في عام 2008 صدر كتاب للمؤرّخ الأميركي تيموثي رابيك عنوانه: “المكتبة الشخصيّة لهتلر: الكتب التي صنعت حياته”.
يؤكّد المؤلّف أنّ هتلر كان يملك مجموعة كبيرة من الكتب، وأنّ هذه المجموعة تشتّتَت بين روسيا والولايات المتحدة، وحمل الجنود السوفيات، الذين كانوا أوّل من دخل برلين، القسم الأكبر منها، أي حوالي عشرة آلاف كتاب، إلى موسكو في عام 1945، واختفت آثارها منذ ذلك الوقت. إلا أنّها ظهرت في التسعينيات من القرن العشرين بعد سقوط الاتحاد السوفياتي في كنيسة مهجورة في ضواحي موسكو، ثمّ اختفت من جديد وما تزال مختفية حتى اليوم.
كان عدد من الجنود الأميركيين، الذين دخلوا برلين مبكراً بعد الهزيمة الألمانية في الحرب، قد حملوا مجموعات ممّا بقي من كتب هتلر إلى الولايات المتحدة على سبيل الذكرى. ولكنّ هذه الكتب موجودة الآن في جناح خاص في مكتبة الكونغرس.
كانت مكتبة هتلر الشخصية تضمّ حوالي عشرة آلاف كتاب. وكان همّ المؤرّخ الأميركي رابيك هو البحث عن مؤثّرات هذه الكتب في أفكار ومفاهيم الزعيم النازي وانعكاساتها على قراراته السياسية، والعنصرية طبعاً. وركّز بصورة خاصة على كتاب هتلر الوحيد المعروف وعنوانه “كفاحي” Mein kampf، الذي لم يُسمح بإعادة طباعته بعد الحرب إلّا سرّاً وعلى استحياء.. وفي السوق السوداء للكتب.
كانت مكتبة هتلر الشخصية تضمّ حوالي عشرة آلاف كتاب
خلال الحرب العالمية الأولى كان هتلر يعيش في مدينة فيينا (عاصة النمسا اليوم)، وكان يحترف رسم المارّة في الشوارع مقابل ما تجود به أنفسهم. لكنّه لم يكن رسّاماً بارعاً، فالتحق بالجيش الألماني بدرجة جندي، بيد أنّه لم يتميّز طوال خدمته العسكرية بأيّ إنجاز يبرّر ترقيته، فانتهت الحرب وبقي جندياً.
من هنا كان البحث عن العوامل المكوّنة لشخصية هذا الرجل في الكتب التي كان يقرأها. ومن هنا كان الاهتمام بمصير مكتبته الخاصّة.
أسلوب هتلر في القراءة
حاول المؤلّف أن يقرأ شخصية هتلر من خلال كتابه Mein Kampf، وساعده على ذلك إجادته للّغة الألمانية وللأدب الألماني، وساعدته أيضاً دراسته المعمّقة لتاريخ الحركة النازية.
لاحظ المؤلّف أنّ هتلر لم يكن قارئاً للكتب وحسب، بل كان دارساً لها أيضاً. ظهر ذلك من خلال رسم خطوط تحت عبارات أو أفكار محدّدة في العديد من الصفحات، من ذلك مثلاً توقّف هتلر عند فقرة وردت في كتاب المؤرّخ بول دي لاغارد “مقالات ألمانيّة”، ويقول فيها “إنّ كلّ يهودي مزعج يشكّل تحدّياً جدّيّاً للأصول الجوهرية التي تقوم عليها الهويّة الألمانية”.
في الأساس يصف المؤلّف عقل هتلر بأنّه أشبه ما يكون بطائر “أبو زريق”. فهو يقرأ الكتب بسرعة بحثاً عن موادّ يعتقد أنّها مفيدة، أي أنّه يبحث عن أيّ شيء ينسجم مع ما تراكمَ في عقله من جدليّات وأفكار مسبقة.
إنّ كلّ فكرة، مهما كانت، لا تتلاقى مع مكوّناته الفكرية ومع ثوابته العقدية كان يرذلها ويقفز من فوقها. أمّا الفكرة التي كانت تتلاقى مع هواجسه، فكان يرسم تحتها خطّاً ليعود إليها فيما بعد. وهذا يعني أنّ هتلر لم يكن محلّلاً لفلسفة “نيتشه” مثلاً، أو “شوبنهاور”، لكنّه كان جامعاً للأفكار وللنظريّات الفلسفية التي تتلاقى مع هواجسه أو يمكن اعتمادها لتبرير وتفسير مواقفه ونظريّاته.
إقرأ ايضاً: قنبلة هيروشيما.. هل تكون الأخيرة؟
ومن المجلّدات التي وُجدت في مكتبة هتلر، كتاب عن التاريخ الهندسي لمدينة برلين، سبق أن اشتراه هتلر في شهر تشرين الثاني 1915. في هذا الكتاب يكتشف المؤرّخ الدكتور تيموثي رابيك بين الصفحتين 160 و161 من الكتاب شعرة بطول إنش واحد تقريباً، يبدو أنّها شعرة شوارب.. وإذا صحّت النظرية فإنّها تكون الشيء الوحيد الذي بقي شاهداً على هتلر بعد انتحاره حرقاً في مخبئه السرّي تحت الأرض في برلين.
لم يبقَ سوى بعض كتبه.. وشعرة من شواربه بين صفحات كتاب مغمور!