الخطّة البديلة لبوتين: رهان على مَلَل الغرب

مدة القراءة 6 د

الجنرال ميك رايان Mick Ryan* – ABC

 

كلّما طال أمد أيّ حرب، تتطوّر مسالكها. وبينما يلتزم المتحاربون في كلا المعسكرين في أوكرانيا، بزجّ المزيد من الموارد في أرض المعركة، ويحقّقون أثناء ذلك مكاسب ميدانية، كما يتكبّدون أيضاً خسائر في الأفراد والأراضي، ويتفاعلون فيما بينهم، فإنّهم كذلك يكيّفون أهدافهم. ومع تطوّر أهداف الحرب، يجب أيضاً أن تتطوّر الاستراتيجيّات اللازمة لتحقيق تلك الأهداف.

بالنسبة إلى الحرب في أوكرانيا، فقد احتفظت روسيا طوال الوقت، وعلى الرغم من النكسات الأولى، بهدفها الأوحد. والهدف الذي يسعى إليه فلاديمير بوتين، هو إخضاع الشعب الأوكراني وإلغاء سيادته. هذا ما أدلى به بوتين في خطابه عشيّة الغزو في 24 شباط الماضي. لكنّ هذا الهدف كان مشوّشاً بعض الشيء في أعقاب خطاب بوتين يوم النصر في 9 أيار الفائت، حيث ركّز فقط على منطقة دونباس. لكن في الآونة الأخيرة، عاد بوتين إلى “الفكرة الأولى”.

لقد أكّد الرئيس بوتين، في إحدى المناسبات الشهر الماضي، وهو مستلقٍ على كرسي، أنّه يقود حرب غزو إمبريالي في أوكرانيا.

طوال حرب بوتين ضدّ أوكرانيا، لم يتغيّر هدفه الأساسي. وما تغيّر منذ 24 شباط الماضي، هو الطرائق والوسائل المستعمَلة لتحقيق ذلك

فليس هو، كما قال في 9 أيار الماضي، من دفع “الناتو” إلى السعي لتطويق روسيا. بل وصف ما يجري بأنّه “عودة وتقوية” لروسيا مثل أيام فتوحات بطرس الأكبر (حكم ما بين عامَيْ 1682 و1725).

في الأسبوع الماضي، ضاعف بوتين التركيز على هذا الأمر، مشيراً إلى أنّ الحرب قد تطول حتى “آخر أوكراني صامد”. كما قام الروس بإجراءات في منطقتَيْ لوهانسك وزابورجيا، مثل إدخال الروبل الروسي وتعيين إداريّين روس، ممّا يشير إلى رغبتهم في ضمّ هذه المناطق.

طوال حرب بوتين ضدّ أوكرانيا، لم يتغيّر هدفه الأساسي. وما تغيّر منذ 24 شباط الماضي، هو الطرائق والوسائل المستعمَلة لتحقيق ذلك.

 

فشل الخطّة “أ”

كانت خطة بوتين الأصلية أو الخطة “أ” عبارة عن عملية عسكرية خاطفة على جبهات متعدّدة لإحداث صدمة للجيش الأوكراني وإجباره على الاستسلام. وكان هذا من شأنه أن يسهّل إزالة الحكومة المنتخَبة ديمقراطياً وتنصيب سياسي متعاون أو خائن (باللغة الاسكاندينافية Quislings) ينفّذ رغبات بوتين وأوليغارشيّته.

فشلت هذه المقاربة. لكن على الرغم من النكسات التي مرّ بها الروس في ساحة المعركة، فإنّ بوتين ورئيسَيْ دفاعه واستخباراته قد وضعوا معاً نظريّة بديلة للنصر في أوكرانيا. وهي أشبه ما تكون بما يلي:

أوّلاً، وضع أولويات للعمليات العسكرية، وتجنّب الهجمات المتزامنة على جبهات عدّة. كان حسم معركتَيْ كييف وخاركيف صعباً جدّاً. وبدلاً من ذلك، ركّزوا هجومهم على الشرق، وعلى الدفاع عن الجنوب.

وهذا يسمح للروس بتجنيد القوات التي بقيت من المرحلة الأولى من الغزو، بينما يتابعون على مراحل بناء قواتهم من أجل العمليات اللاحقة في الأشهر المقبلة. وقد أدّى ذلك إلى جرّ الأوكرانيين إلى حرب استنزاف، وهو أمر تجنّبوه في معركتَيْ كييف وخاركيف.

على هذا النحو، فإنّ هذا هو العنصر الأوّل في نظرية النصر الروسية: تدمير الجيش الأوكراني بشكل أسرع ممّا يمكن إعادة بنائه.

 

التمسّك بالجنوب

بعد ذلك، تسعى روسيا إلى الاحتفاظ بجنوب أوكرانيا، الذي يضمّ موانئها البحرية الوحيدة. هي منطقة زراعية منتجة، وهي كذلك مركز للصناعات الثقيلة، بما في ذلك صناعة الصلب وبناء السفن. وبينما تتسبّب حركة المقاومة الأوكرانية في تآكل الروح المعنوية الروسية في الجنوب، وتسترجع أوكرانيا ببطء أراضيها في خيرسون بهجمات مضادّة، فإنّ الاحتفاظ بالجنوب هو العنصر الرئيسي الثاني في نظرية انتصار بوتين لأنّه يخنق ببطء أوكرانيا اقتصاديّاً، وينفي قدرتها على تمويل نفسها كدولة ذات سيادة.


