بدا رئيس الولايات المتحدة الأميركية جو بايدن وكأنّه آتٍ في 13 تموز الجاري إلى الشرق الأوسط طالباً “اللجوء السياسي”، على الرغم من أنّه كتب في “واشنطن بوست” يقول: “الشرق الأوسط الذي سأزوره أكثر استقراراً وأماناً من الذي ورثته إدارتي قبل 18 شهراً”.
حصّة لبنان من هذا المقال كانت أكثر ممّا يتمنّى حزب الله. إذ اعتبر رئيس “الشيطان الأكبر” أنّ من بين التحدّيات التي تملأ المنطقة: “الجمود السياسي في العراق وليبيا ولبنان”. واضعاً لبنان خارج حديثه عن “وجود جماعات إرهابية في بعض الدول”.
هذا ليس تفصيلاً في مقال لرئيس أميركا، منشور في واحدة من أهم وسائل الإعلام في الأرض، كتبه مستشارون يزينون الرسائل بميزان الذهب، وكلّ كلمة بحساب، وكلّ حرف بلون من ألوان الدقّة.
لا تزال المنطقة ممتلئة بالتحدّيات: برنامج إيران النووي ودعم الجماعات التي تعمل بالوكالة، والحرب الأهلية السورية، وأزمات الأمن الغذائي التي تفاقمت بسبب الحرب الروسيّة ضدّ أوكرانيا
ألا يبدو في ذلك تعميم للمسؤولية يستهدف عدم تحميلها لـ”حزب الله”؟
بلى بالطبع. في ذلك “تجهيل” للمسؤول عن “الجمود”، وتهرّب من وصف أزمة لبنان بأنّها أزمة وجود حزب مسلّح يفرض إرادته السياسية على ملايين اللبنانيين. وفي ذلك مبالغة في تقديم الهدايا لإيران، باعتبار أذرعها التي تعطّل السياسة في العراق ولبنان جزءاً من “جمود سياسي”. فهو يتهرّب من اللغة الحقيقية، التي يفترض أن ترى في أذرع إيران عوامل “ضرب الاستقرار”، أمنياً وسياسياً وعسكرياً، في هذين البلدين.
في 13 تشرين الأول 2010، زار الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لبنان، حيث استقبله “حزب الله” بلافتات “خوش آماديد”، وهي عبارة بالفارسية معناها “أهلاً وسهلاً”. ألا يستحقّ بايدن لو قرّر زيارة لبنان أن يستقبله الحزب بلافتات مماثلة؟
استطلاع بايدن “الضعيف”
قبل يومين من زيارة بايدن، أُجري استطلاع للرأي في الولايات المتحدة قال فيه 64 في المئة من الناخبين الديمقراطيين إنّهم يفضّلون حامل لواء جديد في الحملة الرئاسية لعام 2024. وقد نال بايدن في الاستطلاع الذي أجرته New York Times / Siena College، تأييد 33 في المئة فقط من المشاركين في الاستطلاع .
بالعودة إلى مقال بايدن في “واشنطن بوست” يتّضح جليّاً أنّ الرئيس الأميركي يطلب نوعين من العون: السياسي من إيران، والاقتصادي من المملكة العربية السعودية. فهو من ناحية شدّد على فضائل الاتفاق النووي الذي أبرمته واشنطن مع طهران عام 2015 عندما كان بايدن نائباً للرئيس في إدارة باراك أوباما. ومن ناحية ثانية، تطلّع بايدن إلى الرياض باعتبارها حبل نجاة اقتصادية على مستوى الطاقة في ظلّ تفاقم آثار الحرب الأوكرانية. فهل يستقيم جمع النار والماء معاً؟
قبل القفز إلى إطلاق الاستنتاجات، يجب العودة إلى نتائج الاستطلاع الذي انتهى إلى نزع التفويض الذي أُعطي إلى حزب سيّد البيت الأبيض، أي الحزب الديمقراطي. لقد قال أكثر من 75 في المئة من الناخبين في الاستطلاع إنّ الاقتصاد “مهمّ جدّاً” بالنسبة إليهم. ومع ذلك، فإنّ 1% فقط اعتبروا الظروف الاقتصادية “ممتازة”. ومن بين أولئك الذين هم في سنّ العمل عادةً، وهم ناخبون تراوح أعمارهم بين 18 و64 عاماً، قال 6 في المئة فقط إنّ الاقتصاد كان “جيّداً” أو “ممتازاً”، بينما صنّفه 93 في المئة بأنّه “ضعيف”.
