سكب بيان قمّة جدّة الختامي، وكلمات الزعماء العرب فيه، دلواً من الماء البارد على رأس الحكومة الإسرائيلية يائير لابيد والمسؤولين الإسرائيليين، وتلقّت تل أبيب خيبة أمل بسبب نتائج زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للسعودية الجديدة، وقمّة جدّة، فلا ناتو عربيّاً في قلبه إسرائيل، ولا تجمّع إقليميّاً ضدّ طهران، ولا تطبيع مع المملكة العربية السعودية.
لقد بدا واضحاً لتل أبيب أنّ الادّعاءات الأميركيّة المتعلّقة بالهدف المركزي لزيارة بايدن للمملكة العربية السعودية وعقد مؤتمر إقليمي لقادة المنطقة في جدّة، وهو التأسيس لتجمّع إقليمي من أجل مواجهة إيران، هي أشبه بإطلاق نار وقنابل كثيفة للتغطية على انسحاب الرئيس جو بايدن من تعهّده بجعل المملكة السعودية دولة منبوذة على خلفيّة مقتل جمال خاشقجي، واضطراره إلى لقاء وليّ العهد السعودي بسبب ارتفاع أسعار النفط في العالم نتيجة الحرب الروسيّة-الأوكرانيّة، وارتفاع كلفة النقل اليومي على المواطنين الأميركيين، بعدما تعلّم بأنّ السعودية حاجة دائمة للولايات المتحدة، وأنّ انسحاب واشنطن من الخليج والسعودية كان خطأ استراتيجياً دفعت واشنطن ثمنه باهظاً.
طموحات إسرائيل التطبيعية في المنطقة والحديث عن حلف شرق أوسطي مرهونين بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلّة، أو التأسيس الجادّ لمثل هذا الحلّ
ما حدث أنّ أسطورة الاستقلال الأميركي في مجال النفط، التي أعلنتها قبل ثلاث سنوات، قد ترنّحت، خلافاً لآراء محلّلين سياسيين رأوا أنّ تحرّر الولايات المتحدة من النفط العربي والسعودي هو الذي مكّن دونالد ترامب من الانسحاب من الشرق الأوسط، وأنّ قدرة ترامب على اختراع صفقة القرن والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل والاعتراف بضمّ هضبة الجولان تولّدت لأنّه لم يعُد يخشى ردّ العرب أو مقاطعة نفطية تذكّر بأزمة الطاقة في السبعينيات. لكن في الحقيقة، تحتاج الولايات المتحدة الآن إلى النفط العربي، وهي ترى في المملكة السعودية خشبة الخلاص.
“أميركا تدفع الجزية”
وفقاً للمحلّل الإسرائيليّ دكتور تسفي بارئيل في صحيفة “هآرتس”، فإنّ “هبوط الرئيس الأميركي جو بايدن في السعودية، أشبه بدفع الجزية إلى المملكة لحمايته من تقلّبات سوق الطاقة العالمي، وهذه المرّة ليس البيت الأبيض هو الذي يحذّر السعودية، بل بن سلمان هو الذي يمسك بقائمة الأسعار. أمّا عن حقوق الإنسان، وقتل خاشقجي، والديمقراطية، فكلّ ذلك تمّ دفنه عميقاً في الدرج، إذ يجب أوّلاً بناء حزام أمان اقتصادي وتهدئة الناخبين الأميركيين الذين سيذهبون بعد نحو أربعة أشهر إلى انتخابات التجديد النصفي”.
لقد انتظرت إسرائيل اختراقاً دراماتيكياً في العلاقات بين إسرائيل والسعودية أثناء زيارة الرئيس بايدن للمملكة بدون دفع ثمن السلام، لكن خاب ظنّها. وعلى عكس ما أرادت إسرائيل والإدارة الأميركية من تحقيق اندماج إسرائيل في المنظومة العربية والتطبيع مع السعودية، مع القفز عن جوهر الصراع العربي – الإسرائيلي، القضية الفلسطينية، جاء الردّ من بلاد خادم الحرمين قاطعاً، فلا سلام ولا تطبيع حقيقياً مع إسرائيل بدون تنفيذ المبادرة العربية، وبدون إقامة دولة فلسطينية مستقلّة وفقاً للقرارات الدولية. حتى قرار السعودية بفتح أجوائها أمام الناقلات العالمية، بما في ذلك الإسرائيلية، وإعلان بايدن أنّه الرئيس الأميركي الأوّل الذي يطير من إسرائيل إلى السعودية مباشرة، جاءا في سياق تفاهمات، ومصلحة سعودية خالصة مرتبطة بموافقة إسرائيل على نقل جزيرتَيْ تيران وصنافير إلى السعودية.
بن سلمان وقضية فلسطين
لقد أثبتت قمّة جدّة، بحضور قادة الخليج ومصر والعراق والأردن، أنّ القضية الفلسطينية ما زالت قضية العرب الأولى، وأنّها مفتاح الحرب والسلام في المنطقة، وأن لا تطبيع مع إسرائيل بدون حلّ عادل للقضية الفلسطينية. وفي هذا الإطار، أيّ كلام غير ذلك مجافٍ للحقيقة، وهذا ما عبّر عنه وزير خارجية المملكة العربية السعودية فيصل بن فرحان، الذي أكّد عدم وجود تحالف دفاعي خليجي مع إسرائيل، وأن لا وجود لِما يُسمّى “ناتو عربي”، وتساءل بن فرحان عن مصدر هذه الأخبار، لافتاً إلى أنّها لم تطرح في القمّة أو قبلها.
من جهته، أكّد وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير، في مقابلة مع شبكة CNN، بينما كان الرئيس الأميركي في جدّة، أنّه لم يطرأ أيّ تغيير على موقف السعودية، وأنّ التطبيع مع إسرائيل لن يكون ممكناً إلا بعد تطبيق حلّ الدولتين. وقال إنّ السعودية تؤيّد “مبادرة السلام العربية” حيث “السلام مع إسرائيل يأتي في نهاية العملية وليس في بدايتها”.
تخلص هذه المواقف إلى أنّ طموحات إسرائيل التطبيعية في المنطقة والحديث عن حلف شرق أوسطي مرهونين بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلّة، أو التأسيس الجادّ لمثل هذا الحلّ، فيما الجميع يعرف موقف إسرائيل من ذلك، وهي التي ترفض كليّاً قولاً وسلوكاً حلّ الدولتين، ولم تعلن أمام الرئيس الأميركي الذي جاءها زائراً قبولها بذلك.
إقرأ أيضاً: بايدن للفلسطينيين: قضيتكم مسألة إسرائيلية داخلية فقط!
من ناحيته، عبّر الجانب الفلسطيني عن ارتياحه العميق لنتائج قمّة جدّة ولمواقف الزعماء العرب فيها. وفي برقيّتين إلى خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز، ووليّ عهده الأمير محمد بن سلمان، شكر الرئيس الفلسطيني محمود عباس لهما التزامهما ودعمهما لحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية ولقضيته العادلة، وتأكيدهما على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وقيام الدولة الفلسطينية المستقلّة وعاصمتها القدس الشريف.