ويكيليكس تُخرج المالكي وتُربك “الإطار” وتُريح الصدر

مدة القراءة 11 د

أتطرّق في هذه المقالة إلى التسريبات الصوتية لرئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي التي تضمّنت مواقفه اتجاه زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر وتياره وبعض قادة الحشد الشعبي، وتشكُّكه في الأجهزة الأمنيّة، وقراره الذهاب إلى الأمن الذاتي، إلى جانب سعيه إلى تشكيل مجاميع عسكرية لمواجهة التيار الصدري واستعداده لمهاجمة النجف إذا ما أقدم الصدر على السيطرة عليها، وحديثه عن مجاميع مسلّحة يجب أن تُشكَّل ودعوته إلى العمل على التنسيق مع حرس الثورة الإيراني لمواجهة مؤامرة يدبّرها البريطانيون عبر التيار الصدري ومحمد الحلبوسي ومسعود بارزاني، بحسب قول المالكي.

الجزء الأوّل

الجزء الثاني

الجزء الثالث

الجزء الرابع

الجزء الخامس

التسريبات الصوتية العائدة لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي والتي تحدّث فيها بوضوح عن معركة مفتوحة على جميع احتمالات الدم بينه وبين الصدر، يمكن وصفها بـ”القشّة التي قصمت ظهر البعير”، وأنهت أيّ إمكانية لحصول تقارب وتفاهم بين المالكي والصدر يساعدان على إخراج العملية السياسية من الانسداد الذي وصلت إليه نتيجة الصراع على استكمال الاستحقاقات الدستورية في انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس جديد للحكومة.

ما جاء في التسريبات التي نُشرت قد لا يكون في غالبيّته جديداً على الأدبيات السياسية السائدة بين قادة القوى السياسية العراقية الشيعية وغير الشيعية، خاصة ما جاء فيها من اتّهامات بحياكة مؤامرات بالتعاون مع جهات خارجية، فضلاً عن أنّها تشكّل مستوى متقدّماً من التعبير عن حجم الصراع الشخصي بين الرجلين، من خلال استعادة الطرفين لأحداث ووقائع ومعارك حصلت عندما كان المالكي على رأس السلطة، ولا سيّما معركة البصرة أو صولة الفرسان ومعركة كربلاء ومدينة الصدر. وكان التيار الصدري وجيش المهدي يحملان لواء مقاتلة السلطة التابعة للمحتلّ الأميركي والمدعومة من الجانب الإيراني، ومحاولة صناعة “حسن نصرالله عراقي”، حسب كلام المالكي في التسريبات.

الجديد في هذه التسريبات وما تحدّث عنه المالكي، هو ما يتعلّق بدعوته إلى تشكيل مجاميع مسلّحة تكون قادرة على خوض معركة حاسمة وبإهدار كميّات كبيرة من فائض الدم الشيعي ضدّ التيار الصدري لإنهاء مشروعه الذي اعتبر المالكي أنّه يحاول السيطرة على العراق والسلطة وإلغاء المرجعية الدينية وكلّ المرجعيات السياسية والسلطوية.

جاءت ردّة الفعل الأولى للصدر بالتعميم على جماعته ومناصريه عدم التعليق على كلام المالكي في هذه التسريبات، وذلك في محاولة لاستيعاب ردّات الفعل وضبطها وعدم السماح بتحوُّلها إلى فتيل انفجار للشارع المؤيّد له، إلا أنّه بعد التأكّد من صحّة هذه التسريبات ذهب إلى مطالبة القضاء بالتدخّل ومحاكمته بتهم الفساد وإثارة الفتن، ودعا “الإطار التنسيقي” (الذي يضمّ حلفاء إيران في العراق) إلى التخلّي عنه وإبعاده عن العملية السياسية. وفي خطوة لعزله اجتماعياً، طالب الصدر قبيلة بني مالك التي ينتمي إليها المالكي بالتخلّي عنه أو إدانة مواقفه.

