بين “تكذيب” رئاسة الجمهورية لخبر صحيفة Liberation الفرنسية، و”نفي” رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي نيّته توقيع مرسوم تجنيس لـ4 آلاف شخص مقابل مبالغ تتراوح بين 50 و100 ألف يورو لكلّ جواز سفر، أي برشوة تصل إلى 400 مليون يورو، وبين إعلان “رفض” وزير الداخلية بسام المولوي لـ”السير بهكذا مشروع”، لا مرسوم تجنيس سيصدر قبل نهاية ولاية ميشال عون الرئاسية… مع دفع أموال أو من دون دفع.
تتفرّع عمليّاً عن أزمة مرسوم التجنيس مشكلتان: صدور مرسوم التجنيس بحدّ ذاته، وهو الأمر الذي عادة ما يطبع العهود المتعاقبة، والحديث المتزايد عن دفع أموال للاستحصال على جواز السفر اللبناني.
أوساط قريبة من بعبدا لـ”أساس”: إعطاء الجنسية حقّ لمستحقّيها إن كان بما يخدم مصلحة لبنان أو لمعالجة الكثير من الحالات الإنسانية، وهي صلاحية دستورية عائدة لرئيس الجمهورية
كان لافتاً في هذا السياق عزف بيانَيْ رئاستَيْ الجمهورية والحكومة على وترين مختلفين: الأولى نفت حصراً ما نشرته صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية عن بيع جوازات سفر لبنانية لغير لبنانيين، والثانية قالت إنّ هناك أخباراً صحافية عن مرسوم تجنيس قيد الإعداد، وهذا الموضوع “ليس مجال بحث على الإطلاق لدى ميقاتي”.
ما بقي على مدى أشهر أسير التسريبات وكلام الكواليس تحدّثت عنه علناً صحيفة Liberation التي نشرت مقالاً تضمّن معلومات عن “جوازات سفر ذهبية” ستصدرها الدولة اللبنانية يراوح سعرها بين 100 ألف يورو و50 ألف يورو بحسب طالب الباسبور إذا كان فرداً أو عائلة، وذلك من قبل أجانب أثرياء”.
بحسب الصحيفة الفرنسية هناك “مرسوم تجنيسٍ قيد الإعداد لـ4 آلاف شخص، دفع كلّ منهم ما بين 50 ألفاً و100 ألف يورو، أي ما مجموعه 300 إلى 400 مليون يورو يتقاسمها وزير المال يوسف خليل، ووزير الداخلية بسام مولوي، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ورئيس الجمهورية ميشال عون”.
تفيد معلومات “أساس” أنّ مرسوم التجنيس كان محل نقاش بين الرئيسين عون وميقاتي في آخر لقاءاتهما بالتزامن مع توقيع مرسوم تجنيس لاعب كرة السلة الاميركي جوناثان هارولد ارليدج ضمن منتحب لبنان لكرة السلة. إذ فاتح عون ميقاتي بمرسوم التجنيس فحاول الأخير التذاكي سائلاً عون إذا كان يقصد تجنيس لاعب كرة السلة الاميركي كون المرسوم وصل إلى مكتبه ووقعه.
لكن عون عاد وذكّره بمسألة مرسوم التجنيس بشكل عام. فسأله ميقاتي: “كم عددهم حتى الآن؟”، فردّ رئيس الجمهورية “أكثر من مئة”، فعلّق ميقاتي: “معلوماتي فخامة الرئيس أنّ العدد وصل إلى أكثر من أربعة آلاف، ولائحة المطلوب تجنيسهم قطعت بثلاث محطات: المحطة الأولى عند إحدى الشخصيات النيابية للفحص، والثانية في وزارة الخارجية، ثم في القصر الجمهوري عند أحد مستشاريك. وحسب معلوماتي هناك أحاديث عن دفع أموال وتنفيعات”، فردّ عون فوراً بالنفي والاستنكار وأنّ الجنسية ستذهب لمستحقيها فقط.
إنتاج وإخراج بعبدا؟
في الوقائع، سعت رئاسة الجمهورية في السنوات الماضية إلى إصدار مراسيم تجنيس بعد مرسوم التجنيس الأول عام 2018، لكن لم يحصل هذا الأمر، إذ تكفّلت الخلافات السياسية المتمادية والنكايات في حرمان عدد كبير من المستحقّين من الجنسية اللبنانية.
إعداد مرسوم التجنيس “ليس مجال بحث” لدى رئيس الحكومة على الإطلاق، كما قال مكتبه الإعلامي، ووزير الداخلية بسام مولوي “غير معنيّ بكلّ ما تمّ ذكره حول مرسوم تجنيس جديد، والوزارة لم تقُم بأيّ إجراء بهذا الخصوص”. الطرفان، وفق المعلومات، نسّقا موقفَيْهما مع إيحاء بأنّ مرسوم التجنيس من إنتاج وإخراج بعبدا فقط.
مولوي وجّه كتاباً الى صحيفةLiberation ، معبّراً عن احتجاجه على مضمون المقال في ما يخصّ وزارة الداخلية طالباً الاعتذار وتصحيح الخبر، ومحتفظاً بحقّه في الادّعاء على الصحيفة المذكورة. ووجّه أيضاً كتاباً إلى السفيرة الفرنسية في بيروت لأخذ العلم بذلك.
