيدة لطرحه فوراً على الجلسة. هذا ما حصل، لكنّ رفع الجلسة بعد “الإشكال” مع النائبة سينتيا زرازير حال دون النقاش فيه.
رفض ميشال عون
يُذكَر أنّه في 18 حزيران عام 2020 ردّ الرئيس عون قانون السرّيّة المصرفية الذي كانت الهيئة العامّة أقرّته في شهر أيار 2020 من دون الأخذ ببعض تعديلات لجنة المال والموازنة، طالباً أن يتضمّن صلاحيّة القضاء المختصّ في طلب رفع السرّيّة المصرفية.
مع عودة القانون إلى لجنة المال أُجريت عليه تعديلات إضافية وأعدّت اللجنة تقريراً في تشرين الأول 2021 تضمّن بند المفعول الرجعي حتى العام 1989 وبند الخمس سنوات اللاحقة لخروج الشخص المعنيّ من العمل في الشأن العامّ وبند القضاء المختصّ.
هكذا ورد قانونان متعلّقان بالسرّيّة المصرفية في جدول أعمال الجلسة التشريعية السابقة:
– المرسوم رقم 6490 (إعادة القانون المتعلّق بتعديل قانون سرّيّة المصارف الذي ردّه رئيس الجمهورية).
– ومشروع القانون المعجّل المكرّر الوارد بالمرسوم 9102 حول تعديل بعض موادّ القانون المتعلّق بالسرّيّة المصرفية والمادة 105 من قانون أصول المحاكمات الجزائية والمادة 150 من قانون النقد والتسليف والمادة 15 من قانون تعديل وإكمال التشريع المتعلّق بالمصارف، وإنشاء مؤسسة مختلطة لضمان الودائع وبعض موادّ قانون الإجراءات الضريبية.
ما حصل هو عملية دمج محدود للقانونين، لكنّها أسقطت البند الأهمّ المتعلّق بالموظّف العمومي ورؤساء الأحزاب والمفعول الرجعي حتى العام 1989، فما كان من مُعدّي الاقتراح سوى “تجهيزه” للجلسة المقبلة أملاً بإقراره.
تجدر الإشارة إلى أنّ كل القوانين المعجّلة المكرّرة بمادّة وحيدة تُطرح في أيّ جلسة حتى لو لم تكن على جدول الأعمال.
إقرأ أيضاً: تأخر “الدولار الديبلوماسي” يهدد الخارجية اللبنانية
لا أحد يتوقّع استيعاباً سلِساً للقانون، بل قد يكون مدخلاً إلى “مشكلٍ” لأنّه يشكّل “محاسبة مفتوحة لحقبة سياسية كاملة قد تطول أيّ شخص مهما علا شأنه أو صَغر بما في ذلك رؤساء الأحزاب”.
يقول معدّو القانون إنّ “الجرأة هي في العودة إلى هذه الحقبة. فحتى ميشال عون وُضع في تلك المرحلة وبعدها في قفص الاتّهام، والشفافيّة تقضي بإقرار قوانين تشمل المحاسبة عن كلّ الحقبات السياسية… ونحن لها”.
غداً الحلقة الثانية: التعديلات الشاملة على قانون السرّيّة المصرفيّة!