لم تخرج “الصلاة الموحّدة”، التي حشد لها التيار الصدري خلال الأسابيع الماضية، والتي استعرض فيها الصدر حجم قاعدته الشعبية، عن الحدود التي رسمها وسقف المطالب والشروط التي حدّدها وتمسّك بها

“سقوط” المالكي

التسريبات حسمت الجزء الأكبر من معركة الصدر لاستبعاد المالكي عن الحياة السياسية، أو على الأقلّ أخرجته من دائرة التنافس على تولّي رئاسة الوزراء، إذ بدا ذلك واضحاً بعدما أجّل “الإطار التنسيقي” قراره بحسم أسماء مرشّحيه لتولّي رئاسة الوزراء إثر نشر هذه التسريبات، وانتقل إلى البحث عن مرشّح تسوية بين أقطابه من المعتدلين أو المقبولين من جميع الأطراف. وهكذا تحوّلت هذه التسريبات إلى خدمة مجّانية للصدر وتياره في المعركة السياسية التي يخوضها في مواجهة “الإطار التنسيقي” من أجل الفوز بالسلطة التنفيذية واختيار رئيس الوزراء الجديد، فضلاً عن أنّها سمحت للصدر بتركيز جهوده على استثمار الخطوة التي بدأ بها في الصلاة الموحّدة التي أقامها في مدينة الصدر الأسبوع الفائت، والتي استعرض فيها حجمه الشعبي وقدرته على حشد مئات الآلاف في الشارع لفرض الرؤية التي يريدها حتى بعد خروجه من البرلمان.

لم يذهب “الإطار التنسيقي”، الذي أُصيب بحالة إرباك واضح، إلى إدانة ما صدر عن المالكي، لكنّه اعترف بطريقة غير مباشرة بما جاء فيها، عندما أدان في بيان أصدره أساليب التجسّس والتسريبات، تاركاً التحقيق فيها للقضاء، ومشدّداً على رفض استهداف أيّ شخصية أو رموز دينية أو وطنية أو قوة سياسية أو مؤسسة أمنيّة.

دفعت حالة التوتّر الشعبي، التي ظهرت إثر نشر هذه التسريبات، خاصة لدى الشارع الصدري، “الإطار” إلى  التأكيد في بيانه على ضرورة وحدة الموقف والتضامن الوطني بعيداً عن أجواء التشنّج وردود الأفعال، وتجنّب الشارع والخصومات غير المسوّغة، ومطالبة جميع القوى بالاتفاق على خريطة طريق وتحمُّل المسؤولية الشرعية والوطنية لتجاوز الفتنة. الأمر الذي أكّد عليه الصدر بدعوة شارعه ومؤيّديه إلى عدم التظاهر أو القيام بتحرّكات مستفزّة، وهو ما يعني أنّ جميع الأطراف تشعر بدقّة المرحلة وضرورة الحفاظ على الاستقرار والابتعاد عن الاحتراب الداخلي وعدم إراقة الدماء التي ستؤدّي إلى نهاية العراق.

ثوابت الصدر والصلاة الموحّدة

على الرغم من إعلان انسحابه من الحياة السياسية بعد قرار استقالة نواب الكتلة الصدرية من البرلمان، أعاد مقتدى الصدر التذكير بالشروط التي سبق أن وضعها لتشكيل حكومة جديدة في العراق بعد إعلان نتائج الانتخابات المبكرة منتصف شهر تشرين الأول 2021.

لم تخرج “الصلاة الموحّدة”، التي حشد لها التيار الصدري خلال الأسابيع الماضية، والتي استعرض فيها الصدر حجم قاعدته الشعبية، عن الحدود التي رسمها وسقف المطالب والشروط التي حدّدها وتمسّك بها. إذ لم يكن الهدف من هذه الصلاة وهذا الحشد الشعبي تهديد حالة الاستقرار الأمني، بل إيصال رسالة واضحة بأنّ من الصعب استبعاده أو إخراجه من المعادلة السياسية. لذلك سارع إلى تفكيك هذه التجمّعات بسرعة من دون السماح بأيّ استفزاز للأطراف الأخرى على الأرض.

استطاع من خلال هذين التجمّع والحشد تنفيس أن ينفّس حالة الاعتراض أو عدم الرضى داخل صفوف تيّاره نتيجة خروجهم من البرلمان والعملية السياسية بعد قرار الاستقالة.

وأعاد الصدر التأكيد أنّه القوة الفاعلة والرقم الصعب في المعادلة السياسية وبناء السلطة والدولة حتى من خارج المؤسّسات الرسمية، وأكّد رفضه وتصدّيه لكلّ محاولات التسوية التي يقوم بها “الإطار التنسيقي” لتسمية رئيس جديد للحكومة.

