تفجير المرفأ بعد عامين (1): مَن حمى القضاة والعسكر؟

مدة القراءة 7 د

بعد عامين على تفجير مرفأ بيروت، بدأت تتوضّح ملابسات كثيرة عن كيفيّة إدارة التحقيق بعيداً عن الخيوط الأساسية، حول من أتى بالنتيرات ومن حمى إنزالها، ومن حافظ عليها كلّ هذه السنوات.

في هذه السلسلة وثائق تنشر للمرّة الأولى، حول تزوير في مراسلات قضائية، وحول إخفاء الشرطة العسكرية أدلّة عن اشتباه اليونفيل بالباخرة، وطمأنة الجيش إلى أنّها لا تحمل موادّ مسبوهة ؟

في الحلقة الأولى اليوم ننشر معلومات عن القاضي الذي أدخل النيترات إلى لبنان، والذي لا يزال حرّاً طليقاً. وأسئلة حول “حضانة القضاء والعسكر” في مقابل “التحريض على السياسيين”.

 

عامان على انفجار مرفأ بيروت. الحقيقة لم تظهر بعد. مَن فجّر؟ مَن أتى بالموادّ المتفجّرة؟ ومَن أعطى الأمر بإنزالها ثمّ تخزينها في العنبر رقم 12 كلّ تلك السنين؟

كلّ مَن علم شيئاً حول هذه القضية، غابت عنه أشياء.

وُضعت شخصيّات في قفص الاتّهام، وتعرّضت لحملات إعلامية وسياسية وتشويه سمعة، وشُنّت حملاتٌ ظالمة بحقّ البعض، ومحقّة بالنسبة إلى آخرين. وفي هذا الوقت كان هناك آخرون محميّون يُمنع المسّ بسمعتهم، ولو من باب الشبهة، ويُمنع التشكيك في علاقتهم بالملفّ، ولو من باب التقصير. الخطوط الحمر كانت ولا تزال كثيرة، وكذلك المحاذير السياسية.

 وقّع قاضي العجلة على ثلاثة قرارات، لكنّ تواقيعه جاءت مختلفة، وهو ما يعزّز واقعة التزوير أو أنّ ما حصل كان بفعل فاعل بعد موافقته، على ما كشف وليام نون الذي عرض التواقيع المختلفة في برنامج “صار الوقت” على mtv مع الزميل مارسيل غانم

في النتيجة، بعد عامين من تفجير مرفأ العاصمة، لم ينَل التحقيق، ولا أهالي الضحايا، ولا أهالي المدينة التي تدمّر جزء منها، ولا اللبنانيون، صوراً من الجوّ سبقت وقوع الانفجار. والدول الكبرى لم تبلور وقوفها إلى جانب لبنان بمساعدة واقعية على صلة بلحظة الانفجار وبتقديم ما من شأنه أن يفيد التحقيقات، بل اكتفت بالكلام المنمّق، الذي يكاد يرقى إلى رتبة التواطؤ ضدّ التحقيق.

الدول الكبرى التي عرضت المساعدة لم تزوّد لبنان بالصور اللازمة الملتقطة عبر الأقمار الاصطناعية على الرغم من طلب القضاء اللبناني مساعدتها في هذا المجال، وحتى الجهات الروسية سلّمت الصور للدقائق التي تلت الانفجار وليس قبله.

يأتي من ضمن الوقائع المستغربة العرض العسكري الذي أقامته قيادة الجيش لسنوات متتالية على مقربة من المرفأ مستبقةً إيّاه بحملة تفتيش واسعة في المنطقة، وجولة لرئيس الحكومة سعد الحريري سبقتها إجراءات أمنيّة في المحيط، وقبل ذلك وبعده أقامت السفارة الأميركية احتفالاً أمام العنبر رقم 12 لتسليم أسلحة إلى الجيش اللبناني تولّى تصويره جان بجاني الذي تمّ اغتياله ولم تفضِ التحقيقات إلى معرفة هويّة القاتل وحيثيّات القضية فيما التزمت زوجته الصمت وغادرت البلاد مع عائلتها.

