بدءاً من يوم أمس بدأت مهلة الثلاثة أشهر الفاصلة عن نهاية ولاية ميشال عون الرئاسية، فيما شكّل عيد الجيش المحطة الأخيرة لمشاركة عون في مناسبة رسمية تجمعه مع رئيسَيْ مجلس النواب والحكومة، وقد تلاها اجتماعهم الثلاثي في قصر بعبدا، الذي انضمّ إليه الوسيط الأميركي في ملفّ ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل آموس هوكستين والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم.
بعدما باتت حكومة نجيب ميقاتي الرابعة خلف ظهر الجميع، تضاءلت فرص حصول اجتماعات رئاسية مماثلة وصولاً إلى التقاط صورة تذكارية لحكومة بات من المؤكّد أنّها لن تولد قبل نهاية العهد. ووفق معلومات “أساس” لم يتمّ التطرق خلال الاجتماع الثلاثي بين الرؤساء إلى مسألة تأليف الحكومة ورئاسة الجمهورية، بل انحصر الكلام في موضوع الترسيم البحري.
بيد أنّ مزاحمة ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية لاستحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية لم تحجب التطوّرات التي بدأت تلفح هذا الملف. إذ كان لافتاً في هذا السياق سلسلة المواقف التي أطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري عشيّة وصول الوسيط الأميركي إلى بيروت واللقاء الرئاسي الذي كان يُحضّر له في قصر بعبدا. فقد ربط الرئيس بري للمرّة الأولى الدعوة إلى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية مع بدء سريان المهلة الدستورية في 31 آب بـ”إقرار القوانين والإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي خلال شهر آب”، رابطاً أيّ تأخير محتمل في الدعوة إلى جلسة الانتخاب بهذا السبب “لأنّه يجب أن نلاقي الرئيس المقبل بجوّ جديد”.
تقول مصادر مطّلعة إنّ “شهر أيلول، وخلافاً لِما رُوّج سابقاً من جانب القريبين من برّي، قد لا يشهد دعوة إلى انتخاب رئيس الجمهورية
أمّا الأمر الثاني الذي قد يؤخّر دعوة بري، كما قال، إلى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية فيكمن في نجاح الاتصالات للتوافق على اسم أو اسمين للرئاسة.
إنّهما شرطان لم يحضرا سابقاً على أجندة الرئيس بري حين أوحى قبل أسابيع أمام زوّاره ومَن يتولّون عادةً نقل وجهة نظره في الإعلام بأنّه سيدعو إلى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية فور بدء المهلة الدستورية من باب الضغط لانتخاب الرئيس فوراً.
شهر آب للتشريع
يقول مصدر مطّلع لـ “أساس”: “يُدلّل كلام رئيس مجلس النواب على أنّ شهر آب سيكون شهر التشريع من دون حسم مسألة نجاح مجلس النواب في إقرار القوانين المُرتبطة بشروط صندوق النقد، وهي الكابيتال كونترول وإعادة هيكلة المصارف وخطة التعافي المالي والاقتصادي وإقرار الموازنة العامة بعد تحديد سعر الصرف الذي ستعتمده”، مؤكّداً أنّ “جميع هذه القوانين خلافية وعالقة في خرم التجاذبات والابتزاز المتبادل، وثمّة من يُلمّح إلى أنّ بعض القوى السياسية لها مصلحة بعدم إقرارها من زاوية تصفية الحسابات السياسية مع العهد في آخر أيامه”.
دَفَعَ ربطُ برّي الدعوة إلى انتخاب رئيس الجمهورية بإقرار هذه القوانين، حتى لو كانت مطلباً أساسياً لبعبدا، الرئيسَ عون أمس إلى رمي الكرة في ملعب عين التينة حين حمّل “مجلس النواب رئيساً وأعضاء المسؤولية في اختيار مَن يجد فيه اللبنانيون الشخصية والمواصفات الملائمة”، معرباً عن تخوّفه من “أن يكون مصير الانتخابات الرئاسية مماثلاً لمصير تشكيل الحكومة التي لم تتوافر فيها حتى الآن المقوّمات والمعايير الضرورية لتكون حكومة فاعلة”.
تضع الدائرة اللصيقة برئيس الجمهورية “في قفص الاتهام نفسه مَن عرقل تشكيل الحكومة ومَن قد يعرقل انتخاب رئيس الجمهورية”، متحدّثة عن “تواطؤ لإنهاء عهد ميشال عون بفراغ قاتل على مستوى الحكومة ورئاسة الجمهورية، وتعويم حكومة مستقيلة لتتسلّم صلاحيات الرئاسة الأولى، وعجز عن تأمين متطلّبات صندوق النقد الدولي، وتفشيل للتدقيق الجنائي”.
فتوى تشريعية من برّي
على ما يبدو يتحصّن الرئيس بري، وفق المعطيات، باجتهاد قانوني في ما يتعلّق بالمادة 75 من الدستور التي تنصّ على أنّ “مجلس النواب الملتئم لانتخاب الرئيس يُعتبر هيئة انتخابية لا اشتراعية ويترتّب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة من دون مناقشة أو عمل أيّ شيء آخر”.
إقرأ أيضاً: باسيل: أنا وفرنجيّة وعون خارج السباق الرئاسيّ!
وفق “اجتهاد” الرئيس بري الذي لا يوافقه عليه الكثير من رجال القانون، تقيّد المادة 75 مجلس النواب بمهمّة انتخاب رئيس الجمهورية في الجلسة المحدّدة فقط لهذا الغرض، ولا يمكن منع مجلس النواب من التشريع في المرحلة السابقة لجلسة انتخاب الرئيس أو اللاحقة لها.
في هذا السياق تقول مصادر مطّلعة إنّ “شهر أيلول، وخلافاً لِما رُوّج سابقاً من جانب القريبين من برّي، قد لا يشهد دعوة إلى انتخاب رئيس الجمهورية، خصوصاً إذا لم يحصل توافق أيضاً على الاسم. في المقابل، وللمرّة الأولى، قد يلجأ مجلس النواب إلى التشريع ضمن المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية في حال تطلّبت القوانين الإصلاحية المطلوبة المزيد من الوقت لإقرارها”.