ومنع الصدر أيضاً أيّ محاولة لإعادة شخصيات محدّدة إلى الواجهة من جديد، وقطع الطريق على خصمه الأساس في العملية السياسية، رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، للحؤول دون عودته إلى رئاسة الوزراء، معتبراً أنّ عودته تعني دخول العراق مرحلة عدم استقرار أمنيّ وسياسي. وفي ذلك توجيه اتّهام غير مباشر للمالكي بالمسؤولية عن سيطرة “داعش” على ثلث مساحة العراق، وعن الفاجعة التي حصلت في معسكر سبايكر وقُتل فيها أكثر من 1500 عنصر من تلاميذ الكليّة الحربية للجيش العراقي.

وأحرج الصدر القوى السياسية في المكوّن الشيعي، وتحديداً قوى “الإطار التنسيقي”، بالسقف السياسي المرتفع، أو ما يمكن تسميته بخريطة الطريق لتشكيل حكومة وبناء السلطة ومؤسّساتها، وذلك من خلال تبنّي جانب من الشعارات التي يرفعها “الإطار”، كإلزام الحكومة الجديدة باستكمال المسار السياسي لإخراج القوات الأجنبية من العراق.

وعلى الرغم ممّا يحمله هذا المطلب من غزل للجانب الإيراني والقوى العراقية الموالية له التي ذهبت إلى إقرار هذا المطلب في البرلمان السابق، فإنّ الصدر صوّب مباشرة على الدور الإيراني والأحزاب المحسوبة عليه، بالدعوة إلى حلّ الفصائل وحصر السلاح بيد الدولة. وهي نقاط تنسجم مع ما جاء في البيان المشترك الصادر عن القمّة الأميركية العراقية التي عُقدت بين الرئيس جو بايدن ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، والتي تمّ التأكيد فيها على تعزيز دور الدولة والمؤسسات الأمنية والعسكرية الرسمية ومعالجة السلاح المنفلت ومواجهة الدور السلبي الذي تقوم به الأحزاب والفصائل المسلّحة.

شكّلت هذه المطالب التي رفعها الصدر، وما تزال تشكِّل، الأرضية المشتركة التي قام على أساسها التحالف الثلاثي بينه وبين الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني وتحالف “السيادة” بقيادة مشتركة بين رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وخميس الخنجر، وتعتبر جزءاً من الهواجس الحقيقية في تعاملها مع القوى المشكِّلة لـ”الإطار التنسيقي”.

أحرج الصدر القوى السياسية في المكوّن الشيعي، وتحديداً قوى “الإطار التنسيقي”، بالسقف السياسي المرتفع، أو ما يمكن تسميته بخريطة الطريق لتشكيل حكومة وبناء السلطة ومؤسّساتها

المالكي في مواجهة الصدر

وإذا ما كان التسريب الصوتي المنسوب إلى المالكي قد أشعل معركة مفتوحة بينه وبين التيار الصدري، فإنّه كشف عن معركة مفتوحة ومتجذّرة بين المالكي ورئيس حكومة تصريف الأعمال مصطفى الكاظمي، بعدما وجّه ياسر المالكي (أحد أبرز قيادات ائتلاف “دولة القانون” وصهر نوري المالكي) الاتّهام مباشرة للكاظمي بالوقوف وراء هذه التسريبات، باعتباره المستفيد الأول من حالة الفراغ القائمة التي تسمح بإطالة بقائه في رئاسة الحكومة، وإمكانية فرض التمديد لنفسه في حال فشلت الأطراف بعقد تسوية تسمح باستكمال الاستحقاقات الدستورية. وهو اتّهام ألمح إليه بيان “الإطار التنسيقي” عندما أشار إلى “الأساليب الاستخباراتية التي تقف وراء التسريبات”.

لجأ المالكي إلى استخدام مبدأ “الشكّ العلمي” من خلال الحديث عن أنّ الكلام في التسريب الصوتي مفبرك ويهدف إلى تعميق الشرخ بينه وبين الصدر وإشعال الفتنة، إلا أنّ ما جاء في هذا الكلام المنسوب إليه، كشف حقيقة المعركة السياسية الدائرة داخل المكوّن الشيعي، على خلفيّة اخيتار رئيس جديد للوزراء.

نجح الصدر في التخلّص من المالكي، وأجبر “الإطار” على استبعاده كخيار محتمل، خاصة أنّ الصدر حذّر قبل التسريبات من إمكانية انتقال الأمور إلى صراع داخلي ودموي إذا ما ذهب “الإطار” إلى تسمية المالكي، الأمر الذي عمّق أزمة “الإطار” وأخرج صراعاته الداخلية على تقاسم المواقع في الحكومة إلى العلن، بحيث باتت تهدّد وحدة الموقف بين أقطابه، وعطّلت إمكانية استغلال الفرصة التي أتاحها انسحاب الصدر وما يترتّب عليها من تخلّيه عن استحقاقه الدستوري في البرلمان والسلطة التنفيذية.

