نجح رئيس بلدية طرابلس رياض يمق في وقف تنفيذ قرار وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي الذي يدعو إلى انتخاب رئيس ونائب رئيس بدل الحاليين، وذلك بانتزاعه قراراً قضائياً من مجلس شورى الدولة صدر بعد ظهر أمس الخميس. وذلك بعدما تقدّم عبر وكلائه القانونيّين بمراجعة أمام مجلس الشورى لإبطال قرار الوزير الذي استند إلى الطلب المرفوع من 12 عضواً في المجلس البلدي.
وقد أشار بيان صادر عن وكلائه إلى ترافق قرار مولوي مع حملة افتراءات لتشويه صورة يمق، خاتمين بيانهم بالتساؤل عن سرّ الإصرار على حصر إجراء سحب الثقة ببلدية طرابلس دون غيرها من البلديات في كلّ لبنان.
قبل القرار كانت طرابلس على موعد في الأوّل من آب المقبل، مع انتخاب رئيس جديد لبلديّتها ونائب له.
حسب “البوانتاج” الأوّليّ، كان الأوفر حظّاً هو خالد تدمري المدعوم من النائب أشرف ريفي، على حساب الرئيس السابق للبلديّة أحمد قمر الدين المدعوم نسبيّاً من الرئيس نجيب ميقاتي. فلدى تدمري في رصيده الأوّليّ 12 صوتاً، مقابل 8 أصوات حائرة بين قمر الدين ويمق، فيكون الإجمالي 20 عضواً من أصل 24، وهناك 3 أعضاء مستقيلين وواحد توفّاه الله.
الأزمة الحالية بدأت برفض رئيس البلدية رياض يمق تمرير طلبات للرئيس ميقاتي بالذّات، فقام الأخير بشنّ حملات على يمق لتشويه صورته ووضعه تحت الضغط رامياً من ذلك إلى تغييره
أزمة رئيس أم أزمة نخب؟
تختصر أزمة رئاسة بلدية طرابلس حال النخب الطرابلسية، وما المجلس البلدي إلّا صورة عنها. ففي كلّ مرّة يتمّ تحميل مسؤولية الفشل والتعطيل في البلدية إلى الرئيس وحده، ثمّ يُصار إلى تغييره من دون أنْ يؤدّي ذلك إلى تحسين أداء البلدية، بل على العكس يتوسّع الفشل ويزداد حدّة.
الأزمة الحالية بدأت برفض رئيس البلدية رياض يمق تمرير طلبات للرئيس ميقاتي بالذّات، فقام الأخير بشنّ حملات على يمق لتشويه صورته ووضعه تحت الضغط رامياً من ذلك إلى تغييره. ولم يكن وزير الداخلية ليقوم بتحويل الشكوى المقدّمة من بعض الأعضاء ضدّ يمق وعريضة طرح الثقة بالرئيس إلى القضاء إلّا لأنّ ميقاتي يريد تغييره.
تبليغ أمْ مذكّرة جلب؟
من جانب آخر، يشكّل تحديد محافظ الشمال رمزي نهرا موعداً لجلسة الثقة وإبلاغ أعضاء المجلس البلدي بموعدها عبر “مخفر التلّ” إهانةً موصوفةً بحقّ بلدية طرابلس ومقام الرئاسة فيها وما له من إرث تاريخي ومعنوي. كيف يقبل عضو منتخب أنْ يتمّ تبليغه من قِبل قوى الأمن بهذه الطريقة الأقرب إلى مذكّرة الجلب والإحضار؟
لم يكن يجدر أبداً بأعضاء المجلس البلدي القبول بتصرّف نهرا مهما كانت المآخذ على يمق. لا سيّما أنّهم، مع ما يمثّلون، كانوا دائماً ما يعيبون على رؤساء الحكومات قيامهم بتنازلات مهينة ومؤلمة. لكنْ عندما أصبحت الكرة في ملعبهم تراهم يقدمون على تنازلات أسوأ بكثير تحت عنوان التسابق على المنصب، وهنا بالضبط تكمن مشكلة النخب الطرابلسية.
