أوروبا خائفة: مهاجرون.. بدل نفط شمال أفريقيا؟

مدة القراءة 5 د

يقف المغرب والجزائر قاب قوسين أو أدنى من انفجار صراع بينهما قد يؤدّي إلى ما لا تُحمد عقباه.

في عام 1963، وبعد وقت قصير من استقلال الجزائر عن فرنسا، وقعت حرب بين الدولتين الجارتين حول الحدود. سُمّيت بحرب “تندوف” نسبة إلى اسم المنطقة الصحراوية المتنازَع عليها. منذ ذلك الوقت لم تعرف العلاقات بين الدولتين ودّاً ولا سكينة.

في عام 1975 بعدما استرجع المغرب الصحراء الغربية من إسبانيا بقيادة الملك الراحل الحسن الثاني (المسيرة الخضراء)، وقفت الجزائر ضدّ ما اعتبرته توسّعاً مغربياً. وذهبت الجزائر إلى حدّ دعم حركة صحراوية تُدعى البوليساريو بالسلاح والمال. شنّت هذه الحركة حرب استنزاف ضدّ المغرب استمرّت سنوات طويلة ذهب ضحيّتها المئات من المغاربة والصحراويين، وسمّمت العلاقات المغربية – الجزائرية، أو زادتها تسمّماً.

من المعروف تاريخياً أنّ المغرب كان من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال الولايات المتحدة عن بريطانيا، وحافظت على مدى العقود الماضية على علاقات مميّزة وثابتة معها، بعكس الجزائر

في عام 1993 وصل الخلاف بين الجزائر والمغرب إلى إقفال الحدود بين الدولتين، ولا تزال الحدود بينهما مقفلة منذ ذلك التاريخ حتّى اليوم.

طرأ الآن عامل تفجيريّ جديد. فبعد الانقلاب في الموقف الأميركي من الصحراء بتأييد مغربيّتها (الرئيس السابق دونالد ترامب)، توقّفت مساعي الأمم المتحدة التي كانت تدعمها الجزائر بهدف منح الصحراء حكماً ذاتياً. غير أنّ الموقف الأميركي، الذي حذت حذوه دول عديدة أخرى، أقرّ مغربيّة الصحراء، وبدأت هذه الدول ترسل بعثاتها القنصلية إلى مدينة العيون اعترافاً بمغربيّتها.

سارعت الجزائر إلى الردّ، فحرّكت من جديد جبهة البوليساريو التي تراجع دورها طوال سنوات المساعي الدولية (الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي). وبالفعل استأنفت الجبهة هجماتها المسلّحة على المواقع المغربية المدنية والعسكرية.

هنا دخل الصراع المغربي – الجزائري مرحلة الخطر الحقيقي:

على قاعدة اتّهام المغرب للجزائر بالتحريض على وحدة المملكة وسيادتها، ردّ المغرب بما اعتبرته الجزائر تحريضاً على وحدة الجزائر وسيادتها أيضاً. وتمثّل هذا الردّ المغربي في تحريض الأمازيغ (البربر) في الجزائر على المطالبة بالحكم الذاتي. وفي الواقع كان أمازيغ الجزائر، وخاصة في منطقة تيزي أوزو، مستنفرين منذ مدّة طويلة، فهم لا يحتاجون إلى مَن يحرّضهم، لكنّهم يحتاجون إلى مَن يدعمهم.

الجزائر تعاقب نفسها

إلى جانب هذا الخطر، هناك خطر التدمير الذاتي. تحلّ الجزائر في المرتبة العاشرة بين الدول المصدّرة للنفط والغاز. وتشكّل عائداتها من بيع المحروقات المصدر الأول والأهمّ للدخل القومي. وتحلّ إسبانيا في المرتبة الأولى في لائحة الدول المستوردة للطاقة من الجزائر، وتليها إيطاليا. وهناك أنبوبان ينقلان الغاز الجزائري إلى أوروبا. الأوّل خطّ مباشر إلى إسبانيا، والثاني يمرّ عبر المغرب والبحر المتوسط. ويحصل المغرب، الذي لا ينتج غازاً ولا نفطاً، على ضريبة مرور تبلغ 7 في المئة، وذلك باقتطاعها من كميّة الغاز الجزائري لاستخدامه الخاص. غير أنّ الجزائر في ردّ فعلها على الخلاف مع المغرب قرّرت وقف الضخّ. ويأتي هذا القرار فيما أوقفت روسيا أيضاً، على خلفيّة الحرب في أوكرانيا، تصدير النفط والغاز إلى أوروبا، بما في ذلك إسبانيا.

في عام 1993 وصل الخلاف بين الجزائر والمغرب إلى إقفال الحدود بين الدولتين، ولا تزال الحدود بينهما مقفلة منذ ذلك التاريخ حتّى اليوم

هكذا فيما تبحث الدول الأوروبية، بما فيها إسبانيا وإيطاليا، عن بديل للغاز الروسي، يأتي ردّ الفعل الجزائري ضدّ المغرب ليحرم الدولتين الأوروبيّتين من الحدّ الأدنى من الطاقة التي تحصل عليها من الجزائر. في العام الماضي حصلت إسبانيا على 40 في المئة من حاجتها من الطاقة من الجزائر. وشكّل ذلك مصدراً مهمّاً للاقتصاد الجزائري. لذلك لم يكن سهلاً على الجزائر أن تأخذ قرار وقف الضخّ. فهي بأمسّ الحاجة إلى عائداتها من الطاقة. فالبطالة ارتفعت نسبتها إلى 12 في المئة. وارتفع التضخّم إلى أكثر من 8.5 في المئة. ثمّ جاءت مضاعفات الحرب الأوكرانية لتصبّ المزيد من زيت هذه المضاعفات السلبية على نار الأزمة الاجتماعية – الاقتصادية التي تعاني منها. لكنّ القضايا السيادية بالنسبة إلى الجزائر تحلّ في المرتبة الأولى في سلّم الاهتمامات.

عقاب جزائري لإسبانيا

ليس القرار الجزائري ردّ فعل على الموقف المغربي وحسب، بل هو أيضاً تعبير عن رفض الجزائر للموقف الإسباني الجديد المتعاطف مع المغرب في قضية الصحراء. فقد نجحت واشنطن في مساعيها الحميدة التي بذلتها بين الرباط ومدريد بعد عقود طويلة من الاختلافات التي تفجّرت خلافات حادّة بينهما، لكن لم تبرم أيّ تسوية نهائية.

من المعروف تاريخياً أنّ المغرب كان من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال الولايات المتحدة عن بريطانيا، وحافظت على مدى العقود الماضية على علاقات مميّزة وثابتة معها، بعكس الجزائر التي توجّهت بعد الاستقلال عن فرنسا إلى التقارب مع الاتحاد السوفياتي السابق.

إقرأ أيضاً: “الحرب العالمية”: من مضيق تايوان إلى مضيق تيران

لا تريد أوروبا مزيداً من المهاجرين من دول المغرب العربي، بل تريد مزيداً من النفط والغاز. من هنا يبرز عدد من الأسئلة التي تُقلق دول جنوب أوروبا، وخاصة إسبانيا وفرنسا وإيطاليا: هل تنفجر الأزمة بين المغرب والجزائر؟ وهل يمكن أن يؤدّي انفجارها إلى موجة لجوء من الدولتين إلى جنوب أوروبا؟ أي هل يحلّ المهاجرون من شمال إفريقيا الذين لا تريدهم أيّ دولة محلّ النفط والغاز اللذين تريدهما كلّ دول أوروبا؟

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…