تزداد تعقيدات الحياة على يوميات اللبنانيين، والانهيار أصاب كل شيء، لكن “السيل بلغ الزبى” مع تردي “السلامة المرورية” ، إذ صارت الطرقات مصدراً للأخطار على حياة السائقين ومن معهم، وذلك بسبين رئيسيين: الأول، شديد الصلة بتآكل قدرات الدولة لجهة أعمال الصيانة وإشارات السيّر والإنارة. أما الثاني فيتعلق بوقف العمل حالياً بنظام “المعاينة الميكانيكية” لكون الشركة المُشغلة “تعمل خلافاً للقانون” بانتظار دفتر شروط جديد سيعيد العمل بـ “مبدأ السلامة” مطلع العام المُقبل.
قبل سنوات كان يحضر بقوة في حديث اللبنانيين ونقاشاتهم قانون السير الجديد، والإصلاحات اللازمة للسلامة المرورية. لكن راهناً يبدو هذا الزمن إلى أفول فقد اختلفت الأولويّات.
قد يبدو لوهلةٍ أن الحديث عن سلامة مرورية نوعاً من ترف أو إستطراد على عيش اللبنانيين المُثقل بأعباء اليوميات “في زمن الرغيف”، لكن حجم الأخطار على الطرقات يدفع إلى الواجهة سؤال البحث عن معايير الآمان مع توقيف المعاينة الميكانيكية والعجز أساساً عن إجرائها بالتزامن مع غياب الأجهزة المعنية عن الشوارع الرئيسية والفرعية على السواء، وعدم وجود إشارات سير مضاءة.ويصبح السؤال أكثر إلحاحاً مع تزايد ظواهر الإهتراء التي طبعت حقبة “العهد القوي”. فهل من لغة جديدة علينا أن نتعلّمها لنفهم إشارات السير في هذه المرحلة؟.
المعاينة الميكانيكية متوقّفة، ومن دون حلول بديلة، منذ 20 أيار الماضي، بموجب قرار وزير الداخلية بسام مولوي، وذلك بسبب استمرار الشركة بالعمل في المعاينة خلافاً للقانون على الرغم من انتهاء عقدها منذ العام 2015
يعرف اللبنانيون أنّ عدد السيارات الناشطة حالياً تراجع كثيراً، مع انتشار فيروس كورونا . أمّا بالنسبة إلى الأرقام، فتبيّن إحصاءات قوى الأمن الداخلي التي حصلت عليها “أساس” إنخفاض أعداد حوادث السير في العام 2021 بنسبة 16% عن العام 2020، من 3,155 حادثاً إلى 2,648، وانخفاض أعداد قتلى الحوادث بنسبة 9% من 412 قتيلاً في 2020 إلى 375 قتيلاً في 2021.
وفي مقارنة حوادث السير لخمسة أشهر بين العامين 2021 و2022، من 1/1 إلى 31/5 من العامين (مرفق صورة)، فتظهر الأرقام انخفاضاً بنسبة 37% في أعداد الحوادث، وانخفاضاً بنسبة 25.9% في أعداد القتلى، وانخفاضاً بنسبة 37.4% بأعداد الجرحى في العام الجاري مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. لكن أهل الاختصاص لا يعتبرون أن في هذا الإنخفاض إشارات إيجابية، لأنّه غير ناجم عن تطبيق قانون السلامة المرورية، بل بسبب غلاء أسعار المحروقات وارتفاع نسب البطالة في البلد التي بدورها خففت قللت من أعداد المتنقّلين في الشوارع، ما يعني أنّ هذه الأرقام لو قورنت بأعداد الآليات المُتحركة لكانت النتيجة مختلفة.
لا حلول من دون تمويل
يؤكّد مصدر أمني رسمي لـ”أساس” أنّ كلّ هذه المشاكل تؤثّر سلباً وبشكل كبير على السلامة المروريّة، “فانهيار الوضع الاقتصادي والأزمات الكبيرة أثّرت بشكل خطير، والخطر يزداد مع مشاكل الطرقات، بدءاً من عدم سلامتها، تزييحها، وإنارتها، ومع ارتفاع كلفة صيانة سيارات المواطنين، وتعطّل إشارات السيرعند التقاطعات، وغياب الكهرباء للإنارة ليلاً”.
