بايدن: آخر الرؤساء الصهاينة؟

مدة القراءة 7 د

يعكس اختيار إسرائيل المحطّة الافتتاحية لجولة الرئيس الأميركي جو بايدن في المنطقة، أولويّة أولويّات السياسة الأميركية، منذ قيام دولة إسرائيل. فبعد عام ونصف عام من وصول بايدن إلى البيت الأبيض، بدأ الرئيس الأميركي جو بايدن زيارته الأولى لإسرائيل والمنطقة. وجدّد بايدن في كلمة ألقاها في حفل استقباله في مطار “بن غوريون”، مقولته التي صرّح بها عندما كان نائباً للرئيس أوباما، إذ قال: “لستَ بحاجة إلى أن تكون يهودياً حتى تكون صهيونياً”. وهذه الكلمة ليست بعيدة عن عقيدة رئيسة مجلس النواب الأميركي، الديمقراطية نانسي بيلوسي، التي رأت في خلال زيارة للكنيست الإسرائيلي في شباط الماضي، أنّ “إقامة دولة إسرائيل تشكّل أعظم إنجاز سياسي في القرن العشرين”. ومن بين إشارات أميركية سابقة يبرز قول لألكسندر هيغ، الذي كان وزيراً للخارجية الأميركية في أثناء الحرب الباردة، جاء فيه أنّ إسرائيل “هي حاملة الطائرات الكبرى في العالم التي لا يوجد جنود أميركيون على متنها، ولا يمكن إغراقها، وهي راسيةٌ في منطقة حسّاسة أمنيّاً واقتصاديّاً”.

غير أنّ صحيفة “معاريف” لفتت إلى أنّ “بايدن هو آخر الرؤساء الديمقراطيين الصهاينة، وهذا جيل آخذ بالاختفاء، من الناحيتين الزمنية والفكرية، في ظلّ التغيّرات السياسية والديمغرافية الحاصلة في الولايات المتحدة، وبفعل أنّ إسرائيل أصبحت محافِظة ويمينية ومتديّنة أكثر، وهي بذلك تبتعد عن الديمقراطيين”.

وفي ما يتعلّق بمثلّث الولايات المتحدة – إسرائيل – الفلسطينيين، فإنّ بايدن يحافظ على تراث سلفه دونالد ترامب، وليس ما يماثل قصة القنصلية الأميركية في القدس من أجل تجسيد التشابه ما بين سياسة بايدن وسياسة ترامب، فبايدن لم يقُم بفتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، كما وعد بذلك. وكما كان متوقّعاً، يأتي الملفّ الفلسطيني السياسي على هامش زيارة بايدن للمنطقة، إذ قال بايدن خلال مراسم استقباله إنّه “لا حديث عن حلّ الدولتين حاليّاً، لكنّه الحلّ الأفضل”.

وفقاً لمحلّلين إسرائيليّين، بات مصير بايدن في يدي بن سلمان، والمرشد الإيراني علي خامنئي الذي يملك قلم التوقيع على اتفاق نووي

تحالف عالمي ضدّ إيران

لم يكن جديداً حديثُ رئيس الوزراء يائير لابيد خلال استقبال بايدن، بل أصبح محفوظاً عن ظهر قلب. فقد صرّح لابيد أنّه سيتحدّث مع بايدن خلال زيارته لإسرائيل، عن “الحاجة إلى إعادة إنشاء تحالف عالمي قويّ يوقف البرنامج النووي الإيراني، وبناء هندسة أمنية واقتصادية جديدة مع شعوب الشرق الأوسط في أعقاب اتفاقيات أبراهام وإنجازات قمّة النقب”. عملياً، منذ توقيع اتفاقيات أبراهام، حقّقت إسرائيل تقدّماً جوهرياً واستراتيجياً مهمّاً نحو الاندماج في المنطقة، وإقامة شراكات متعدّدة الأغراض والأهداف.

وخلال مؤتمر صحافي في فندق “وولدورف أستوريا” في القدس، وقّع بايدن ولابيد وثيقة مشتركة حول العلاقات بين الجانبين، بعنوان “إعلان القدس”، الذي جدّد:

1- “التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل والحفاظ على التفوّق العسكري النوعي الإسرائيلي ، كما أن واشنطن ملتزمة إلى الأبد بعدم السماح لإيران بحيازة سلاح نووي”، وأنّها “على استعداد لاستخدام جميع عناصر قوّتها القومية من أجل ضمان هذه النتيجة”.

2- تعّهد الولايات المتحدة بالعمل مع دول أخرى من أجل “مواجهة العدوانية والأنشطة التي تقوّض الاستقرار من جانب إيران، سواء تلك التي تدفعها بشكل مباشر أو بواسطة أذرعها.

3- وتطرقت الوثيقة إلى الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وجاء فيها أنّ “الولايات المتحدة وإسرائيل تتعهدان بمواصلة البحث في التحديات والفرص في العلاقات الإسرائيلية – الفلسطينية”، وأنّ الدولتين تنددان بالعمليات الفلسطينية المسلحة الأخيرة.

4- وتضمنت الوثيقة أنّ واشنطن ملتزمة ببناء هيكل إقليمي لتعميق علاقات إسرائيل مع الدول العربية. وبحسب التقديرات في إسرائيل، فإنّ سعي بايدن إلى تطوير وتسخين مشروع تحالف أمني شرق أوسطي، سيسمح له أمام الرأي العام الأمريكي بطمس تراجعه عن قراره بعدم التعاون مع ولي عهد السعودية، الأمير محمد بن سلمان، في أعقاب مقتل جمال خاشقجي.