من المعروف أنّ النخب هي من تصنع التغيير في المجتمعات، لكنّ التغيير المنشود في طرابلس يتمّ قياسه على الأشخاص والأفراد على قاعدة: “أنا التغيير، والتغيير أنا”. بيد أنّ من يغضّ الطرف اليوم عن إهانة مقام رئاسة بلدية طرابلس من المحافظ أو غيره، لا بل ويتعاون معه بحجّة أنّ الأمر محصور فقط بهذا الرئيس أو ذاك، فإنّه يكون بعمله هذا يساهم في تثبيت أعراف جديدة تحطّ من قدْر وقيمة مقام رئاسة البلدية في المستقبل، و”مَن يهُنْ يسهل الهوان عليه”.
تختصر أزمة رئاسة بلدية طرابلس حال النخب الطرابلسية، وما المجلس البلدي إلّا صورة عنها. ففي كلّ مرّة يتمّ تحميل مسؤولية الفشل والتعطيل في البلدية إلى الرئيس وحده
انتصار الجناح التركيّ
يحمل خالد تدمري، الذي كان المرشّح الأبرز، سيرة ذاتية مميّزة. فهو باحث متخصّص في التاريخ العثماني منذ سنوات طويلة، وعضو في العديد من الهيئات التركية التي تُعنى بهذا الشأن، ورئيس الجمعية اللبنانية التركية، ورئيس لجنة الآثار في بلدية طرابلس منذ عام 2004، وأحد أبرز الحريصين على حماية الآثار في طرابلس.
الرجل لديه طموح قديم ومشروع في رئاسة بلدية طرابلس، لكنّ السؤال: كيف يمكنه تفعيل العمل البلدي في حال نجاحه بولاية محدودة ومقيّدة، وفي ظلّ الصراعات السياسية وتراكم الأزمات؟ هذا بالإضافة إلى أنّه سيكون تحت مجهر التكتّلات التغييرية التي لديها قدرة كبيرة على التأثير في الرأي العام، والتي استمدّت من نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة معنويّات هائلة دفعتها إلى إطلاق الاستعدادات للانتخابات البلدية في العام المقبل مباشرة في اليوم التالي للانتخابات النيابية.
يُعتبر تدمري أحد أبرز وجوه ما يُعرف بـ”الجناح التركي” داخل المجلس البلدي، الذي يضمّ عدّة أشخاص من بينهم سميح حلواني، الاسم المطروح ليكون نائباً له. علماً أنّ تدمري هو الذي أشرف على مشروع ترميم التكيّة المولوية المموّل من الحكومة التركية، والذي سبق أنْ زاره رئيس الحكومة التركية الأسبق أحمد داود أوغلو، الأمر الذي سيؤدّي إلى زيادة منسوب الشائعات عن النشاط التركي في طرابلس، على الرغم من النفي المتكرّر الصادر عن السفارة التركية والمسؤولين الأتراك.
وإنْ كان لتدمري علاقات قديمة ووطيدة مع الجانب التركي، خاصة الأوساط الثقافية، وهي سابقة لوصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في تركيا، فإنّ الشائعات التي سرت في السنوات السابقة عن نشاط تركي، قد فعلت فعلها في الأوساط الطرابلسية. وعمِل الكثير من الأشخاص على الاستفادة منها والإيحاء بوجود مدّ تركي وأنّهم وكلاؤه، بهدف تحصيل حضور شعبي والغَرْف من الهيام الطرابلسي بتركيا وبحزب العدالة والتنمية، ومنهم النائب ريفي وبعض أعضاء المجلس البلدي والجماعة الإسلامية.
إقرأ أيضاً: بصمات ميقاتيّة في تطيير رئيس بلديّة طرابلس؟
بيد أنّ المشروع التركي الذي كثُر الحديث عنه في الشارع الطرابلسي لمْ يكن له وجود إلا في مخيّلة البعض، وعلاقات أغلب النخب الطرابلسية مع الجانب التركي لا تتعدّى الهيئات التنموية والإغاثية التركية، بالإضافة إلى علاقات محدودة للبعض مع الاستخبارات التركية التي تستفيد منهم كمصادر معلومات لا أكثر من دون أن يكون هناك مشروع تركي ولا قبرصي ولا حتّى لبناني لطرابلس.