وقائع “استبعاد” لبنان من اجتماع الرياض

مدة القراءة 5 د

وصل الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة مفتتحاً جولته بزيارة إسرائيل على أن يختتمها في مؤتمر في المملكة العربية السعودية، يشارك فيه عدد من الدول الخليجية، بالإضافة إلى مصر والأردن والعراق. وكان لافتاً جدّاً بالنسبة إلى عدد من المراقبين دعوة العراق إلى المؤتمر وعدم دعوة لبنان.

غير أنّ البعض يرى في عدم دعوة لبنان “أمراً بديهيّاً”، وفق اعتبار حجم الإشكاليّات المحيطة بالداخل اللبناني، ولأنّ المؤتمر في المملكة يؤسّس لتكتّل دولي إقليمي يُفترض أن يتحوّل إلى محور مواجهة في المنطقة.

لكنّ مقارنة العراق بلبنان تظهر أنّ أوجه الشبه بين البلدين كبيرة جدّاً. في البلدين حكومات مستقيلة، وفي البلدين حشد شعبيّ وحزب الله ونفوذ إيراني كبير، وفي البلدين انقسامات طائفية، وفي البلدين محوران متصارعان، أحدهما فريق موالٍ للولايات المتحدة والآخر معادٍ لها.

فما الذي منع دعوة لبنان إلى مؤتمر كهذا؟

في معلومات “أساس” أنّ مسؤولاً لبنانياً سأل السفيرة الأميركية دوروثي شيا: “لماذا لبنان بشخص رئيس حكومته نجيب ميقاتي غير مدعوّ للمشاركة في مؤتمر السعودية، خصوصاً أنّ ميقاتي قريب من الأميركيين، ويمثّل نقطة تقاطع في العلاقة بين القوى الدولية والقوى المحلية؟”.

استمهلته شيا للتحدّث مع إدارتها لمحاولة إقناعها بدعوة لبنان… فكان الجواب سلبياً. فعادت شيا إلى المسؤول اللبناني وأكّدت له أنّ إدارتها لا ترغب في دعوة لبنان إلى القمّة.

البعض يرى في عدم دعوة لبنان “أمراً بديهيّاً”، وفق اعتبار حجم الإشكاليّات المحيطة بالداخل اللبناني، ولأنّ المؤتمر في المملكة يؤسّس لتكتّل دولي إقليمي

لكن لماذا جاء الردّ الأميركي سلبيّاً؟

يقول مراقبون إنّ ذلك بديهي لأنّ بين الولايات المتحدة ولبنان حتى الساعة “unfinished business”، أي عملاً غير منتهٍ. وإن أصبح الاتفاق على الحدود البحرية بين لبنان والإسرائيليين شبه منجز، إلا أنّ اكتماله يحتاج إلى الـ”finishing”، أي الانتهاء التامّ. وهو ما يتطلّب رفع السقوف عالياً جدّاً، أكان من الجانب الإسرائيلي أو الأميركي أو من جانب حزب الله، قبل إتمام آخر بنود الاتفاق.

من هنا يدرك الجميع أن لا رغبة لأحد في الحرب ولا إرادة للقيام بذلك، وما السقف العالي سوى تصعيد يسبق أيّ تسوية. ولذلك يصبح غياب لبنان عن القمّة “طبيعياً”. هناك مقولة إنّه في الشرق الأوسط حين لا تكون مدعوّاً إلى مائدة طعام، فستكون أنت شخصياً على لائحة الطعام. ولبنان هو أحد الصحون على تلك الطاولة، التي ترى إيران وحلفاؤها، خصوصاً حزب الله، أنّها تشكّل أبرز التحدّيات التي تواجهها، وذلك يعود إلى الكلام عن اجتماعات بدأت تقرّب بين سعوديين وإسرائيليين لمناقشة خطة الدفاع الجوّي وتأسيس “ناتو عربي” تديره أميركا، وتكون في الغرفة نفسها السعودية وإسرائيل. فضلاً عن فتح المملكة مجالها الجوّي أمام إسرائيل أمس الجمعة.

ليس هذا الأمر تفصيلاً في مستقبل المنطقة ولا في مستقبل الصراع أو التسوية فيها، وليس تفصيلاً في قراءة ما خلف سطور خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله الأخير، وتلويحه بالحرب في حال فشل مفاوضات ترسيم الحدود.

في الواقع، لا شيء سيوقف بناء “القاعدة الأميركية” المتمثّلة في توسيع السفارة في عوكر. ولا شيء سيوقف موعد افتتاحها في 4 تموز 2023. وللمفارقة، فإنّ أكبر قاعدتين أميركيّتين في المنطقة هما في بغداد وبيروت، لا في الرياض وأبوظبي. وبالتالي فإنّ غياب لبنان اليوم مصدره قرار قد ينتهي مفعوله بعد اكتمال التسوية في المنطقة، خصوصاً في ملفَّيْ السياسة والاقتصاد معاً.

 

إيران تستميت نووياً

ماذا يريد الأميركيون فعليّاً من جولة بايدن؟

يمكن تلخيص الإجابة بما كتبه هو بالذات منذ أيام في صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، معتبراً أنّه سيسافر “إلى الشرق الأوسط لبدء فصل جديد وواعد للدور الأميركي في المنطقة”. وفي المقال الذي حمل عنوان “سبب زيارتي للسعودية”، استعرض بايدن أهداف زيارته المنطقة، والسعودية خصوصاً، وما اعتبره “نجاحات حقّقتها إدارته في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والحرب في اليمن”، قائلاً إنّ رحلته “إلى الشرق الأوسط تأتي في وقت حيوي للمنطقة، وستساهم في تعزيز المصالح الأميركية، لأنّ من غير المرجّح أن تتسبّب منطقة تتّحد عبر الدبلوماسية والتعاون بتطرّف عنيف يهدّد الولايات المتحدة أو بحروب جديدة يمكن أن تضع أعباء جديدة على قواتها”. رأى بايدن أنّ ممرّات الشرق الأوسط المائية ضرورية للتجارة العالمية، وأنّ مواردها من الطاقة حيويّة للتخفيف من تأثير حرب روسيا في أوكرانيا على الإمدادات العالمية.

هكذا دشّن بايدن رحلة العودة الأميركية إلى الشرق الأوسط، من بوّابة مباشرة في السعودية، ومن أخرى خلفيّة مرتبطة بالحرب الروسية على أوكرانيا. انتبه الإيرانيون لذلك، فعرضوا “تأجيل البحث في رفع الحرس الثوري عن لائحة العقوبات الأميركية، في مقابل رفعها عن شركاتهم”. رفضت واشنطن “لأنّ الملف أصبح خلفنا”.

إقرأ أيضاً: بايدن في المنطقة: لبنان ليس على جدول أعماله

الإيراني مستمرّ في استماتته للحصول على اتفاق نووي.

عاد الأميركيون، ولبنان سيكون جزءاً من رحلة العودة ولو بعد حين. أما الآن، فهو ليس مدعوّاً إلى “المائدة”… الأمل ألا يكون هو “الوجبة” المقبلة.

مواضيع ذات صلة

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عن موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…