السنيورة يروي (1): حكومتي رسّمت الخطّ 23.. بموافقة الحزب

مدة القراءة 8 د

هذا النصّ كتبه الرئيس فؤاد السنيورة، الذي يملك الخرائط والوثائق المرفقة، ننشره على 3 حلقات، وفي الحلقة الأولى رواية “الترسيم الأوّل” في أعوام 2007 و2008 و2009، في عهد حكومته الثانية، بوجود ممثّلين عن حزب الله، وبعد تقرير المكتب الهيدروغرافي البريطاني (UKHO) في عام 2006، الأمر الذي يسحب ذريعة أنّ الحزب لا يوافق على الخطّ 23.

بناءً على تمنّي الحكومة القبرصية على لبنان للقيام بعمل مشترك من أجل تحديد حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بين البلدين، بادرت الحكومة اللبنانية، وعبر الوزارات اللبنانية والأجهزة المعنية، إلى القيام بتحديد خط الوسط بين البلدين بما يمهّد للبدء بأعمال الاستكشاف لمكامن البترول والغاز كلّ في منطقته، على أن يتمّ فور ذلك المبادرة إلى تعيين النقطة الثلاثية في حدود لبنان في منطقته الاقتصادية الخالصة بشكل منفرد لتعذّر تحديدها من قبل الأطراف الثلاثة في كلّ من هاتين النقطتين في جنوب وشمال لبنان.

نصّت مسوّدة مشروع الاتفاقية بين لبنان وقبرص، بشكل واضح، على أنّه “يمكن مراجعة أو تعديل الإحداثيات الجغرافية للنقاط 1 و/أو 6 وفقاً للحاجة في ضوء التحديد المستقبلي للمناطق الاقتصادية الخالصة مع دول الجوار الأخرى المعنيّة

بناءً على ذلك، تسلسلت الأمور على الشكل الآتي:

أوّلاً: بدايةً تمّ التوصّل إلى مسوّدة صيغة الاتفاقية التي تُحدّد بموجبها حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة في خط الوسط لكلّ من لبنان وقبرص. وكان ذلك بمنزلة اتفاقية ثنائية مؤقّتة قابلة للتعديل بشأن خطّ الوسط الذي يفصل بين البلدين. ويحدّد هذا الخط جزءاً مهمّاً من خط الوسط بين الدولتين التي تكون كلّ نقطة عليه على المسافة عينها من أقرب النقاط على خط الأساس لكلا البلدين. وهذا الخط مؤلّف من ستّ نقاط بدءاً من النقطة رقم 1 جنوباً حتى النقطة رقم 6 شمالاً. ولقد تمّ ذلك من دون تحديد إحداثيات نقطتَيْ طرفَيْ هذا الخط بشكل نهائي: أي من دون تحديد النقطة الثلاثية الجنوبية بين لبنان وفلسطين المحتلّة وقبرص، والنقطة الثلاثية الشمالية بين لبنان وسوريا وقبرص.

ويعود السبب في ذلك إلى استحالة تحديد هاتين النقطتين لما يقتضيه ذلك من وجود ومشاركة وموافقة الأطراف المعنيين الثلاثة في كلّ من نقطة الشمال مع سوريا، وفي نقطة الجنوب مع فلسطين المحتلّة. ولقد جرى ذلك استناداً إلى إدراك والتزام كامل من قبل الطرفين، اللبناني والقبرصي، أنّ طرفَيْ هذا الخط من الشمال ما بعد النقطة رقم “6”، ومن الجنوب ما بعد النقطة رقم “1”، يتعذّر تحديدهما بشكل نهائي قبل ترسيم الحدود البحرية الشمالية مع سوريا، والحدود البحرية الجنوبية مع فلسطين المحتلّة، لأنّ ذلك يتطلّب ترسيماً ثلاثيّاً لحدود المنطقة الاقتصادية الخالصة البحرية التي يشترك كلّ منهما (لبنان وقبرص) فيها مع سوريا شمالاً ومع فلسطين المحتلّة جنوباً. وهذا الأمر لم يكن ممكناً في حينه وما يزال كذلك للأسباب المعروفة.

بناءً على ذلك، تمّ توقيع مسوّدة مشروع اتفاقية ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بين لبنان وقبرص في 2007/01/17 (انظر الملحق رقم واحد الذي يتضمّن، بالإضافة إلى نصوص الاتفاقية بين قبرص ولبنان، نصوص الاتفاقية بين قبرص ومصر، وبين قبرص وإسرائيل أيضاً).

نصّت مسوّدة مشروع الاتفاقية بين لبنان وقبرص، بشكل واضح، على أنّه “يمكن مراجعة أو تعديل الإحداثيات الجغرافية للنقاط 1 و/أو 6 وفقاً للحاجة في ضوء التحديد المستقبلي للمناطق الاقتصادية الخالصة مع دول الجوار الأخرى المعنيّة، ووفقاً لاتفاقية يتمّ التوصّل إليها حول هذه المسألة مع دول الجوار المعنية”.

