صعدنا بمعيّة مولانا الدكتور رضوان السيد إلى بكركي في 25 شباط 2021 في وفد من التجمّع الوطني ضمّ كوادر مستقلّة من سُنّة لبنان لتأييد الموقف الوطني للبطريرك الماروني بشارة الراعي المطالِب بحياد لبنان.
دخلنا قاعةً من قاعات الصرح كان فيها لفيف متنوّع من طوائف وتيّارات، سُنّة وشيعة ودروزاً ومسيحيّين. جرى حوار مفتوح بعد كلمة للبطريرك وأخرى للدكتور رضوان، ثمّ طلبت الكلام قائلاً: “نيافة البطريرك، أنا زياد عيتاني من الطائفة الإرهابية (ضحك البطريرك ومعه الحضور مصفّقاً)، أتينا إلى هنا مؤيّدين موقفك لنكون إلى جانبك ومعك. لكنّ السؤال الذي يراودنا نحن أبناء الطائفة المتّهمة بالإرهاب دوماً: هل ستبقى حضرتك إلى جانبنا؟..”.
.. لست مع تسهيل نقل أموال إلى الأراضي اللبنانية عن طريق الشنطة (حقيبة) مهما كان نوع هذه الشنطة وجنسيّتها، سواء إيرانية أو أميركية أو فرنسية أو سعودية، وطبعاً إن كانت إسرائيلية. عارضت حقائب المال التي حملها حزب الله إلى أنصاره بعد العدوان الإسرائيلي عام 2006، وأعارضها اليوم وإن كان حاملها رجل دين مسيحيّاً. من أراد أن يحوّل مالاً إلى لبنان، فليفعل ذلك بالمسار القانوني والمصرفي اللبناني، كما هو مفروض على أكثرية الشعب اللبناني، حيث يُسأل الواحد عن مصدر وسبب حوالة خارجية بمئات معدودة من الدولارات.
ما للشيعة هو للشيعة، وما للمسيحيين هو للمسيحيين، إلا أنّ ما للسُنّة مباح للجميع. سامح الله وغفر في كلّ زمان ومكان صاحب مقولة “أمّ الصبي”، وكلّ مرادفاتها في قواميس اللغة وعلم الكلام
لكنني لست مع محاسبة المطران الحاج من قبل سلطة مشبوهة ارتكبت وترتكب ما فعله المونسنيور الحاج ألف مرّة في اليوم. في خضمّ هذا السجال العقيم الذي لا علاقة له بالقانون ولا الدستور، بل يأتي في سياق السياسة وزواريبها، يراودني سؤال تتداوله ألسنة ما لا يقلّ عن مليون لبناني سنّيّ بعد اختزال من كان منهم مع ما يسمّى بسرايا المقاومة، أو من يدّعي اللاطائفية استحياء بسنّيّته وله في ذلك مآرب أخرى: ماذا لو كان ناقل الأموال شيخاً سنّيّاً يرتدي جبّة وعلى رأسه طربوش أحمر ملفوف بالقماش الأبيض، كتلك اللفّة التي ضُرّجت بالدماء في 20/5/2012 على حاجز للجيش اللبناني في عكار، كان يضعها الشهيد الشيخ أحمد عبد الواحد بعد رفضه الامتثال لطلب الحاجز العسكري وفقاً لرواية مديرية التوجيه في الجيش اللبناني في حينه؟!..
هل كانت عناصر الأمن ستتصرّف معه كما تصرّفت مع المطران الحاج، أي تكتفي بحجز جواز سفره والتحفّظ على المال، ثمّ تفرج عنه، أم كانت ستتصرّف معه كما تصرّف أحد قادة الأجهزة الأمنيّة حين صفع الشيخ أحمد الأسير بعد توقيفه؟!
هل كانت بكركي عبر سيّدها والقيادات المسيحية من القوات اللبنانية والكتائب وصولاً إلى الصديق الدكتور فارس سعيد ستتضامن مع هذا الشيخ رافضة اتّهامه بالعمالة، كما حصل مع الشيخ المظلوم الراحل داعي الإسلام الشهال الذي مات طريداً في أرض الأتراك ولم يُدفن في ثرى وطنه.
أزمة الآخرين مع سُنّة لبنان أنّهم يريدونهم “غبّ الطلب”. هم مطلوبون كخطباء فقط في احتفاليات ذكرى عاشوراء لزوم الديكور المذهبي، ومطلوبون كمؤيّدين ومناصرين في استحقاقات ومعارك بكركي وأخواتها لزوم مسرحيّات التعايش الوطني، إلا أنّهم مرفوضون من اليمين واليسار كشركاء أصيلين متساوين في القرار والحقوق والواجبات ضمن رحاب وطن واحد.
ما للشيعة هو للشيعة، وما للمسيحيين هو للمسيحيين، إلا أنّ ما للسُنّة مباح للجميع. سامح الله وغفر في كلّ زمان ومكان صاحب مقولة “أمّ الصبي”، وكلّ مرادفاتها في قواميس اللغة وعلم الكلام.
إقرأ أيضاً: لا مطران ولا بكالوريا.. إنّها الحرب الأهليّة
لست مع المطران الحاج، ولست مع أمن وقانون وفق الطلب السياسي، لكنّني مع الوطن والدولة من دون تردّد أو تفكير حين يكون الوطن للجميع والدولة على الجميع.
بالعودة إلى قصّة زيارتنا لبكركي في بداية المقال، يبقى السؤال مطروحاً بانتظار جواب واضح: نيافة البطريك نحن معك، لكن هل ستبقى أنت معنا؟