تفجير المرفأ بعد عامين (5): 50 ألف ليرة… فجّرت بيروت؟

مدة القراءة 8 د

بعد عامين على تفجير مرفأ بيروت، بدأت تتوضّح ملابسات كثيرة عن كيفيّة إدارة التحقيق بعيداً عن الخيوط الأساسية، حول من أتى بالنتيرات ومن حمى إنزالها، ومن حافظ عليها كلّ هذه السنوات.

في هذه السلسلة وثائق تنشر للمرّة الأولى، حول تزوير في مراسلات قضائية، وحول إخفاء الشرطة العسكرية أدلّة عن اشتباه اليونفيل بالباخرة، وطمأنة الجيش إلى أنّها لا تحمل موادّ مسبوهة ؟

في الحلقة الخامسة والأخيرة، نستعرض عدد مهول من قرارات حجز السفينة، المخالفة لكلّ القوانين، واستعراض لأسماء المتورّطين بتفريغ حمولتها من خارج القانون، وكلّهم لم يخضعوا للاستجواب، رغم أنّ بعضهم مطلوبة إفاداته. والجديد: 50 ألف ليرة تسبّبت بتفجير العاصمة؟

مَن منع رحيل الباخرة “روسوس”، التي كان يفترض أن تغادر مرفأ بيروت في اليوم الثاني لوصولها؟ ومَن منح الأمر بتفريغ حمولة النيترات على الأراضي اللبنانية؟ ولماذا اختير العنبر رقم 12 تحديداً؟ ومَن سمح بمغادرة طاقم السفينة فيما هي ترسو في المرفأ؟ في إجراء مخالف للقانون.

كان يفترض بالباخرة روسوس، المحمّلة بـ2,700 طن من نيترات الأمونيوم، والتي دخلت مرفأ بيروت في 21 تشرين الثاني عام 2013، أن تغادره في اليوم الثاني، أي في 22 تشرين الثاني (عيد الاستقلال)، وتكمل إلى الموزمبيق وجهتها الأساسية. نالت رخصة بالمغادرة في 23 تشرين الثاني، لكنّها لم تغادر.

فما الذي أبقاها ومَن أصدر القرار ببقائها؟

من الوجهة القانونية تنحصر المسؤولية عن قرارات كهذه برئيس الميناء التابع لوزارة النقل. وله أن يسمح بأن ترسو الباخرة في المرفأ، ويقرّر مع الجيش خطورة الموادّ على متنها. وصلت السفينة في 21 تشرين الأول، وفي 22 منه كانت تعدّ العدّة للمغادرة، وفي 23 أخذت إذن سفر.

تمّ الكشف عليها، وهو إجراء كان مستغرباً، بحسب ما يؤكّد مسؤولون في المرفأ، كونه يُتّخذ للمرّة الأولى. ثمّ أُشيع خبر عن “طعج” على متن الباخرة. لم يكن عطلاً تقنياً يحول دون ابحارها. لذا لنا أن نطرح هنا السؤال الأساسي: مَن منع الباخرة من المغادرة صبيحة السبت؟ وهو الوقت الذي كان مقرّراً لمغادرتها. ومَن اتّصل بقبطان السفينة طالباً منه البقاء؟

50 ألف ليرة؟

فجأة أصدر طوني عساف رئيس ديوان مديرية النقل قراراً بمنع سفرها وقّعه نيابة عن المدير العام للنقل بالتكليف (علماً أن لا تكليف في القانون) بحجّة أنّها لم تدفع الغرامة المتوجّبة عليها، وهي 50 ألف ليرة حسب نظام الموانئ والمرافئ. وهذا ما كتبه في القرار الذي وجّهه إلى رئيس الميناء محمد المولى.

بعد شهر، أي في 20/12/2013، صدر قرار عن رئيس دائرة تنفيذ بيروت، بحجز السفينة، بسبب ديون مترتّبة عليها لشركة Bankernet. فما هو هذا الدين؟ ومَن هي هذه الشركة؟ وكيف صدر في يوم واحد قرارٌ يلزمه تقصٍّ لأشهر؟ إذ تقدّم الاستدعاء بتاريخ 19/12/2013 وصدر قرار الحجز وتمّ تنفيذه في 20/12/2013؟

في 26/12/2013 صدر عن قاضٍ ثانٍ قرارُ حجز ثانٍ بحقّ السفينة يحمل الرقم 1046/2013 لوجود دين بقيمة 51 ألف دولار لشركة Dan bankering، وهذا الادّعاء كما الذي سبقه، صدر عن مكتب جان بارودي للمحاماة.

