تزامَن وصول الوسيط الأميركي آموس هوكستين إلى بيروت مع تصعيد غير مسبوق من جانب حزب الله تمثّل بنشر الإعلام الحربي فيديو يوثّق الإحداثيّات التقنيّة (طول، عرض، ارتفاع، عدد الأفراد الموجودين) لسفينتَيْ إنتاج الغاز والحفر في حقل كاريش، ووضعيّتهما التي هي في “وضعيّة الاتصال”.
حمل الفيديو عنواناً هو جملة قالها سابقاً الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله: “اللعب بالوقت غير مفيد”، وأظهر أيضاً لقطة لبضع ثوانٍ تُبيِّن لحظة فتح منصّة عليها شعار حزب الله وتحتوي في داخلها صاروخاً يُكنّى به عن استهداف منصّة الإنتاج، مع تحديد المسافة (90 كلم) التي تفصل سفينة الإنتاج والتخزين FPSO Energean Power عن الشواطئ اللبنانية.
تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي معطيات حول أنّ الفيديو مصوّر من داخل مقصورة التحكّم بالصاروخ أرض-بحر، فيما السفن تَظهَر على شاشة رادار منصّة الصواريخ وضمن المربّع الأخضر، وهو ما يعني أنّ “السفينة في مرمى الاستهداف”. وقد تبيّن أنّ تسجيل الفيديو حصل على مرحلتين آخرها 30 تموز.
[VIDEO]
تعليقاً على هذا الفيديو، صدر موقف رسميّ وحيد على لسان وزير الخارجية عبدالله بو حبيب خلال مقابلة تلفزيونية قال فيها إنّ “ما قام به حزب الله لا يمثّل موقف الدولة اللبنانية، وهو مماثل لموقفنا من إطلاق المسيَّرات”، مؤكّداً أنّه “مش فاتح دكان وهذا الموقف ليس من عندياتي”. وأضاف: “لن نعطي موقفاً من فيديو ممكن يكون حزب الله قد نشره أو نُشِر باسم المقاومة”، لافتاً إلى أن لا “مشكل مع المقاومة، وهناك حكومة تصدر أيّ قرار بهذا الشأن”.
عباس ابراهيم “أوّلاً”
من جهة أخرى، وصل هوكستين إلى بيروت أمس آتياً من جولة في باريس وبروكسل وأثينا لمناقشة أمن الطاقة الأوروبي، ثمّ توجّه من المطار مباشرة للقاء المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، وقد دام اللقاء ساعة، ثمّ التقى وزير الطاقة وليد فياض بعدما ترافقا بالرحلة نفسها من اثينا ولاحقاً قائد الجيش العماد جوزف عون، فيما يلتقي اليوم الرؤساء الثلاثة ووزير الخارجية وشخصيات عدّة. ومن جهتها، اعتبرت وزارة الخارجية الأميركية أنّ التوصّل إلى حلّ في موضوع الحدود البحرية “أمر ضروري وممكن، لكن لا يمكن تحقيقه إلا من خلال المفاوضات والدبلوماسية”.
توَّج نشر فيديو الاستهداف المحتمَل لسفينة الإنتاج في حقل كاريش مساراً من التجييش من جانب حزب الله تُرجم في الأيام الماضية من خلال خطابات السيد نصرالله وإطلاق المسيّرات والاستنفار الملحوظ لشباب الحزب على الحدود اللبنانية الإسرائيلية وحالة التعبئة التي وصلت إلى حدّ تنظيم مسيرة للقمصان السود على الحدود بالتزامن مع إحياء ذكرى الأربعين لتأسيس الحزب وإحياء مراسم عاشوراء، حتى إنّ سكان منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب لاحظوا وجود إجراءات وترتيبات لإحياء عاشوراء مختلفة عن كلّ الأعوام الماضية.
هل يلتقي عون وميقاتي؟
يتطلّب توحيد الموقف اللبناني من حصيلة ما سيحمله هوكستين من ردّ إسرائيلي على الطرح اللبناني التنسيق بين الرؤساء الثلاثة الذي بقي حتى اللحظات الأخيرة رهينة لقاء الضرورة بين ميشال عون ونبيه بري ونجيب ميقاتي في احتفال عيد الجيش واحتمال تفرّع لقاء ثنائي أو ثلاثي عنه يبحث مسألة الترسيم والملفّ الحكومي.
في المقابل تردّدت معلومات أمس أنّ الجانب الإسرائيلي يوافق على الاقتراح اللبناني معدّلاً، إذ مقابل حصول لبنان على حقل قانا كاملاً الذي يقع في جزء منه خارج الخط 23، يطلب العدوّ الإسرائيلي مساحة مقتطعة من البلوك رقم 8 شمال الخط 23 نزولاً باتجاه خط فريدريك هوف الذي رفضه لبنان.
