نهاية “قرنٍ ذهبي” بين إسرائيل وروسيا؟

مدة القراءة 7 د

حين نظّمت الوكالة اليهودية احتفالاً ضخماً وصاخباً لمناسبة يوم القدس، وسط موسكو، في حديقة ريميتاج الشهيرة في 2018، قام الحاضرون بالرقص على أنغام أغنية “تل أبيب، يا حبيبي تل أبيب”، برعاية السلطات الروسية، حينها كان من الصعب تخيّل أنّ وزارة العدل الروسية ستطلب تصفية الوكالة اليهودية -فرع روسيا “سخنوت”، المعنيّة بتنظيم هجرة الروس ذوي الأصول اليهودية إلى إسرائيل.

في الظاهر، يرتدي التوجّه الروسي إلى حلّ الوكالة اليهودية للهجرة “سخنوت” حلّة قانونية بعد اتّهام موسكو للوكالة بأنّها تجمع وتحتفظ وتنقل معطيات حول مواطنين روس بصورة مخالفة للقانون، ولذلك يجب إغلاقها. لكن في حقيقة الأمر، فإنّ القرار بحلّ الوكالة اليهودية هو قرار سياسي بامتياز، ويشير إلى نهاية العصر الذهبي بين موسكو وتل أبيب، على خلفيّة انحياز تل أبيب إلى المعسكر الغربي، وموقف رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد من الحرب في أوكرانيا، بعدما بدا أنّ مرحلة إمساك إسرائيل العصا من المنتصف في ما يخصّ الحرب على أوكرانيا قد انتهت.

موقع “يديعوت أحرونوت” نقل عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله: “نحن في معركة هنا، هذا لا يتعلّق بإغلاق ماكدونالدز”، مشيراً إلى أنّ “إغلاق الوكالة تحت غطاء قانوني هو مسألة سياسية، ولن نسكت عنها”.

يرى الإعلام الإسرائيلي أنّ من المبكر الحديث عن انفجار في العلاقات بين إسرائيل وروسيا

كما هو معروف شهدت العلاقات الروسية الإسرائيلية سنوات عسل في عهد بنيامين نتانياهو، إذ كان بوتين يستضيف نتانياهو بشكل دوريّ في الكرملين، وحضر نتانياهو كضيف شرف في موكب يوم النصر في ذكرى الحرب العالمية الثانية في موسكو عام 2018، وعمل بوتين على رعاية العلاقات مع الجالية اليهودية وإسرائيل بشكل شخصي، وإطلاق يد سلاح الجوّ الإسرائيلي في سوريا للحدّ من التموضع الإيراني في هذا البلد.

كان ذلك بمنزلة ردّ جميل لإسرائيل، واعتراف بالدور الكبير لتل أبيب واللوبي الصهيوني بالولايات المتحدة في عدم الدفع بإدارة باراك أوباما نحو أيّ تحرّك أميركي عسكري حقيقي ضدّ نظام الأسد في دمشق، لأنّه كان لتل أبيب مصلحة استراتيجية في بقاء هذا النظام، واستمرار حفلة الجنون والقتل في سوريا.

في الرسالة التي وجّهتها اتّهمت وزارة العدل الروسية الوكالة اليهودية بتشجيع هجرة الأدمغة الروس، وبأنّها تولي أفضليّة لهجرة “مواطني روسيا الذين يعملون في مجالات العلوم والأعمال التجارية، في حين  يقلّل خروجهم  بشكل كبير قدرات روسيا العلمية والاقتصادية”.

من المعروف أنّ إسرائيل تضمّ أكثر من مليون مواطن أصولهم من الاتحاد السوفياتي السابق، وكانت الوكالة اليهودية للهجرة قد بدأت نشاطاتها في روسيا في عام 1989، أي في عهد البريسترويكا قبل عامين من سقوط الاتحاد السوفياتي. وبعد سقوطه، وصل إلى إسرائيل مئات آلاف اليهود آتين من جميع أنحاء الاتحاد السوفياتي السابق.

 

التأسيس قبل قرن

يعود تأسيس الوكالة اليهودية للهجرة إلى عام 1908، وأُنشئت وقتها باسم “مكتب فلسطين” في يافا، وكانت فرعاً لعمليات المنظمة الصهيونية في فلسطين تحت الحكم العثماني، وتمارس مهمة تمثيل اليهود أمام السلطان العثماني، وتشتري الأراضي لليهود بمساعدة “الصندوق القومي اليهودي” من أجل تمكينهم من الاستيطان. وبعد إعلان قيام دولة إسرائيل، حدّد المؤتمر السادس عشر للوكالة أهدافها، التي تضمّنت تطوير حجم الهجرة اليهودية إلى فلسطين بصورة متزايدة، وشراء الأراضي في فلسطين كملكية يهودية عامّة، وتشجيع الاستيطان الزراعي المبنيّ على العمل اليهودي.

من جهته، يرى الإعلام الإسرائيلي أنّ “من المبكر الحديث عن انفجار في العلاقات بين إسرائيل وروسيا” على خلفيّة التوجّه إلى إغلاق الوكالة اليهودية، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّ “الفهم السائد في إسرائيل هو أنّهم على مسار تصادم مع موسكو”.