أما عن المخالفات، يلفت المصدر إلى أنّ “الرادارات لم تتوقّف عن العمل، لكنّ أمر تسطير المخالفات تتمّ مقاربته بطريقة مختلفة، إذ نحاول الموازنة بين الوضع الإنساني وتطبيق القانون، ولا سيّما أنّ هناك مشاكل خارجة عن إرادة الناس، فكيف يمكن تسطير محضر ضبط لشخصتأخّر عن دفع رسوم السيرفي حين أنّ دوائر “النافعة”،مقفلة”. ويشير إلى أنّ عناصر قوى الأمن موجودة في الشارع، لكن ليس عند جميع الإشارات، لعدم وجود العديد الكافي، مشدّداً على أنّ الحلول موجودة، لكنّ جميعها يحتاج إلى تمويل.
المعاينة الميكانيكية متوقّفة، ومن دون حلول بديلة، منذ 20 أيار الماضي، بموجب قرار وزير الداخلية بسام مولوي، وذلك بسبب استمرار الشركة بالعمل في المعاينة خلافاً للقانون على الرغم من انتهاء عقدها منذ العام 2015، وهو ما يؤثّر على سلامة المركبات بطيبعة الحال، وهذا ما نبه إليه رئيس الأكاديمية اللبنانية للسلامة المرورية كامل إبراهيم في حديث لـ”أساس”، لافتاً إلى أن “الآثار السلبية لوقف المعاينة ستظهر بشكل أكبر مع بداية موسم الشتاء، لأن توقيف العمل بنظام المعاينة من أخطر الأمور التي حصلت، فقبل ذلك كان المواطن يُخضع مركبته للمعاينة إنطلاقاً من حسٍ بالمسؤولية الشخصية، ولا سيّما أنّ الكلفة لم تكن مرتفعة، وأمّا الآن فلن يفعل ذلك ولن يتمكّن من معرفة وضع إطارات سيارته أو مكابحها بسبب الكلفة المرتفعة في ظلّ الوضع المعيشي الصعب”.
يتّفق رئيس مصلحة تسجيل السيارات أيمن عبد الغفور مع إبراهيم لناحية خطورة توقّف المعاينة، “فمبدأ المعاينة الميكانيكية مبدأ أساسي لمسألة السلامة العامّة عالميّاً، لأنّ سلامة المركبة هي جزء أساسي من السلامة العامّة
تسمح المعاينة للمواطن بمعرفة حالة سيارته ومدى خطورة الأعطال التي فيها، ولذلك كان لا بدّ من إيجاد حلّ للمخالفات ريثما يتمّ تلزيم شركة جديدة، إذ “كيف لنا أن نتخيّل شاحنات وحافلات من دون معاينة على طرقات غير جيّدة ومن دون إنارة. حكماً هذا عنصر إضافي إلى العناصر الخطرة التي تهدّد السلامة المروريّة في لبنان، ولذلك يجب العودة عن قرار إلغاء المعاينة بأسرع وقت”.