 

كيف حصل الانفجار؟

هو السؤال الكبير الذي لم يتمّ العثور على إجابة شافية ووافية عليه. ومَن أتى بالموادّ المتفجّرة على متن الباخرة؟ ومَن أعطى الموافقة على تخزينها؟

الأسئلة – الألغاز ما تزال بلا أجوبة. لكنّ الجديد هي الوثائق التي بدأت تتكشّف تباعاً، والتي بدأت تكشف جوانب كان ممنوعاً كشفها في العامين الماضيين.

ما يقارب ثلاثين وثيقة يمكنها أن تكون بداية الإمساك بالخيط الرفيع للحقيقة، كشفها منذ فترة ليست بعيدة شقيق أحد ضحايا المرفأ، والناطق باسم أهالي الضحايا، وليام نون.

الغريب أنّ الوثائق التي كشفها لم تحرّك ساكناً في القضاء على الرغم من خطورتها. ولم تُقابَل بنفي المعنيّين، أي القيادة العسكرية في الجيش اللبناني.

تندرج الوقائع الملتبسة في ثلاثة أقسام:

– دور القضاء في إنزال الموادّ الخطرة في مرفأ بيروت.

– تقرير “اليونيفيل” الذي حذّر الجيش من وجود موادّ “مشبوهة” على متن السفينة.

– وتحقيقات الشرطة العسكرية التي تعرّضت للتزوير، بحسب نون.


التستّر على القضاء

منذ بدء التحقيقات تمّ تعمُّد التستّر على تقصير القضاة، ومن بين القضاة الذين حامت شبهة التقصير حولهم قاضي الأمور المستعجلة جاد معلوف الذي أصدر قراراً بتعويم الباخرة روسوس وتخرين البضاعة شرط أن تبقى تحت حراسة وزارة النقل. وحين أرسل مدير المرفأ شفيق مرعي إلى معلوف يبلغه أنّه تمّ تخزين البضاعة إنفاذاً لطلبه لفته إلى أنّ الموادّ الموجودة على متن روسوس هي نيترات الأمونيوم الشديدة الخطورة، طالباً ترحيل البضاعة فوراً، لكنّ القاضي ردّ الطلب شكلاً.

تجدر الإشارة إلى أنّ المراسلات الكثيرة التي كانت تصل إلى القاضي معلوف، بخصوص روسوس، كان يردّها في كلّ مرّة إلى مرسليها “لأنّها تأتي من جهة غير ذات صفة بالملفّ وبطريقة غير قانونية، فكان يعيد إحالتها إلى الجهة المعنيّة لتطّلع عليها، وكان يطالبها بأخذ المقتضى المناسب في كلّ مرّة”، بحسب ما نُشر عن مصادر مقرّبة منه عقب انفجار 4 آب. يومئذٍ أوضحت المصادر أنّ الشحنة لم تكن محجوزة من قبل قضاء العجلة ولا صلاحية لقضاء العجلة بحجزها “لأنّه لا يفصل ولا يبتّ الحقوق والملكيّات، بل يتّخذ تدابير مستعجلة من دون التعرّض لأصل الحقّ وفقاً للقانون”.

في العام 2015 كرّر مرعي طلبه فاكتفى معلوف بتحويل الطلب إلى هيئة القضايا في وزارة العدل. تكرّر مثل هذا الطلب وتكرّر جواب معلوف ذاته حتى العام 2017 حين تشكّل القاضي معلوف إلى محكمة أخرى في تشرين الأوّل من ذاك العام. وعلى الرغم من وجود موادّ قانونية تسمح بترحيل الموادّ، إلا أنّ القضاء لم يدقّق في كيفيّة حفظ الموادّ ولا في خطورتها. وقّع قاضي العجلة على ثلاثة قرارات، لكنّ تواقيعه جاءت مختلفة، وهو ما يعزّز واقعة التزوير أو أنّ ما حصل كان بفعل فاعل بعد موافقته، على ما كشف وليام نون الذي عرض التواقيع المختلفة في برنامج “صار الوقت” على mtv مع الزميل مارسيل غانم.