اعتمدت صياغة مسوّدة نصّ تلك الاتفاقية الثنائية بين لبنان وقبرص النصوص نفسها التي اعتمدتها مصر في الاتفاقية الثنائية الموقّعة بينها وبين قبرص في عام 2003، ثمّ اعتُمدت في الاتفاقية الثنائية الموقّعة بين “إسرائيل” وقبرص بتاريخ 17 كانون الأول 2010.

وقد نصّت المادة 3 من هذه الاتفاقية الموقّعة بين لبنان وقبرص على التالي:

“إذا دخل أيّ طرف من الطرفين في مفاوضات تهدف إلى تحديد منطقته الاقتصادية الخالصة مع دولة أخرى، يتعيّن على هذا الطرف إبلاغ الطرف الآخر والتشاور معه قبل التوصّل إلى اتفاقية نهائية مع الدولة الأخرى إذا ما تعلّق هذا التحديد بإحداثيات النقطتين (1) أو (6)” (انظر أيضاً الملحق رقم واحد).

استند توقيع مسوّدة تلك الاتفاقية المؤقّتة إلى النصوص المعتمدة في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار التي كانت قد انضمّت إليها قبرص في عام 1988، والتي انضمّ إليها لبنان في عام 1995.

نصّت أيضاً مسوّدة مشروع الاتفاقية الموقّعة بين قبرص ولبنان صراحةً على أنّه “يمكن مراجعة أو تعديل الإحداثيات الجغرافية للنقاط 1 و/أو 6 وفقاً للحاجة في ضوء التحديد المستقبلي للمناطق الاقتصادية الخالصة مع دول الجوار الأخرى المعنيّة ووفقاً لاتفاقية يتمّ التوصّل إليها حول هذه المسألة مع دول الجوار المعنيّة”.

اعتمدت صياغة مسوّدة نصّ تلك الاتفاقية الثنائية بين لبنان وقبرص النصوص نفسها التي اعتمدتها مصر في الاتفاقية الثنائية الموقّعة بينها وبين قبرص في عام 2003، ثمّ اعتُمدت في الاتفاقية الثنائية الموقّعة بين “إسرائيل” وقبرص عام 2010

الخطّ 23 في 2008

ثانياً: بعد إنجاز مسوّدة مشروع تلك الاتفاقية الثنائية بين لبنان وقبرص، ونظراً إلى كون ذلك الترسيم لم يكن قد اكتمل فإنّ الحكومة اللبنانية لم تقُم بإحالة نصّ المسوّدة المؤقّتة لخط الوسط بين البلدين إلى المجلس النيابي نظراً إلى الحاجة أوّلاً إلى استكمال تحديد حدود لبنان النهائية جنوباً وشمالاً لتلك المنطقة الاقتصادية الخالصة، وثانياً للقيام بالمزيد من الدراسات.

بناءً على ذلك، فقد باشرت الحكومة اللبنانية العمل على استكمال ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة العائدة للبنان من الناحيتين الشمالية والجنوبية بشكل انفرادي مع كلّ من سوريا في الشمال ومع فلسطين المحتلّة في الجنوب، وذلك لتعذّر الترسيم معهما للأسباب المعروفة.

نزولاً عند طلب وزير الطاقة والمياه تمّ تشكيل لجنة من الوزارات والإدارات المعنيّة، كانت مهمّتها وضع تقرير مفصّل عن الحدود البحرية الجنوبية للمنطقة الاقتصادية الخالصة، وبادرت بتاريخ 30/12/2008 إلى تأليف لجنة لإعادة دراسة مسوّدة مشروع الاتفاقية الموقّعة مع قبرص، وذلك للمزيد من التأكّد من سلامة ما توصّلت إليه الحكومة اللبنانية في تحديدها لخط الوسط.

لهذا الغرص تألّفت اللجنة الخاصّة التي عيّنتها الحكومة اللبنانية في نهاية عام 2008 بموجب القرار رقم 107/2008 من ممثّلين عن:

1) وزارة الأشغال العامة والنقل.

2) وزارة الطاقة والمياه.

3) وزارة الدفاع.

4) وزارة الخارجية والمغتربين.

5) الجيش اللبناني.

6) المجلس الوطني للبحوث العلمية.

7) رئاسة الحكومة اللبنانية.

توصّلت تلك اللجنة من طرف واحد إلى ترسيم الحدود البحرية الجنوبية للبنان مع فلسطين المحتلّة (العدو الإسرائيلي) والحدود البحرية الشمالية مع سوريا، وبذلك تمكّنت اللجنة من تعيين طرفَيْ خط الوسط مع قبرص، بحيث أصبح الطرف الجنوبي هو النقطة الثلاثية 23 التي تقع جنوب النقطة رقم 1، والطرف الشمالي النقطة الثلاثية رقم 7 التي تقع شمال النقطة رقم 6.

