أنتشال فوهرا Anchal Vohra – Foreign Policy
في 22 أيار الفائت، كان العقيد حسن صياد خدائي، أحد كبار المسؤولين في الحرس الثوري الإيراني، يجلس في سيّارته في طهران عندما أطلقت عليه النار مجموعة مسلّحة تركب الدرّاجات النارية، فقتلته.
في إيران، حزن عليه آلاف الأشخاص الذين حضروا جنازته، وأشادوا به كبطل لمواجهته “تنظيم الدولة الإسلامية – داعش”. لكنّ الصحافة الإسرائيلية سخرت منه بوصفه الرجل الذي خطّط لسلسلة من الهجمات الإرهابية ضدّ دبلوماسيّين إسرائيليين في الهند وتايلند، وكُلّف أيضاً بخطف إسرائيليين وأجانب في الخارج. وسرعان ما ألقت إيران باللوم على إسرائيل في حادثة مقتله، وتعهّدت بالانتقام له.
كان خُدائي مجرّد واحد من سبعة مسؤولين وعلماء إيرانيين قُتلوا على ما يبدو منذ أواخر أيار، لكنّ حادثة اغتيال خدائي هي الوحيدة التي ستلقي إيران الاتّهام رسمياً ضدّ إسرائيل بارتكابها، على الرغم من عدم وجود شكّ يُذكر بين المحلّلين الأميركيين والإيرانيين والإسرائيليين والمسؤولين الأمنيّين السابقين، في أنّ عمليّات القتل جزء من حرب سرّيّة بين البلدين. تقريباً، كلّ الإيرانيين الذين اغتيلوا: “جيولوجيّ، ومهندسان، وعضوان من وحدة الفضاء الجوّي التابعة للحرس الثوري الإيراني”، مرتبطون إمّا بالمنشآت النووية الإيرانية أو بالبنية التحتية العسكرية التي تدعم بها طهران وكلاءها.
يعتقد محلّلون أميركيون وإسرائيليون بأنّ طهران ردّت بهذه الطريقة لأنّها شعرت بالحرج، إذ رأت أنّ عمليات القتل كانت بمنزلة فشل استخباراتي وسط تصعيد إسرائيل للحرب السرّيّة
قال دينيس روسDennis Ross ، المفاوض الأميركي في محادثات السلام في الشرق الأوسط، الذي عمل مع عدد من الرؤساء الأميركيين، لمجلّة “فورين بوليسي”: “لا تعترف إسرائيل أبداً بأنّها تحرّكت لقتل الإيرانيين. ولكن يُفترض عادةً أنّ الإسرائيليين مسؤولون عن عدد من عمليّات القتل والهجمات”. هذا هو الحال بالتأكيد بالنسبة إلى مقتل المسؤولين المرتبطين بالحرس الثوري الإيراني أو العلماء الذين يقودون البرنامج النووي الإيراني.
مع ذلك، وبينما صعّدت إسرائيل، وفقاً للمحلّلين، من وتيرة حرب الظلّ مع إيران من خلال الاغتيالات المزعومة، يبدو أنّ المسؤولين الإيرانيين يقلّلون من شأن عمليات القتل هذه.
موتات غريبة؟
على سبيل المثال، وبعد أسبوع من وفاة خُدائي، مرض أيوب انتظاري، وهو مهندس الطيران الذي عمل في مشاريع متعلّقة بالصواريخ في مركز أبحاث وتطوير يديره الحرس الثوري الإيراني في مدينة يزد الإيرانية. وتوفّي بعد عودته من حفل عشاء، كما ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز”. منذ ذلك الحين اختفى مُضيف الحفل. في عام 2019، التُقطت صورة لخدائي مع الرئيس الإيراني آنذاك حسن روحاني، وهو ما يشير إلى أنّه ربّما كان عضواً مهمّاً في جهاز الدفاع الإيراني. في البداية، وُصف انتظاري بـ”الشهيد”، بينما وصف أحد أعضاء مجلس المدينة مقتله بأنّه حالة “إرهاب بيولوجي”. لكنّ المسؤولين تراجعوا في وقت لاحق، قائلين إنّ وصف انتظاري بـ”الشهيد” كان خطأ. وزعموا أنّه لم يكن مهندس طيران، كما تشير التقارير، بل كان موظّفاً عاديّاً.