 

تسييس التحقيق؟

حين قصد أهالي الضحايا رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود لإبلاغه بالاختلاف بين عدد من تواقيعه، رفض التعليق على الأمر كي لا يكون طرفاً. المستغرب هنا أيضاً أنّ تنفيذ القرار القضائي تمّ في يوم واحد وفق ما تظهره الوقائع، بينما هذا إجراء يستحيل تنفيذه بهذه السرعة في الدولة اللبنانية. لم ينفِ القاضي معلوف تواقيعه الملتبسة ولم يصدر عنه أيّ تعليق، بينما أهالي الشهداء بصدد التقدّم بإخبار بشأنها لدى النيابة العامّة.

في مكان يمكن القول إنّ الدوافع “الرئاسية” تداخلت مع الاستغلال السياسي للتحقيق. فالمحقّق العدلي في القضية، بعد تحويلها إلى المجلس العدلي، هو القاضي طارق البيطار، الذي اتُّهِم بأنّه قريب من النائب جبران باسيل. وأحد المطلوبين للتحقيق كان وزير الأشغال الأسبق يوسف فنيانوس، أحد مساعدي زعيم تيار “المردة” سليمان فرنجية، المرشّح الأوفر حظّاً لرئاسة الجمهورية حالياً. وقائد الجيش، المسؤول عن المرفأ، هو العماد جوزف عون، الذي ارتفعت حظوظه أخيراً في السباق إلى رئاسة الجمهورية.

لكلّ هذه الأسباب طرحت أسئلة حول احتمال تسييس التحقيق. وبعض من كانوا يدافعون عن القاضي بيطار وتحقيقه، استسهلوا لاحقاً اتّهام قضاة آخرين بالخيانة والانحياز، بل وطالبوا بمحاكمتهم، إلا القاضي بيطار، الذي تمّ العمل على صناعة “صورة البطل” له، قبل الانتخابات النيابية، باعتباره من سيخلّص اللبنانيين من “الطبقة السياسية”. وهو استطاب هذه الصفة، وأدلى باعتزازه بها، وتبنّاها، في حديث مع صحيفة “العربي الجديد” فور تولّيه التحقيق.

إقرأ أيضاً: وثائق “ويكيليكس” تكشف علاقة حزب الله بنترات الأمونيوم

مرفق بهذه الحلقة نسخ من تواقيع “مختلفة” للقاضي معلوف، نضعها بعهدة القضاء وبعهدة التحقيق، المعلّق حالياً، والذي علم “أساس” من بعض المصادر أنّ المحقّق البيطار قد جهّز “القرار الظنّي”، ويطلب العودة إلى العمل على القضية، “ولو 10 دقائق”، ليعلنه.

[PHOTO]

 

في الحلقة الثانية غداً:

هل زوّرت الشرطة العسكريّة وثائق؟

 

مواضيع ذات صلة

روايات ليلة سقوط الأسد… وخطّة الحزب “لإعادة التموضع”

في الحلقة الثانية من هذا التحقيق، تلاحق مراسلة “أساس” روايات العائلات النازحة في البقاع الشرقي وتحديداً منطقة الهرمل. وتسألهم عن ليلة السقوط الكبرى. كما تسأل…

لماذا يخاف شيعة البقاع من “بُعبُع” المعارضة السّوريّة؟

سقط بشّار الأسد وعاد عدد كبير من النازحين السوريين إلى بلدهم. لكن في المقابل شهدت مناطق البقاع، وتحديداً بعلبك الهرمل، نزوحاً معاكساً هذه المرّة للسوريين…

إسرائيل تضرب حيّ السّلّم للمرّة الأولى: هل تستعيده الدّولة؟

بقي حيّ السلّم على “العتبة”، كما وصفه عالم الاجتماع وضّاح شرارة ذات مرّة في كتابه “دولة حزب الله”. فلا هو خرج من مجتمع الأهل كليّاً…

أمن الحزب: حرب معلومات تُترجم باغتيالات (2/2)

لا يوجد رقم رسمي لمجموع شهداء الحزب في حرب تموز 2006، لكن بحسب إعلان نعي الشهداء بشكل متتالٍ فقد تجاوز عددهم 300 شهيد، واليوم بحسب…