ثالثاً، ترى روسيا الآن فائدة في إطالة الحرب. فبعد استدراجهم إلى صراع استنزاف في الشرق، يعتمد الأوكرانيون على الأسلحة والذخائر الغربية. ومع احتلال روسيا للمناطق الجنوبية، يعتمد الأوكرانيون بشكل متزايد على المساعدات الاقتصادية الدولية.

هذا هو الوضع الذي يرى فيه بوتين الفرصة المناسبة. ففي اعتقاده أنّ افتقار الشعوب الغربية إلى الصبر الاستراتيجي، والذي ظهر في أماكن مثل الصومال والعراق وأفغانستان، سيظهر أيضاً في أوكرانيا، إذا تمكّن بوتين من الصمود إلى فصل الشتاء الشمالي.

بعد ذلك، ومع زيادة تكاليف الطاقة، وارتفاع نسب التضخّم، والتعب العامّ من الحرب (بين السكّان الذين لا يضحّون بأيّ شيء)، يراهن بوتين على تراجع المساعدة لأوكرانيا. وهو يراهن كذلك على ضغوط أكبر على أوكرانيا من القوى الأوروبية القديمة من أجل شكل من أشكال التكيّف مع المطالب الروسيّة.

أخيراً، تستعمل روسيا صادرات الطاقة المستمرّة لكسب الإيرادات اللازمة لدعم حربها في أوكرانيا. وقد واصلت تصدير الوقود الأحفوري إلى عدد من الدول. وقد سمح لها ذلك بتحصيل ما يقرب من مليار يورو يومياً منذ بداية الغزو. ولا يزال هذا المبلغ الهائل يصبّ في الحسابات الروسية.

 

فهم كيف يفكّر بوتين

مع ذلك، فإنّ الهدف من استكشاف نظرية بوتين المعدّلة للنصر، ليس أكاديميّاً. فإذا تمكّنت الدول الغربية من فهم كيف يعتقد بوتين أنّه قد يفوز في هذه الحرب، يمكن عندئذ تطوير آليّات الهزيمة التي تهاجم كلّ عنصر من عناصر مخطّط بوتين.

حتى الآن، كان هناك بعض النجاح. فقد سمحت الصواريخ الغربية البعيدة المدى التي سُلّمت للأوكرانيين بتدمير المدفعية الروسية، أداة القتل الرئيسية في ساحة المعركة. كما سمحت لهم بدعم الهجمات المضادّة الجنوبية بهدف استعادة سواحلهم وموانئهم البحرية.

من المهمّ أنّ عدداً من الدول قدّمت التزامات سياسية واستراتيجية لدعم أوكرانيا “حتى النهاية” لمعالجة التحدّي المتمثّل في الصبر الاستراتيجي. وتستمرّ العقوبات على روسيا في التطوّر لتغطية الثغرات.

إقرأ أيضاً: لهذه الأسباب بوتين يربح الحرب!

ومثلما طوّر بوتين نظريّته عن النصر في أوكرانيا، يجب على دول الغرب أيضاً أن تستمرّ في مراجعة خططها وتكييف مقاربتها في دعم أوكرانيا.

يخوض الغرب معركة لتجاوز روسيا من حيث التفكير والتكيّف. إنّها معركة يمكن كسبها بشكل مطلق، لكنّها تتطلّب صبراً استراتيجيّاً، والتزاماً مستمرّاً بتقديم المساعدات العسكرية والاستخباراتية والاقتصادية والإنسانية للأمّة الأوكرانية، وإلى النهاية.

لقراءة النصّ الأصليّ: إضغط هنا

*خبير استراتيجي ولواء متقاعد في الجيش الأسترالي. خدم في تيمور الشرقية والعراق وأفغانستان، وعمل خبيراً استراتيجيّاً في هيئة الأركان المشتركة للولايات المتّحدة.

مواضيع ذات صلة

برنامج ترامب منذ 2023: الجمهورية الشعبية الأميركية

“سأحطّم الدولة العميقة، وأزيل الديمقراطيين المارقين… وأعيد السلطة إلى الشعب الأميركي“. هو صوت دونالد ترامب الرئيس 47 للولايات المتحدة الأميركية المنتخب يصدح من مقطع فيديو…

20 ك2: أوّل موعد لوقف إطلاق النّار

في حين أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هيرتسي هاليفي أنّ إسرائيل تضع خططاً لتوسيع هجومها البرّي في جنوب لبنان، نقلت صحيفة “فايننشيل تايمز” البريطانية عن…

نصائح أوروبيّة وكوريّة… للتّعامل مع ترامب

تستعدّ الحكومات الحليفة والصديقة للولايات المتحدة الأميركية، كما العدوّة والمنافسة لها، لتحوّلات مقلقة وإدارة أكثر تقلّباً في واشنطن في ما يتعلّق بالسياسة الخارجية الأميركية مع…

عماد أمهز: عملية خطف أم إنقاذ؟

هل كان القبطان اللبناني الذي اختطفته إسرائيل وادعت أنه مسؤول عسكري في الحزب، عميلاً مزدوجاً؟ سؤال طرحته مراسلة صحيفة “التلغراف” البريطانية من تل ابيب، بشأن…