لذلك لم يعد أمام “الإطار” وقياداته سوى العودة إلى خيار مرشّح تسوية، الأمر الذي يعزّز حظوظ وصول وزير الصناعة الأسبق محمد شياع السوداني، مقابل طرح وزير الداخلية الأسبق محمد الغبان من قبل العامري، ما يسمح بالإبقاء على بازار الأسماء مفتوحاً، وعودة قيادات من الفصائل المسلّحة إلى طرح اسم زعيم تحالف “الفتح” هادي العامري الذي يشكّل نقطة وصل وحلّاً وسطاً بينهم وبين الصدر.

يعكس بشكل واضح عجزُ “الإطار” عن حسم موقفه من اسم المرشّح لتولّي الحكومة، حجم الإرباك والخوف من ردّة فعل الزعيم الصدري الجديّة هذه المرّة على هذه الخطوة. خاصة أنّه استطاع حتى الآن أن يكرّس دوره وتأثيره في فرض “فيتو” على عودة المالكي، والسقف السياسي لأيّ رئيس جديد، في ظلّ إمساكه بورقة تحريك الشارع وحركة الاحتجاجات الشعبية.

البحث عن تسوية

يبدو أنّ “الإطار التنسيقي” يحاول الهروب من عجزه عن استكمال الاستحقاقات الدستورية بربطها بأزمة التوافق داخل المكوّن الكردي، بين الحزبين الرئيسين، “الاتحاد الوطني” بزعامة بافل طالباني، و”الديمقراطي” بزعامة مسعود بارزاني، على مرشّح رئاسة الجمهورية. وقد حاول “الإطار” الضغط على القيادات الكردية لحسم موقفها والاتفاق على مرشّح توافقي. ويبدو أنّ الحزبين الكرديّين قد أبلغا قيادات “الإطار” بأنّ الأيام المقبلة ستشهد حسماً للموقف في استحقاق رئاسة الجمهورية.

إقرأ أيضاً: العراق بين صلاة الصدر ودعاء “الإطار”

تذهب معظم القيادات السياسية، حتى داخل “الإطار التنسيقي”، إلى الحديث عن العمر القصير للحكومة الجديدة في حال نجح “الإطار” في تشكيلها، وإلى الاعتقاد بأنّ الصدر سيعمد إلى استخدام جميع الوسائل لوضع العراقيل السياسية أمام نجاحها، أوّلاً لمنع تكريس مفهوم تشكيل حكومة بغياب أحد المكوّنات السياسية، وثانياً للدفع باتجاه إجراء انتخابات برلمانية مبكرة تسمح له بتوظيف الحشد والتحشيد الشعبيّين اللذين قام بهما وترجمتهما إلى عدد أكبر من المقاعد، بحيث يكون قادراً على فرض ما يريده من دون وجود جهة قادرة على تعطيل مشروعه.

مواضيع ذات صلة

إيران “تصدّر” أوهامها إلى الحزب..

ما يدعو إلى القلق والخوف على لبنان قول نعيم قاسم الأمين العامّ الجديد لـ”الحزب” في خطابه الأخير إنّ “خسارة طريق الإمداد عبر سوريا مجرّد تفصيل”….

“العقبة” تكشف عقبات المشهد السّوريّ

يليق بمدينة العقبة الأردنية الواقعة على ساحل البحر الأحمر والمشهود لها بخصوصيّاتها في استضافة وتنظيم العشرات من المؤتمرات الإقليمية والدولية ذات الطابع السياسي والأمنيّ والاقتصادي،…

سرديّة جديدة: سلاح “الحزب” للحماية من مخالفات السّير؟

.. “عفكرة توقيف سحر غدار هو عيّنة كتير صغيرة، شو رح يصير فينا كشيعة إذا سلّمنا سلاحنا. طول ما سلاحك معك هو الوحيد يلّي بيحميك….

نخبة إسرائيل: خطاب نعيم قاسم “خالٍ من الاستراتيجية”

منذ تعيينه أميناً عامّاً لـ”الحزب” بعد اغتيال سلفه نصرالله، وخليفته السيّد هاشم صفيّ الدين، سيطر الإرباك على خطب الشيخ نعيم قاسم، فتارة حاول تبرير حرب…