من ناحيته، رأى المدير العام للمجلس الروسي للشؤون الدولية أندريه كورتونوف أنّ تصفية “سخنوت” تجري على خلفيّة الفتور في العلاقات الروسية الإسرائيلية، متوقّعاً تحسُّنها في حال عودة نتانياهو إلى رئاسة الوزراء بعد انتخابات الكنيست في ظلّ علاقته الشخصية الوطيدة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

أوعز لابيد إلى وفد خبراء قانونيين بالاستعداد للتوجّه سريعاً إلى موسكو في محاولة لحلّ الخلاف، قبل أن تقول المحكمة كلمتها يوم الخميس المقبل

على صعيد آخر، أعلنت القناة 12 الإسرائيلية أنّ السفير الروسي لدى تل أبيب أناتولي فيكتوروف نقل في اجتماعات مغلقة مع شخصيات إسرائيلية عدم رضا الكرملين عن تولّي يائير لابيد قبل أيام منصب رئاسة الحكومة الإسرائيلية، وذلك بسبب انتقاداته للحرب الروسية على أوكرانيا عندما شغل منصب وزير الخارجية، وكان لابيد قد انتقد مجزرة بوتشا في ضواحي كييف.

كما حذّر رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد في بيان له بعد اجتماعٍ مع وزرائه، من حلّ الوكالة اليهودية للهجرة في روسيا، معتبراً أنّه سيشكّل “حدثاً خطيراً” يمكن أن يؤثّر على العلاقات بين البلدين. وتعهّد لابيد بالتحرّك عبر القنوات الدبلوماسية مع موسكو للسماح للوكالة بمواصلة عملها.

أوعز لابيد إلى وفد خبراء قانونيين بالاستعداد للتوجّه سريعاً إلى موسكو في محاولة لحلّ الخلاف، قبل أن تقول المحكمة كلمتها يوم الخميس المقبل، إلا أنّ السلطات الروسية لم تصادق حتى الآن على إصدار تأشيرات دخول لأعضاء الوفد القانوني.

ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أنّ الوزير زئيف إلكين المختصّ في الشأن الروسي اقترح خلال الاجتماع القيام بخطوات مماثلة في حال إغلاق وكالة الهجرة اليهودية بموسكو، ومنها إلحاق الضرر بالمركز الثقافي الروسي في تل أبيب.

 

العلاقة التاريخية

الإتحاد السوفياتي كان من أوائل الموافقين على تقسيم فلسطين في 1947، والمعترفين بدولة إسرائيل في 1948، والقابلين بإسرائيل في الأمم المتحدة في 1949.

تاريخياً شهدت العلاقة الروسية الإسرائيلية مدّاً وجزراً، ففي العامين 1953 و1967 انقطعت العلاقة بين البلدين عدّة سنوات بعد تفجير متطرّفين يهود قنبلة في مبنى البعثة الدبلوماسية السوفياتية في تل أبيب، وبسبب الحرب بين إسرائيل والعرب، وعادت العلاقة مجدّداً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991.

لم يكن إغلاق مكتب الوكالة اليهودية الحلقة الأولى في مسلسل تأزّم العلاقات بين تل أبيب وموسكو منذ الحرب على أوكرانيا، إذ سبقها عدّة خطوات ومواقف تصعيدية متبادلة زادت في تعقيد المشهد. فقد استخدمت روسيا للمرّة الأولى منظومة الدفاع من طراز S-300 ضدّ طائرات إسرائيلية هاجمت مواقع سورية في شهر حزيران الماضي، وذلك بالتزامن مع مواصلة روسيا الإعداد لمشروع قرار يُدين إسرائيل في مجلس الأمن بسبب هجومها على مطار دمشق وميناء طرطوس.

إقرأ أيضاً: بايدن: آخر الرؤساء الصهاينة؟

ويبدو أنّ الإجراءات الروسية الأخيرة جاءت ردّاً على تأييد تل أبيب بيان إدانة روسيا في الأمم المتحدة، وتعليق عضويّتها في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وفوق هذا كلّه، يشير مراقبون إلى أنّ لحالة التوتّر المتصاعدة بين البلدين أسباباً أخرى، من بينها رفض إسرائيل تسليم روسيا ما يثبت ملكيّتها في بلاط الإسكندر في القدس، إضافة إلى اتّهام موسكو لمرتزقة إسرائيليين بالاشتراك في الحرب إلى جانب القوات الأوكرانية.

في تقدير تل أبيب أنّه “سيتمّ إيجاد حلّ في نهاية المطاف لإنهاء أزمة الوكالة، لكنّ هذا لا يعني أنّ الأزمة مع روسيا ستنتهي عند هذا الحدّ”، إذ إنّ “الأزمة هي بين روسيا وبين الغرب، وإسرائيل جزء من الغرب”.

مواضيع ذات صلة

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…

“اليوم التّالي” مطعّم بنكهة سعوديّة؟

لم يعد خافياً ارتفاع منسوب اهتمام المملكة العربية السعودية بالملفّ اللبناني. باتت المؤشّرات كثيرة، وتشي بأنّ مرحلة جديدة ستطبع العلاقات الثنائية بين البلدين. الأرجح أنّ…

مخالفات على خطّ اليرزة-السّراي

ضمن سياق الظروف الاستثنائية التي تملي على المسؤولين تجاوز بعض الشكليّات القانونية تأخذ رئاسة الحكومة على وزير الدفاع موريس سليم ارتكابه مخالفة جرى التطنيش حكوميّاً…