لا معاينة قبل العام المُقبل
يتّفق رئيس مصلحة تسجيل السيارات أيمن عبد الغفور مع إبراهيم لناحية خطورة توقّف المعاينة، “فمبدأ المعاينة الميكانيكية مبدأ أساسي لمسألة السلامة العامّة عالميّاً، لأنّ سلامة المركبة هي جزء أساسي من السلامة العامّة، ولا بدّ أن يترك تأثيراته السلبية في هذا الإطار، وقد سمعنا بحوادث في الفترة الأخيرة سببها تعطّل مكابح بعض الآليات، وخاصّة بعض الآليات الثقيلة والسيارات الصغيرة”، مشدّداً على ضرورة تحمّل مسؤولية شخصية في هذا المجال للتأكّد من سلامة المركبة، وعدم إهمال أيّ مؤشّر إلى عطل في السيارة يمكن أن يهدّد سلامة السائق وسلامة غيره في الشارع. وفي الوقت نفسه يؤكّد أن لا عودة عن القرار الذي كان بمنزلة تصحيح للحالة الشاذّة للشركة التي كانت تعمل بطريقة غير قانونية منذ الـ2015 وكان وضعها يستوجب المعالجة، ويكشف لـ”أساس” أنّ الإدارة في طور تنظيم إعادة العمل بالمعاينة الميكانيكية ضمن الأطر القانونية، “ونحن الآن في المراحل الأخيرة من إعداد دفتر الشروط الذي تمّ عرضه على إدارة المناقصات التي أبدت بعض الملاحظات عليه، وأخذت الإدارة بهذه الملاحظات، وسيتمّ الإعلان قريباً عن دفتر الشروط واستدراج العروض، لكن ما أخّر تنفيذ الإجراءات هو إضراب القطاع العام”، وعلى الأغلب لن تبصر النور قبل أوّل العام المقبل، بتقدير عبد الغفور، فـ”الهدف أن نصل للمعاينة قبل انطلاق العام 2023، في حال لم تحصل أيّة مشاكل خارجة عن إطار عمل الإدارة”.
في ما يتّصل بأسعار المعاينة الجديدة، التي كانت هي السبب في الإشكال الأساسي الذي أدّى إلى وقف العمل مع الشركة، لأنّها رفعت الرسوم من 33 ألفاً إلى 120ألفاً من دون مسوّغ قانوني، أو موافقة الوزارة، يطمئن عبد الغفور اللبنانيين إلى أنّ “الأسعار ستكون منطقية” على الرغم من الظروف غير المشجّعة على الاستثمار، “فأيّ شركة اليوم لا يمكنها أن تتقاضى الرسوم القديمة البالغة 22 دولاراً على سعر صرف السوق الموازي، لأنّ المواطن ليست لديه القدرة على دفع 660 ألفاً تقريباً كرسوم معاينة، ولن تقبل الشركة أيضاً بالسعر نفسه على سعر الـ1500، ولذلك يمكن احتساب الرسوم على أساس نسبة رفع رواتب المستخدمين، أي خمسة أضعاف، لأنّ العنصر البشري عنصر أساسي في المعاينة، وبالتالي إذا كنّا نتحدّث عن سعر تقريبي فيمكن أن يكون خمسة أضعاف السعر الماضي، أي ما يقارب 150 ألف ليرة كحدٍّ أقصى، لكن يبقى عنصر المنافسة هو العنصر الأساسي لتحديد السعر”، مشيراً إلى أنّه تمّ لحظ بند ضمن دفتر الشروط ينصّ على توظيف العمّال القدامى بمعظمهم في الشركة الجديدة وحفظ حقوقهم كعمال خدموا الإدارة لفترة 15 سنة.
إقرأ أيضاً: تأخر “الدولار الديبلوماسي” يهدد الخارجية اللبنانية
المسؤوليّة الشخصيّة أوّلاً
المشاكل التي تزيد من نسبة الخطر على السلامة المرورية المهترئة في لبنان، يشير كامل إبراهيم رئيس الأكاديمية اللبنانية للسلامة المرورية إلى أنّ “نفس المخاطر السلبية تنسحب على وضع إشارات المرور، التي لم تتمّ صيانتها منذ العام 2019، بسبب الخلاف الذي حصل مع الشركة المعنيّة على تقاضي بدل الصيانة بالعملة الصعبة بدل الليرة، واليوم يزداد وضع هذه الإشارات سوءاً، ولا سيّما مع عدم وجود تغذية كهربائية، ولذلك نراها بهذا الشكل غير المفهوم وغير المنتظم أو المنطقي، حتى إنّ غرفة التحكّم لم تعد موجودة إثر تضرّرها بسبب انفجار المرفأ”.
والأخطر من كلّ هذا، برأي إبراهيم، أن “لا أولويّة للمعالجة، لأنّ الأولوية للموضوعين الاقتصادي والمعيشي،فتبقى المسؤولية مُعلقة على وعي الأفراد”.