تقع حكومة نجيب ميقاتي العتيدة بين فكّ الاستحقاق الرئاسي الداهم الذي، إذا حصل في موعده، سيجعل من ملف التأليف منتهياً، وفكّ الانطلاقة المتوتّرة للعلاقة التي تجمع بين رئاسة الجمهورية والسراي، ولو أنّ “الفكّ الثاني” قابل للمعالجة.
يقول نائب قريب من التيّار إنّ رئيس الحكومة المكلّف هو الذي افتعل “المشكل” مع الفريق العوني من خلال التصويب على حقيبة الطاقة، سواء من خلال سحبها من حصّة “التيار الوطني الحر” أو من خلال السجال الكلامي الذي وقع بين الفريقين على الخلفيّة ذاتها، وقد افتعله ميقاتي أيضاً. وفق النائب ذاته، فإنّ مبادرة رئيس حكومة تصريف الأعمال بهذا الاتجاه تعني أنّ الرجل غير مستعجل على التأليف وغير مكترث للضغط الذي تمارسه الرئاسة الأولى في سبيل تسريع مشاورات قيام آخر حكومات العهد.
مع ذلك، يصرّ العونيون على التأكيد أنّ رئيس الجمهورية لن يبقى مكتوف الأيدي إزاء مماطلة رئيس الحكومة المكلّف، وسيفعل ما بوسعه لإصدار مراسيم الحكومة الجديدة قبل حلول موعد 31 تشرين الأول المقبل، آخر أيام تولّي العماد عون لرئاسة الجمهورية.
وفق بعض المطّلعين، فإنّ رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل ما يزال يعتقد أنّ الشغور الرئاسي قد يحصل
حتى الآن، لا جواب واضحاً لدى العونيين يبرّر إصرارهم على تأليف حكومة، قد لا تتمكّن حتى من وضع بيانها الوزاري، لأنّها حتى لو أبصرت النور، فهي سرعان ما ستصير حكومة تصريف أعمال مع انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، خصوصاً أنّ رصيد الفريق العوني بجناحَيْه الرئاسي والسياسي في حكومة ميقاتي الأخيرة، التي هي الآن حكومة تصريف أعمال، وازن، وله مصلحة في إعادة تعويم هذه الحكومة لأنّ توازناتها السياسية لا تضرّه.
لهذا ثمّة من يتحدّث عن قطبة مخفيّة تكمن وراء “لهفة” الفريق العوني على إجراء تعديل جذري على الحكومة القائمة، وأنّ هذا التعديل يهدف إلى تطعيم الحكومة ببعض الوجوه السياسية العونية، حتى لو أكّد “التيار الوطني الحر” أنّه لن يمنح ثقته للحكومة. فهو سبق أن أعلن عدم منحه الثقة للحكومة الأخيرة، ثمّ منحها إيّاها. إذاً المسألة قابلة للأخذ والردّ والتفاهم. ولكن لماذا الإصرار؟
أحلام باسيل
وفق بعض المطّلعين، فإنّ رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل ما يزال يعتقد أنّ الشغور الرئاسي قد يحصل، وقد ترِث هذه الحكومة صلاحيّات رئيس الجمهورية، وقد يذهب رئيس الحكومة المكلّف في توسيع نطاق تصريف الأعمال إلى حدّ الدعوة إلى عقد جلسات لمجلس الوزراء. ولهذا يريد باسيل أن يكون حاضراً مباشرة على طاولة مجلس الوزراء عبر وزراء سياسيين لا تكنوقراط.
يرتبط هذا السيناريو باحتمال حصول اتفاق على ترسيم الحدود، وفق ما يروّج الفريق العوني.
تقول أكثر من شخصية من هذا المحور إنّ المفاوضات بلغت مطارح متقدّمة، ويفترض أن توضع اللمسات الأخيرة خلال زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمنطقة. وهو ما يعني أنّ عهد الرئيس ميشال عون قد يُختَتم بهذا الإنجاز الذي سيحمل معه الكثير من التداعيات السياسية والاقتصادية.
لعلّ أبرز تلك التداعيات السياسية، كما يرى الفريق العوني، هو فتح الباب أمام إخراج باسيل من لائحة العقوبات الأميركية، وإعادة إدراجه ضمن لائحة الترشيحات الرئاسية. غير أنّ بعض القوى السياسية تعتبر أنّ هذا السيناريو من الخيال. فيما العونيون يعتبرونه أقرب إلى الواقع. إذ يكفي أن يتمّ تنظيف اسم باسيل “أميركيّاً” لكي يصبح تصحيح علاقته بالقوى المحليّة ورشة جدّية قابلة للمعالجة. ولأنّ هذا الاحتمال يرِدُ في أحلام رئيس التيار، ما دام اتفاق ترسيم الحدود بلغ أمتاره الأخيرة، فإنّ الاستحقاق الرئاسي سيصير هدفاً بحدّ ذاته بالنسبة إلى جبران باسيل. وهذا ما قد يدفع به إلى تأجيل ساعة الصفر حتى يستعيد هو مكانته في السباق الرئاسي.
إقرأ أيضاً: هل يستقيل الوزراء المسيحيّون من الحكومة؟
وفق هذا الاحتمال، فقد ترِث حكومة ميقاتي صلاحيّات رئيس الجمهورية لتقطيع مرحلة الشغور. ولهذا يمارس الفريق العوني ضغطه لإجراء التعديلات التي يراها مطلوبة في حكومة تصريف الأعمال. ولعلّ هذا السيناريو هو الذي يدفع ميقاتي وبعض الحلفاء إلى اللعب على عامل الوقت، لتمريره سريعاً، إلى أن تحلّ لحظة الاستحقاق الرئاسي.