ستمنح زيارة بايدن الولايات المتحدة فرصة لتجسير خلافاتها مع الحكومة الإسرائيلية حول كيفية احتواء البرنامج النووي الإيراني
رئيس… بلا جيش
لو كتب بايدن مقاله بعد نشر استطلاع الرأي، لكان من المرجّح أن يتعامل باهتمام أكبر مع الرياض، وبحزم أكثر مع طهران. غير أنّ الوقت لم يفُت بعد لإعادة تقييم توجّهات الرئيس الديمقراطي الذي سيخوض امتحان الانتخابات النصفية في تشرين الثاني المقبل. في انتظار ذلك، بدا بايدن في ما كتبه ممسكاً بالعصا من منتصفها، ولا فائدة مرجوّة منها للاستخدام. فهو كتب عن إيران: “بعدما تراجع سَلَفي عن اتفاق نووي كان ناجحاً، أصدرت إيران قانوناً يفرض تسريع برنامجها النووي. بعد ذلك، عندما سعت الإدارة الأخيرة إلى إدانة إيران على هذا الإجراء في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وجدت الولايات المتحدة نفسها معزولة وحيدة… اجتمعنا مرّة أخرى مع الحلفاء والشركاء في أوروبا وحول العالم لعكس عزلتنا. الآن إيران معزولة حتى تعود إلى الاتفاق النووي الذي تخلّى عنه سَلَفي ولا خطة لِما قد يحلّ محلّه. في الشهر الماضي، انضمّت إلينا أكثر من 30 دولة لإدانة عدم تعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن أنشطتها النووية السابقة. ستواصل إدارتي زيادة الضغط الدبلوماسي والاقتصادي حتى تصبح إيران مستعدّة للعودة إلى الامتثال للاتفاق النووي لعام 2015، وسأظلّ على استعداد للقيام بذلك.
بالطبع، لا تزال المنطقة ممتلئة بالتحدّيات: برنامج إيران النووي ودعم الجماعات التي تعمل بالوكالة، والحرب الأهلية السورية، وأزمات الأمن الغذائي التي تفاقمت بسبب الحرب الروسيّة ضدّ أوكرانيا، والجماعات الإرهابية التي ما تزال تعمل في عدد من البلدان، والجمود السياسي في العراق وليبيا ولبنان.”
يخلص بايدن إلى القول: “في الأسبوع المقبل (الحالي)، سأكون أوّل رئيس يزور الشرق الأوسط منذ 11 أيلول من دون مشاركة القوات الأميركية في مهمّة قتالية هناك. هدفي هو الحفاظ على هذا النحو.”
هل ما يرجوه بايدن سيتحقّق في الشرق الأوسط؟
تجيب على ذلك “نيويورك تايمز” بتحقيق حمل عنوان “سيجد بايدن شرقاً أوسط متغيّراً في زيارته المقبلة”، وجاء فيه: “عندما يصل الرئيس بايدن إلى الشرق الأوسط هذا الأسبوع، في أوّل زيارة له رئيساً للولايات المتحدة، سيجد منطقة تغيّرت فيها التحالفات والأولويّات والعلاقات مع الولايات المتحدة بشكل كبير منذ رحلته الرسمية الأخيرة، قبل ستّة أعوام. وقال السفير الأميركي لدى إسرائيل توماس آر. إنّ الزيارة ستكون بدايةً لعمليّة “ستُظهر أهميّة الأمن الإقليمي”.
ستمنح زيارة بايدن الولايات المتحدة فرصة لتجسير خلافاتها مع الحكومة الإسرائيلية حول كيفية احتواء البرنامج النووي الإيراني.
في السرّ، عارضت إسرائيل الجهود التي تدعمها الولايات المتحدة لإقناع إيران بتقليص برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات، ووصول بايدن هو جزئياً محاولة لطمأنة إسرائيل إلى أنّ واشنطن تدعمها.”
في المقابل، وتحت عنوان “بايدن في المنطقة: زيارة تحت الضغط”، كتب موقع “العهد” الإلكتروني التابع لـ”حزب الله” يقول: “أشار بايدن إلى أنّ إدارته تريد عكس مسار دونالد ترامب مع إيران، من خلال العودة إلى الاتفاق النووي، لكنّها لغاية اليوم ترفض إزالة الكثير من العقوبات التي فرضها ترامب”.
إقرأ أيضاً: بايدن في المنطقة: لبنان ليس على جدول أعماله
هكذا يبدو أنّ موقع “العهد” شديد “العاطفة مع بايدن، الذي “يريد عكس مسار ترامب”، ويذكّره بأنّه عليه أن “يزيل عقوبات فرضها ترامب”.
ما أجمل الحبّ بين الملائكة والشياطين.