هكذا حُجِزَت الباخرة التي كانت متوقّفة على الرصيف ومحمّلة بموادّ خطرة. علماً أنّ وقوف الباخرة على الرصيف ممنوع قانوناً، ويُفترض أن ترسو في البحر فقط، حسب نظام المرافئ والموانئ، وحسب مدوّنة أمن السفن أيضاً، بحسب أحد المسؤولين عن هذا الملفّ في مرفأ بيروت.

 

قرارات حجز السفينة… بالجملة

وفي الآتي أبرز التواريخ التي صدرت فيها قرارات حجز للسفينة بأسباب مختلفة، في كلّ مرّة:

– في 25/11/2013 صدر قرار حجز السفينة وحضر جهاز للكشف على السفينة بعدما كانت نالت رخصة السفر في 23/11/2013.

– في 25/11/2013 صدر قرار من طوني عساف وقّعه مدير عام النقل وأرسله لغرفة الملاحة الدولية بحجزها مؤقتاً.

– في 26/11/2013 أُرسِلَ كتابٌ، لم يوقّعه  مدير عام النقل بالتكليف،  إلى رئيس مرفأ بيروت يطالب بحجز السفينة لتخلفها عن دفع غرامات مستحقّة عليها.

– في 20/12/2013، الذي صودف يوم جمعة (يكون الدوام الوظيفي جزئياً)، صدر قرار عن رئيس دائرة تنفيذ بيروت القاضي جورج عطية مقدّم في 19/12/2013 من مكتب بارودي للمحاماة، بحجز السفينة احتياطياً لحين تقديم كفالة بالدين المتوجب عليها إلى Banker net .

– في 26/12/2013 صدر قرار عن رئيس دائرة تنفيذ بيروت بحجز احتياطي على السفينة إلى حين دفع الديون المترتبة عليها للشرطة ذاتها.

  

– في 2/4/2014 كشف عليها جهاز الكشف على السفن بعدما تمّ إبعادها عن السنسول بسبب خطورة المواد التي على متنها وقال في تقريره إنّ المواد الموجودة “تشكّل خطراً مستداما على سلامة الملاحة وحماية البيئة”.

– في 30/4/2014 صدر قرار عن رئيس دائرة تنفيذ بيروت بالحجز الاحتياطي عليها بسبب دين متوجب عليها لشركة “أكري بوي”.

– في 27 /6/ 2014 أصدر القاضي جاد معلوف قرار تعويم الباخرة، علما أنّها لم تكن تغرق.

في 25/8/2014 أصدر جاد معلوف قراراً يسمح لطاقم السفينة بالمغادرة خلافاً لقانون لنظام الموانيء والمرافئ.

– في 26/9/2014، أي بعد ثلاثة أشهر على قرار معلوف، نظّم رئيس القلم لدى معلوف كتاباً لمديرية الجمارك طلب من خلاله تسهيل مهمة الكاتب زياد شعبان لتنفيذ القرار القضائي الصادر في 27/6/2014. رغم أنّ القرار يُعتبر ساقطاً بحكم مرور الوقت المتوجب قانوناً، والمتعلّق بالقانون الذي يطلب نقل المواد الخطيرة إلى مكان مناسب.

النقطة المستغربة، بحسب مسؤول في المرفأ، هي كيفية إعداد كتاب تفريغ من رئيس القلم محمد دحروج (نيابة عن شعبان) بدون قرار قضائي من القاضي. أي أنّه بعث مراسلة لمديرية الجمارك بتسهيل مهمة زياد شعبان بدون قرار قضائي. وأُعِدّت المراسلة بعد مرور أكثر من شهر. والغريب كيف تمّ تسليم الكتاب إلى علي عواضة، المجهول المهام في المرفأ، وأعُطي حقّ تنفيذ قرار قضائي. ولماذا تم توجيه مراسلة إلى مديرية الجمارك بينما لا علاقة لها بالموضوع.

ومن النقاط التي يجب التوقف عندها، وفق مصدر مسؤول داخل المرفأ، كيف تم إنجاز الملف في قصر العدل وفي مديرية الجمارك بسرعة رهيبة يوم الجمعة 26/9/2014، وكيف تمّ توقيع قرار مخالف للقانون، كون البضاعة أصلاً يجب أن تبقى على السفينة، بحسب المانيفست.

 

من أفرغ الحمولة الخطرة؟

بقيت السفينة قرب السنسول حتى 21/10/2014، ثمّ تمّ نقلها من دون تبرير إلى الرصيف المقابل للعنبر رقم 12 حيث تمّ إفراغ حمولتها. ولكن لماذا تمّ اختيار هذا العنبر دون غيره؟ هنا أيضاً لا إجابة شافية سوى أنّ العنبر مخصّص لتخزين الموادّ الخطرة.