صدر موقف رسميّ وحيد على لسان وزير الخارجية عبدالله بو حبيب خلال مقابلة تلفزيونية قال فيها إنّ ما قام به حزب الله لا يمثّل موقف الدولة اللبنانية، وهو مماثل لموقفنا من إطلاق المسيَّرات، مؤكّداً أنّه “مش فاتح دكان وهذا الموقف ليس من عندياتي”
حُدّد لقاء هوكستين مع رئيس الجمهورية عند الساعة 12:30 بعد انتهاء الاحتفال بعيد الجيش. ويقول مصدر قريب من بعبدا إنّه “في ضوء ما سيحمله الوسيط الأميركي من ردّ على الاقتراح اللبناني (الخط 23 وحقل قانا كاملاً) ستتحدّد بوصلة التفاوض. فإذا وجدنا أنّ هناك توافقاً في الخطوط العامة على الطرح اللبناني سيكون هناك دعوة صريحة للعودة إلى طاولة مفاوضات الناقورة، وربّما يتطلّب الأمر مغادرة هوكستين مجدّداً مع ردّ لبناني على الردّ الإسرائيلي. أمّا الحلّ الأخير في حال التعنّت الإسرائيلي فسيكون من خلال إشهار ورقة خط 29 كخيار وليس كخط تفاوضي”.
هكذا ركّز الجانب الرسمي قبل ساعات من وصول هوكستين على اتفاق الرؤساء الثلاثة على الدعوة للعودة إلى اتفاق الإطار وإبلاغ الوسيط الأميركي بذلك، مهما كان فحوى الردّ الإسرائيلي.
عودة إلى “اتفاق برّي”
يُذكر أنّ اتفاق الإطار الذي أعلنه الرئيس نبيه بري في تشرين الأول 2020 يتضمّن وجود مسارين لترسيم الحدود: ترسيم الحدود البرّية استناداً إلى قرار مجلس الأمن رقم 1701 لعام 2006، وترسيم الحدود البحرية، وأن تؤدّي الولايات المتحدة دور الوسيط على أن تُعقد جولات التفاوض بين ممثّلي لبنان وإسرائيل في مقرّ الأمم المتحدة في الناقورة.
ووفق نصّ الاتفاق لا يوجد أيّ ربط مُلزِم بين المسارين البرّي والبحري، ولا وجود لإطار زمني للمفاوضات، ولا التزام بأيٍّ من الخطوط المتنازَع عليها، ولا مرجعية واضحة لمفاوضات ترسيم الحدود البحرية كقانون البحار مثلاً الصادر عام 1982، وهو ما يجعلها رهينة سياسة رفع السقوف وفرض الشروط. ولم يتطرّق اتفاق الإطار إلى الحلول البديلة في حال عدم التوافق بين الجانبين على الترسيم البحري كاللجوء إلى التحكيم الدولي، وهو خيار غالباً ما تلجأ إليه الدول في هذا النوع من النزاعات، مع العلم أنّ هذا الخبار يتطلّب موافقة الطرفين أي الإسرائيلي واللبناني
مع ذلك، يبدو أنّ موقف الدولة اللبنانية يمرّ في مرحلة هي الأكثر مصيريّة في تاريخ لبنان الحديث، وفي وقت يعيش لبنان أقصى درجات ضعفه، مقابل التصعيد المتدرّج في أداء حزب الله مع فرض مهلة للرضوخ للطلب اللبناني “سقفه” الأعلى بداية شهر أيلول.
يكفي أنّ السيناريوهات انحدرت إلى توقّع حصول “توليفة” لعقد لقاء في احتفال عيد الجيش شبيه بما حصل في عيد الاستقلال يوم كان الخلاف قائماً على خط بعبدا-عين التينة وغادر الرؤساء عون وبري ميقاتي في سيارة واحدة واتّجهوا صوب قصر بعبدا!
إقرأ أيضاً: هوكستين: عودة إلى الناقورة.. و”إلاّ تخبزوا بالأفراح”؟
مصادر مطّلعة أشارت لـ “أساس” إلى أن لا لقاء مرتقباً بين الرؤساء أو بشكل ثنائي على هامش احتفال عيد الجيش إلا إذا تغيّرت المعطيات صباح اليوم. لكن مساء أمس أعلِن عن تلقي رئيس حكومة تصريف الاعمال اتصالاً من رئيس الجمهورية دعاه خلاله إلى عقد اجتماع ثلاثي مع الرئيس بري عند الساعة الحادية عشرة قبل ظهر اليوم في القصر الجمهوري للبحث في ملف ترسيم الحدود من دون ذكر ملف تأليف الحكومة.
مع العلم أنّ الخلاف هذه المرّة هو بين رئيسَيْ الجمهورية والحكومة، والاتفاق بينهما حول الحكومة لم يعد ممكناً بعدما تقدّم استحقاق رئاسة الجمهورية على مسألة تأليف الحكومة التي “صارت خلفنا”.