استند توقيع مسوّدة تلك الاتفاقية المؤقّتة إلى النصوص المعتمدة في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار التي كانت قد انضمّت إليها قبرص في عام 1988، والتي انضمّ إليها لبنان في عام 1995

موافقة حزب الله على الخطّ 23

استعانت تلك اللجنة بدراسة لترسيم الحدود البحرية اللبنانية أعدّها المكتب الهيدروغرافي البريطاني (UKHO) في عام 2006. اعتمدت دراسة هذا المكتب نقطة تقع بين النقطة “1” والنقطة “23” باعتبارها الحدّ الجنوبي للحدود البحرية اللبنانية مع قبرص ومع فلسطين المحتلّة من إسرائيل.

إلا أنّ القرار اللبناني في ذلك الوقت لم يعتمد الطريقة المعتمدة في الدراسة البريطانية لترسيم الحدود البحرية الجنوبية، بل اعتمد طريقة أخرى أكثر تشدّداً تعطي لبنان مساحات إضافية جنوباً (Most Aggressive Line)، ولهذا السبب كانت النقطة “23”. وقد كانت وجهة نظر لبنان آنذاك أنّ هذا التحديد يعطي لبنان مجالاً جيّداً للتفاوض في الحالتين شمالاً وجنوباً عندما يؤون الأوان.

خلصت اللجنة في تقريرها الذي أعدّته بتاريخ 29/4/2009 إلى القول إنّه “بعد مقارنة تلك الحدود الجنوبية، وخاصة في النقطة 23، مع تلك المقترحة في التقرير الذي أعدّه مكتب المملكة المتحدة الهيدروغرافي (UKHO) في عام 2006، فقد تبيّن للّجنة أنّ ما تمّ تحديده من قبلها هو أكثر لمصلحة لبنان، ولا سيّما أنّه قد تمّ تحديده وفق ما نصّت عليه أحكام موادّ قانون البحار، وحيث اعتمدت بشأنه الخرائط المتوافرة آنذاك”.

تجدر الإشارة إلى أنّ تلك الخرائط وذلك التقرير قد تمّ التوقيع عليهما بتاريخ 29/4/2009 من قبل عشرة أشخاص يمثّلون الوزارات والإدارات اللبنانية المعنيّة السالفة الذكر كافّة، منهم أربعة أعضاء يمثّلون وزارة الدفاع الوطني (انظر الملحق رقم اثنين)، وبناءً على ذلك، فقد صدر عن مجلس الوزراء القرار رقم 51 بتاريخ 13/5/2009، الذي يؤكّد الموافقة على التقرير الذي أعدّته اللجنة عن الحدود البحرية الجنوبية للمنطقة الاقتصادية الخالصة.

إقرأ أيضاً: السنيورة لـ”أساس”: معركة الثلث النيابي الضامن

الجدير ذكره أنّ تلك الحكومة، وهي حكومتي الثانية، كان يشترك في عضويّتها أعضاء من حزب الله. وذلك يسحب من يد الحزب كلّ الحجج والمقولات المُدّعاة التي تتّهم تلك الحكومة بارتكاب أيّ تفريط بحدود منطقة لبنان الاقتصادية الخالصة. (انظر الملحق رقم ثلاثة).

في الجزء الثاني غداً:

السنيورة يروي (2): قبرص غدرت بنا… والحزب وافق على 6433

مواضيع ذات صلة

تشدّد الرّياض: عودة عربيّة إلى نظام إقليميّ جديد؟

توحي نتائج القمّة العربية – الإسلامية بأوجه متعدّدة لوظيفة قراراتها، ولا تقتصر على محاولة فرملة اندفاعة إسرائيل العسكرية في المنطقة. صحيح أنّ القمّة شكّلت حاضنة…

الحرب الأهلية: هواجس إيقاظها بصورٍ كريهة

 اللغو اللبناني حول حظوظ البلد بارتياد آفاق حرب أهلية جديدة، ارتفع. قد يكون هذا الارتفاع على وسائل التواصل الاجتماعي سببه “شامت” بالوضع أو رافض لـ”الرفق”….

الرياض: حدثان اثنان لحلّ لبنانيّ جذريّ

في الأيّام القليلة الماضية، كانت مدينة الرياض مسرحاً لبحث جدّي وعميق وجذري لحلّ أزمات لبنان الأكثر جوهرية، من دون علمه، ولا علم الباحثين. قسمٌ منه…

الحزب بعد الحرب: قليل من “العسكرة” وكثير من السياسة

هل انتهى الحزب؟ وإذا كان هذا صحيحاً، فما هو شكل اليوم التالي؟ وما هي الآثار السياسية المباشرة لهذه المقولة، وكذلك على المدى المنظور؟ وما هو…