الأمر المؤكّد هو استحالة تحرّك السفينة من دون قرار البحريّة في الجيش اللبناني. ومَن يحدّد العنبر هو إدارة المرفأ مع إدارة الجمارك. ورئيس الديوان في مديرية الجمارك هو مَن وافق في 26/9/2014 على تنفيذ القرار القضائي الصادر عن القاضي جاد معلوف، وخلافاً للقانون. إذ يُمنع تفريغ الباخرة في بيروت لأنّها تمرّ في المرفأ “ترانزيت”، وبيروت ليست وجهتها، ولأنّها محمّلة ببضائع لبلد آخر هو موزمبيق، ولا بضاعة على متنها برسم تفريغها في بيروت. وأكثر من ذلك فإنّ موافقة رئيس ديوان مديرية الجمارك ريمون خوري وتوقيعه نيابة عن شفيق مرعي، أيضاً مخالفان للقانون.

فتح آمر مفرزة المانيفست العنبر. وعادةً ما تكون نسخة من مفتاح العنبر في عهدة الجمارك، بينما النسخة الثانية في عهدة إدارة المرفأ، ولا يعطى إذن تفريغ الحمولة إلا بعد موافقة الجيش، خاصة إذا كانت موادّ خطرة.

إذاً السؤال الأساسي الذي لم يتمّ التطرّق إليه هو التالي: “مَن أمر بفتح العنبر؟، ومَن أفرغ الحمولة في بيروت؟”. خاصة أنّ الباخرة لم تكن تغرق، وكان على متنها موادّ خطرة. والأهمّ أنّ مَن وقّع على تفريغها لا يحقّ له التوقيع.

التحقيق الأسرع في العالم

أمر آخر لا بدّ من الالتفات إليه، وهو ما ارتكبه الكاتب لدى القاضي جاد معلوف، ويدعى زياد شعبان، الذي كُلّف بالتحقيق في إمكان أن تكون السفينة عرضةً للغرق فعلاً. علماً أنّه ليس خبيراً بحريّاً ولا مهندساً. والغريب أنّه أعدّ تقريره وقدّمه في 25/6/2014، لكن اختفى. وزياد هو شقيق رئيس جهاز الكشف عن السفن، الذي أوصى بأنّ الباخرة يجب أن لا تغادر مرفأ بيروت.

إقرأ أيضاً: تفجير المرفأ بعد عامين (4): ما هي مسؤوليّة قائد الجيش؟

ومن غرائب هذا الملفّ أيضاً وجود أشخاص مدّعى عليهم، لم يتمّ التحقيق معهم بعد، إلى اليوم، على الرغم من مضيّ كلّ تلك الفترة، فيما هم على علاقة وثيقة بالإجراءات التي اتُّخذت لمنع السفينة من السفر مجدّداً وهم الذين “تورّطوا” في تفريغ النيترات على الأراضي اللبنانية. والأغرب وجود كلّ هذا الكمّ من الوثائق الذي من شأنه أن يسلّط الضوء على كثير من الحقائق، ومع ذلك بقي التحقيق في دائرة التوجّه السياسي الضيّق، والتركيز على سياسيين لا علاقة لهم بكلّ هذا المخطّط أو تلك الشبكة التي أصدرت قرارات وأفرغت وخزّنت، لأسباب مجهولة – معلومة، لكن لم يتطرّق إليها التحقيق.

مواضيع ذات صلة

إسرائيل تضرب حيّ السّلّم للمرّة الأولى: هل تستعيده الدّولة؟

بقي حيّ السلّم على “العتبة”، كما وصفه عالم الاجتماع وضّاح شرارة ذات مرّة في كتابه “دولة حزب الله”. فلا هو خرج من مجتمع الأهل كليّاً…

أمن الحزب: حرب معلومات تُترجم باغتيالات (2/2)

لا يوجد رقم رسمي لمجموع شهداء الحزب في حرب تموز 2006، لكن بحسب إعلان نعي الشهداء بشكل متتالٍ فقد تجاوز عددهم 300 شهيد، واليوم بحسب…

أمن الحزب: ما هو الخرق الذي سهّل مقتل العاروري؟ (2/1)

سلسلة من الاغتيالات طالت قيادات من الحزب وحركة حماس منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) على وجه التحديد توّجت باغتيالين كبيرين. الأوّل اغتيال نائب رئيس…

النزوح السوريّ (3): النظام لا يريد أبناءه

12 سنة مرّت على وصول أوّل نازح سوري قادم من تلكلخ إلى عكار في لبنان. يومها اعتقدت الدولة اللبنانية أنّها أزمة أشهر، أو سنة كأبعد…