ما تزال البطريركية المارونية غاضبة، وهدوء الديمان المقرّ الصيفي للبطريرك لم ينعكس هدوءاً في أجواء مار بشارة بطرس الراعي. الجوّ المرافق لقضية المطران موسى الحاج ليس أقلّ ضجيجاً من لحظة توقيفه، بل إنّ التصعيد مستمرّ طالما لا حل للملفّ يرضي الصرح البطريركي.
هذه هي أجواء الديمان هذه الأيام. وستظهر عظة يوم الأحد المقبل حجم استياء الكنيسة المارونية من هذه الحادثة وتبعاتها، ومن كلّ المعنيّين، الأقربين والأبعدين.
في العظة سيقول البطريرك الراعي ما لديه، ردّاً على ما يعتبره “تخاذلاً” من بعض القيادات المسيحية أوّلاً، وما يعتبره “هجوماً على بكركي على خلفيّة مواقفها من الحياد ورئاسة الجمهورية وسلاح حزب الله” ثانياً.
يسمع زوّار الديمان هذه الأيام لهجة تصعيدية من الراعي ورفضاً لأيّ تسوية لقضية المطران لا تعيد الأموال لأصحابها، أي للعائلات التي يفترض أن تصلها المساعدات. وذلك بعد تسريبات في صحف الأمس عن أنّ التسوية ستخلص إلى عدم ملاحقة المطران جزائياً بجرم التواصل مع دولة أجنبية وعدوّة، مقابل حجز الأموال والمساعدات.
تكشف المصادر المتابعة أنّ ما قام به المطران هو في صلب العمل الكنسي وليس بجديد، وأنّه يقوم به لأغراض إنسانية بحتة
الراعي مستاء من الجميع
يسمع أيضاً زوّار الديمان من الراعي استياءه من المسؤولين السياسيين كما من أهل القضاء، ولا سيما من رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود الذي اتصل به الراعي عند حدوث التوقيف على أن يعاود عبود الاتصال بالبطريرك بعد قيامه بمساعٍ لحلّ القضية. وحتّى الساعة لم يتلقَّ الراعي أي اتصال منه.
أمّا رئيس الجمهورية ميشال عون فيحمّله الراعي مسؤولية التشكيلات القضائية التي ما تزال في الأدراج. والراعي مستاء أيضاً من عدد من القيادات المارونية باعتبارها متخاذلة في مواقفها. وهو يقول لمن يزوره إنّه باقٍ على موقفه ولو بقي وحيداً، وإنّه لن يرضى بكسر موقف المجمّع الكنسي، الذي صدر في بيان طالب بتنحية القاضي فادي عقيقي عن الملفّ.
أمّا تعليقاً على ما يُنقل في بعض وسائل الإعلام عن تسوية في الملف تقضي بإقفال معبر الناقورة وعودة مسار المطارنة الحاصلين على أذونات استثنائية لدخول الأراضي المقدسة باتجاه معبر الأردن، فتشير مصادر متابعة لأجواء الديمان إلى أنّ البطريرك لا علم له بحصول هذه التسوية، وأنّه لا يرضى بها حتّى الساعة، بل يطالب بالإفراج عن الأموال وتوزيعها على العائلات.
إيران غيت.. والعمالة
تكشف المصادر المتابعة أنّ ما قام به المطران هو في صلب العمل الكنسي وليس بجديد، وأنّه يقوم به لأغراض إنسانية بحتة. فما الذي تغيّر حتّى صدر قرار توقيفه؟
لا يقتنع الديمان بكلام الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله عن أنّ حزب الله لا دخل له بهذه القضية. بل يرى أنّها رسالة إلى بكركي التي وضعت معايير لرئاسة الجمهورية وربطت الاستحقاق بعنوانين أساسيّين هما الحياد وسلاح حزب الله.
أمّا عن ربط مهمّة المطران بـ”العمالة” وما يرتبط بها من اتّهامات، فتردّ المصادر الكنسية بأنّ هذه التهمة لا تنطبق على قضية المطران الذي يقوم بنقل الأموال إلى عائلات لا تملك ثمن طعامها، وتدعو من يتّهم المطران بالعمالة إلى أن يراجع ذاكرته في قضية “إيران غيت” يوم استعانت إيران بأسلحة إسرائيلية لضرب العراق.
الأكيد أنّ القضية ذاهبة باتجاه تصعيد جديد بين فريقين يقفان على طرفَيْ نقيض. وهي أحد الأدلّة على حدّة الانقسام العمودي في البلاد بين فريقين وثقافتين، لا يمكن التغاضي عن درجة ابتعاد بعضهما عن البعض الآخر بعد اليوم.
كيف سيكون مسار الانقسام هذا في المقبل من الأيام؟
إنّه سؤال مطروح في كلّ الكواليس التي تبحث مستقبل بلاد منقسمة على كلّ شيء. فهل يُترجم انقسامها في مستقبل نظامها السياسي أم يأتي هذا التصعيد في سياق الخلاف الكبير بين الكنيسة وحزب الله؟
إقرأ أيضاً: بكركي كمشروع سياسيّ
الكنيسة المارونية تقدّمت في مسار هذا الخلاف. والأرجح أنّ حزب الله هو الذي تضرّر، إذ سارع أمينه العام إلى التوجّه إلى المسيحيين بالقول إنّه على الرغم من حساسية القضية بالنسبة إلى الحزب، إلا أنّ حزبه لا دخل له بها.
يبقى أنّ مسار الانقسام مستمرّ، ومسار التصعيد مستمرّ، وحلّ قضية المطران لم ينضج بعد بين بكركي والسلطتين السياسية والقضائية.