وفقاً لمحلّلين إسرائيليّين، بات مصير بايدن في يدي بن سلمان، والمرشد الإيراني علي خامنئي الذي يملك قلم التوقيع على اتفاق نووي.

بحسب المحلّل الإسرائيلي ناعوم بريناع، يواجه الرئيس الأميركي جو بايدن أزمات داخلية من شأنها أن تهدّد حكمه بعد أشهر قليلة. تتمثّل أولى هذه الأزمات بارتفاع أسعار النفط، في أعقاب الحرب في أوكرانيا، الذي أدّى إلى تضخّم ماليّ في الولايات المتحدة وانخفاض قيمة الأسهم في البورصة، وهروب الناخبين، خاصة الناخبين من الطبقتين المتوسّطة والدنيا، الذين يشكّلون الجمهور التقليدي للحزب الديمقراطي. ولذلك يولي بايدن وإدارته أهميّة لتجاوب وليّ عهد المملكة محمد بن سلمان مع سعيه إلى زيادة ضخّ النفط. ومن شأن التوصّل إلى اتفاق نوويّ جديد مع إيران أن يسهم أيضاً في خفض أسعار النفط، لكنّ القرار في هذا الخصوص بيد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي.


بايدن: عريس أم وسيط زواج

وبرأي بريناع، وغيره من المراقبين الإسرائيليين، فإنّ بايدن يطرح على أصدقاء الولايات المتحدة في المنطقة، وفي مقدَّمهم إسرائيل، استراتيجية أميركية مغايرة، وهي ليست حلفاً أمنيّاً شرق أوسطيّاً برئاسة الولايات المتحدة، وإنّما استراتيجية بموجبها “ليس بايدن قائداً، بل مساعد، وليس عريساً، بل وسيط زواج. إذا أرادت إسرائيل والسعودية والإمارات ومصر والأردن والبحرين التعاون من أجل لجم إيران، فستمنح أميركا رعايةً لهذا المشروع”.

يمكن الجزم أنّ زيارة طهران الأسبوع المقبل التي أعلنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكانت بمنزلة مفاجأة كبرى، تنطوي على “مضمون استراتيجي بالغ الأهمّية، وتأتي لإبطال مفاعيل جولة بايدن في المنطقة، وفي مقدَّمها لجم ارتفاع أسعار النفط الذي من شأنه إضعاف روسيا في صراعها مع أوكرانيا، بسبب تعلّق اقتصادها بالنفط والغاز الطبيعي اللذين تصدّرهما”.

تكتسي زيارة بوتين لطهران أهمية قصوى، وخصوصاً أنّها الزيارة الأولى للرئيس بوتين خارج حدود الاتحاد السوفياتي السابق منذ الحرب الأوكرانية، ومباشرة بعد زيارة بايدن للمنطقة، وفي ظلّ الحديث عن مساعٍ سيبذلها بايدن لدى إسرائيل والسعودية للموافقة على تمرير اتفاق نووي بين الولايات المتحدة وطهران.

بحسب مدير تحرير صحيفة “هآرتس” ألوف بن: “الاتفاق النووي بين الدول العظمى وإيران في صلب زيارتَيْ بايدن وبوتين المتقاطعتين، والمتعارضتين، فبايدن يريد إعادة الولايات المتحدة إلى الصفقة التي انسحب منها سلفه دونالد ترامب، ورفع العقوبات عن إيران هو الطريق الأقصر من أجل لجم ارتفاع أسعار النفط. لكن بطبيعة الحال يضرّ التوصّل إلى اتفاق نووي بالمصلحة الروسية، وهي السبب المرجّح لزيارة بوتين لطهران”.

وفقاً لألوف بن، فإنّ “الحساب بسيط: نفط مرتفع الثمن سيسمح لبوتين بمواصلة حرب الاستنزاف في أوكرانيا، ونفط رخيص سيقلّص طول نفس روسيا ويؤدّي إلى تقصير الحرب، أو لجمها بشكل يكون محتملاً في أميركا وأوروبا على الأقلّ”.

تشير التسريبات إلى أنّه في محاولةٍ لإقناع لابيد بوجوب غضّ الطرف عن التوصّل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران، يُظهر بايدن سخاء أميركيّاً على حساب الفلسطينيين، والمقابل الذي يقترحه بايدن على إسرائيل مزدوج: سحب أيدي أميركا من الموضوع الفلسطيني، الذي يهمّ الإسرائيليين أكثر بكثير من إيران، وتعميق الترتيبات الأمنيّة الإقليمية، وفي مقدَّمها ضمّ إسرائيل إلى القيادة الوسطى للجيش الأميركي إلى جانب دول الخليج والأردن ومصر.

إقرأ أيضاً: رسالات بايدن في قمّة جدّة؟

واحتمال أن توافق إسرائيل على المشي في طرح بايدن بخصوص إيران مقابل حزمة حوافز باهظة الثمن، لا يمكن استبعاده. فالحرب الإقليمية الإسرائيلية الإيرانية لم تندلع خلال عشرات السنين الماضية، ولن تندلع على الأرجح، لأنّ الخطر الإيراني على إسرائيل ليس وجودياً، كما هو الخطر الإسرائيلي على إيران ليس وجودياً، بل هو ضرورة يترتّب عليها كثير من الفوائد للطرفين، حيث مكّن طهران من استخدامه لمدّ نفوذها في المنطقة، ومكّن إسرائيل من الحديث عن البعبع الإيراني.

مواضيع ذات صلة

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…

الميدان يَنسِف المفاوضات؟

لا شيء في الميدان على المقلبين الإسرائيلي واللبناني يوحي بأنّ اتّفاق وقف إطلاق النار يسلك طريقه إلى التنفيذ. اليوم ومن خارج “دوام عمل” العدوّ الإسرائيلي…