أمّا الأوساط القريبة من بعبدا فتؤكّد لـ”أساس” أنّ “إعطاء الجنسية حقّ لمستحقّيها إن كان بما يخدم مصلحة لبنان أو لمعالجة الكثير من الحالات الإنسانية، وهي صلاحية دستورية عائدة لرئيس الجمهورية. من هذا المنطلق سعى رئيس الجمهورية إلى إصدار مراسيم تجنيس بعد المرسوم الأول عام 2018. لكن في الحكومة الأخيرة عبّر ميقاتي مراراً عن رفضه توقيع مرسوم تجنيس لاعتبارات خاصة به، خصوصاً أنّ هناك من أقنعه أنّها قد تذهب لأشخاص غير مستحقّين لها، وهذا أمر غير صحيح، وربّما لأنّ لديه كوتا خاصة به، فيما تصرّ رئاسة الجمهورية على سلوك مرسوم التجنيس المسار القانوني والإداري والأمني”، مشيرة إلى أنّ “هناك العشرات من الملفّات الجاهزة والمستحقّة، لكنّ الكيدية السياسية هي التي تحكّمت بهذا الملف الإنساني والوطني”.
تنفي الأوساط عينها “صدور مراسيم تجنيس إفرادية أو وجود توجّه لـ “بيع الجنسية اللبنانية”، وهو أمر عار عن الصحة ولا أساس له”.
توضح المصادر أنّ مرسوم التجنيس قرار عادي يمكن أن يصدر في ظلّ حكومة تصريف الأعمال، إذ لا يتطلّب انعقاد مجلس الوزراء، ويكتسب أهمية مضاعفة لأنّه يرفع الغبن عن العديد من مستحقّي الجنسية
جان عزيز يحرج ميقاتي
برزت في هذا السياق تغريدة لمستشار رئيس الجمهورية السابق جان عزيز في 7 تموز الماضي على شكل سؤال موجّه لميقاتي قال فيه: “صحيح أنّ الأسماء المسجّلة على مشروع مرسوم التجنيس الموعود قطعوا أربعة آلاف اسم؟ وما هي المعايير المعتمدة وآليّة التسجيل؟ لأن عم ينحكى عندك تفاصيل”.
ثمّ نشر عزيز أمس تغريدة أعقبت نشر فضيحة “ليبراسيون” قال فيها: “وهيدي كمان متل كمين المطران. سألنا ميقاتي ذات السؤال من شهر. ما فتح تمّو. اليوم اضطر يجاوب، لأن الفضيحة صارت دولية. مع إنّه بيعرف، إنو نحن منعرف، إن جوابه غير دقيق”.
على خط آخر، وفي ما يتعلّق بصلاحية توقيع مراسيم تجنيس في ظلّ حكومة تصريف أعمال تقول المصادر: “منذ العام 1926 تصدر مراسيم التجنيس بقرار من رئيس الدولة، ومع التعديلات الدستورية تحوّل القرار إلى مرسوم يصدر بتوقيع بتواقيع رئيسَيْ الجمهورية والحكومة ووزير الداخلية”.
توضح هذه المصادر أنّ “مرسوم التجنيس قرار عادي يمكن أن يصدر في ظلّ حكومة تصريف الأعمال، إذ لا يتطلّب انعقاد مجلس الوزراء، ويكتسب أهمية مضاعفة لأنّه يرفع الغبن عن العديد من مستحقّي الجنسية، وهو ما يبرّر صدوره حتى في ظلّ حكومة تصريف أعمال”.
مرسوم 2018: 411 فقط
وكان رئيس الجمهورية ميشال عون وقّع في 11 أيار 2018 مع رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري ووزير الداخلية الأسبق نهاد المشنوق مرسوم تجنيس كان الأول في العهد، ويبدو أنّه الأخير أيضاً.
بدايةً لم يُنشر المرسوم في الجريدة الرسمية إلى أن نشرت وزارة الداخلية على موقعها الإلكتروني أسماء المجنّسين في المرسوم وعددهم 411 أجنبياً، نصفهم تقريباً من السوريين (103) والفلسطينيين (108) من رجال الأعمال والأثرياء الذين يمكن أن ينعشوا الاستثمارات في لبنان، والبقيّة من جنسيّات عديدة، إضافة إلى أشخاص مكتومي القيد.
إقرأ أيضاً: “زيادة الاستهلاك” سهّلت “الدولار الجمركيّ”؟
وعلى الرغم من تأكيد أوساط رئاسة الجمهورية آنذاك، وحتى النائب جبران باسيل، أنّ المرسوم الأوّل الذي صدر بعد نحو عام ونصف عام من العهد “هو باكورة مراسيم أخرى ستصدر تدريجاً وتشمل كلّ مستحقّ جنسية”، لكن إلا أنّه لم يصدر بعدها أيّ مرسوم تجنيس آخر.
يُذكر أنّ الجدل حول مرسوم التجنيس أتى وسط عاصفة البيانات والبيانات المضادّة بين ميقاتي ورئيس التيار الوطني الحر بما تكفّل بنسف أيّ احتمالات تقارب بين الطرفين في المدّة الفاصلة عن انتخابات رئاسة الجمهورية.