دخلت في تاريخ النفط والسياسة الصور المتكرّرة كلّ شهر لوزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان وهو يرأس اجتماعات تحالف “أوبك بلاس” مع نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، الممسك منذ سنين بملفّ الطاقة في موسكو. لكنّ الاجتماع الوزاري للتحالف المرتقب اليوم له فصل خاصّ في هذا التاريخ.
كان الموعد مُجَدْوَلاً منذ الشهر الماضي، لكنّ مراكز القرار تترقّبه لسببين:
أوّلهما أنّه الاجتماع الأوّل لـ”أوبك بلاس” بعد زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للسعودية الشهر الماضي وإعلانه من جدّة أنّه تلقّى وعداً سعودياً بزيادة إنتاج النفط. ولو محدود.
وثانيهما أنّ التحالف نفسه كان أمام سؤال كبير عن مستقبله، بعدما انتهى أثر الاتفاق التاريخي على تخفيض إنتاج النفط الذي تمّ التوصّل إليه في نيسان 2020، في ذروة جائحة كورونا. فبموجب ذلك الاتفاق الشهير، تعهّدت الدول الـ23 الأعضاء في التحالف بخفض إنتاجها النفطي بنحو عشرة ملايين برميل يوميّاً، أي ما يفوق خُمس إنتاجها، ثمّ اتّفقت في محطّات متعدّدة على إزالة هذه التخفيضات تدريجياً، إلى أن انتهت منها تماماً وعادت إلى مستويات الإنتاج المرجعية السابقة في الأوّل من آب الجاري.
حين أتى بايدن إلى السعودية قال على الملأ إنّه تلقّى وعداً سعودياً بزيادة إنتاج النفط، وكان واضحاً أنّه لا يريد أكثر من تسجيل إنجاز يقدّمه للناخبين الممتعضين من ارتفاع أسعار البنزين، قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في تشرين الثاني المقبل
لذلك يواجه اجتماع اليوم محطّة فاصلة لتثبيت استمرارية “أوبك بلاس” كإطار جامع لدولٍ تنتج معاً نحو 44 مليون برميل من النفط يومياً (بحسب الحصص المعلنة)، من دون احتساب إنتاج إيران وليبيا المعفاتين من نظام الحصص بسبب العقوبات والحرب.
مصير “أوبك بلاس”
السؤال عن مصير “أوبك بلاس” يتكرّر منذ ما قبل جائحة كورونا. فالتحالف الذي أدخل روسيا للمرّة الأولى في منظومة تنسّق نصف إنتاج النفط العالمي، بات اليوم أكثر من اتفاق وأقلّ من منظمة. وهو بعد مرور ستّ سنوات على تأسيسه، وتجاوزه محطّات في غاية الدقّة، ثبّت وجوده ووزنه، ليس فقط في أسواق الطاقة، بل في الميزان الجيوسياسي أيضاً. وإذا كانت الرياض قد عبّرت تكراراً عن إيمانها باستمراره كإطار يكتسب نوعاً من الديمومة، فإنّ موسكو أدركت قيمته الاستراتيجية خلال الحرب الأوكرانية.
كانت “أوبك” خصماً تقليدياً للولايات المتحدة منذ تأسيسها في الستّينيّات من القرن الماضي. وامتدّت هذه الخصومة إلى “أوبك بلاس”، منذ أن قادت السعودية إنشاءه للجمع بين “أوبك” و13 دولة منتجة للنفط، أكبرها روسيا، عام 2016، لمواجهة فائض المعروض الهائل في الأسواق في تلك الفترة.
كان آخر فصول الخصومة هو إقرار لجنة في مجلس الشيوخ الأميركي قانون معاقبة “أوبك” (NOPEC). لكنّ التاريخ ينبئ بأنّ تجارب الولايات المتحدة كانت مريرة في كلّ مرّة توقّفت فيها آلة “أوبك” عن العمل. حدث ذلك ثلاث مرّات في التاريخ في الأعوام 1986 و1998 و2020. في كلٍّ من تلك السنوات كانت السعودية تتوقّف عن لعب دور “المنتج المرجِّح” (swing producer)، الذي يتولّى الدور الرئيس في ضبط حجم المعروض في الأسواق. وفي المرّات الثلاث كانت السعودية تضخّ النفط بالطاقة القصوى لتضع المنتجين الآخرين أمام مسؤوليّاتهم فيُبدوا قدراً أكبر من المسؤولية في ضبط السوق. وفي المرّات الثلاث أيضاً كانت المعاناة الكبرى من نصيب شركات النفط الأميركية التي تنتج بتكلفة أعلى بكثير من تلك التي تتكلّفها نظيراتها في الخليج. لذلك كانت المعارضة لقانون معاقبة “أوبك” من الداخل الأميركي أقوى من أيّة معارضة خارجية.
رفع الإنتاج.. وفق شروط
حين أتى بايدن إلى السعودية قال على الملأ إنّه تلقّى وعداً سعودياً بزيادة إنتاج النفط، وكان واضحاً أنّه لا يريد أكثر من تسجيل إنجاز يقدّمه للناخبين الممتعضين من ارتفاع أسعار البنزين، قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في تشرين الثاني المقبل. لم تعلّق الرياض مباشرة، لكنّ ما وصل إلى الإعلام العالمي أنّ أية زيادة للإنتاج تبقى محكومة بإطار “أوبك بلاس”.
تشير التوقّعات إلى أنّ السعودية تدفع في اجتماع اليوم باتجاه زيادة محسوبة للإنتاج محكومة بالمحدّدات التالية:
– حاجة السوق الواضحة إلى زيادة الإنتاج، إذ إنّ تقديرات “أوبك” تشير إلى تفوّق الطلب على العرض بنحو 1.5 مليون برميل يوميّاً.
– عدم قدرة روسيا على الإنتاج بكامل حصّتها البالغة 11 مليون برميل يومياً، ومع ذلك بالإمكان إيجاد صيغة تتيح للدول الأخرى زيادة الإنتاج مع الحفاظ على “أوبك بلاس” كإطار جامع لضبط السوق.
– المأزق الذي وصلت إليه الولايات المتحدة، بعدما بدأت في نيسان الماضي أكبر سحب من مخزوناتها الاستراتيجية في التاريخ لفترة ستة أشهر بمعدّل مليون برميل يومياً. ومع ذلك ما زالت الأسعار في نطاق قريب من مئة دولار للبرميل. وأمام البيت الأبيض سؤال كبير عمّا سيفعله بعد أن ينتهي برنامج السحب من المخزونات في أيلول المقبل.
إقرأ أيضاً: لبنان في الإليزيه: ماذا عن رئاستَيْ الجمهوريّة والحكومة؟
كان لافتاً أنّ بايدن لم يقُل خلال زيارته للسعودية كلمة انتقاد واحدة للتعاون السعودي الروسي في إطار “أوبك بلاس”، على الرغم من الصراع المحتدم في السياسة الدولية على خلفيّة الحرب الأوكرانية. ولا تفسير لذلك سوى الإدراك الأميركي لِما تحقّقه الإدارة السعودية بالنسبة إلى إيقاع سوق النفط العالمية، وتسليمها بالحاجة إلى “أوبك بلاس” في هذا الإطار.
ستحقّق زيادة إنتاج “أوبك بلاس” على الأرجح هدفاً مزدوجاً للسعودية. فمن جهة، ستعيد التأكيد على دورها المبادِر لتوفير الإمدادات للسوق العالمية، ومن جهة أخرى ستكون قد ثبّتت “أوبك بلاس” كقيمة استراتيجية وحاجة دولية.