عندما سألت “فورين بوليسي” محلّلاً إيرانياً يُعتقد أنّه مقرّب من الحكومة بشأن عمليات القتل الأخيرة، تظاهر المحلّل بالجهل، وقد اخترت عدم الكشف عن هويّته بسبب مناقشة موضوع حسّاس، وأجاب بعبارات مثل: “مَن هم؟”، مع اقتراحه أنّ العقيد ليس من رتبة رفيعة جدّاً.
يعتقد محلّلون أميركيون وإسرائيليون بأنّ طهران ردّت بهذه الطريقة لأنّها شعرت بالحرج، إذ رأت أنّ عمليات القتل كانت بمنزلة فشل استخباراتي وسط تصعيد إسرائيل للحرب السرّيّة.
فرزين نديمي Farzin Nadimi، وهو زميل مشارك في “معهد واشنطن”، قال لمجلّة “فورين بوليسي” إنّ عمليات القتل الأخيرة، إلى جانب الهجمات على البنية التحتية العسكرية الإيرانية والهجمات الإلكترونية على المرافق المملوكة للدولة، “أضرّت بشكل كبير بالردع الإيراني المتصوّر”، و”أظهرت تصميم إسرائيل وحرّية عملها في إيران”. وقال نديمي إنّ هذه الهجمات جعلت الحكومة الإيرانية “متشكّكة جدّاً” بشأن مصداقية إجراءاتها الأمنيّة. ونتيجة لذلك، يتعيّن عليهم تحويل الكثير من الوقت والمال بعيداً عن مشاريعهم التسليحيّة باتجاه تقوية منشآتهم، وإعادة تقييم ولاء قوّتهم العاملة. وقال إنّه يعتقد أنّ معظم الهجمات كانت “عملاً داخلياً”.
قال محلّلون ومسؤولون أمنيّون إنّ موجة الهجمات الأخيرة تنبع من مخاوف إسرائيل من أن تكون إيران هي الأقرب على الإطلاق من بناء سلاح نووي مع الاستمرار في تسليح ميليشياتها في المنطقة، التي تشكّل تهديداً مباشراً لدولة إسرائيل. ووصلت إيران في تخصيب اليورانيوم المستعمَل في صنع الأسلحة عند مستويات نقاء 60% منذ انسحاب إدارة ترامب السابقة من جانب واحد من الاتفاق النووي لعام 2015 قبل أربع سنوات. إنّها أقلّ قليلاً من نسبة 90% اللازمة لبناء قنبلة نووية، وأعلى بكثير من سقف الاتفاق النووي البالغ 3.67%. في الوقت نفسه، تواصل طهران تصنيع ترسانتها من الطائرات بدون طيار والصواريخ، من أجل وكلائها الإقليميين. وتشير تقديرات وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أنّ جماعة حزب الله المسلّحة في لبنان وحدها تمتلك مخزوناً يبلغ 150 ألف صاروخ موجّه إلى إسرائيل. وقال المحلّلون إنّ التصعيد الأخير في مجال اغتيال المسؤولين الإيرانيين، والقبض في الأسبوع الماضي على عملاء إيرانيين يُزعم أنّهم كانوا يخطّطون لاختطاف إسرائيليين في تركيا، يشيران إلى أنّ الحرب السرّية بين إيران وإسرائيل تتصاعد، وتبشّر بالسوء بالنسبة إلى الأمن الإقليمي، وتهدّد بأن تبلغ ذروتها في صورة صراع كامل.
ترى إسرائيل أنّ أيّ طريقة أخرى غير الحرب المباشرة، تؤخّر خطط إيران، وتزيد من تكاليف تنفيذ سياساتها، وتكشف نقاط ضعف حكومتها للشعب الإيراني
“إسرائيل تعرف مَن يفعل ماذا”
من جهته، ألمح عيران ليرمان Eran Lerman، نائب المدير السابق للسياسة الخارجية والشؤون الدولية في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، إلى مزيد من التصعيد بما يتماشى مع سياسة إسرائيل لفعل ما تراه ضروريّاً لمواجهة التهديدات الأمنيّة الآتية من إيران. وعلى الرغم من أنّ بعض المحلّلين تساءلوا عن سبب استهداف إسرائيل لمسؤولين من رتب أدنى، إلا أنّ ليرمان قال لمجلّة “فورين بوليسي” عبر اتصالات مشفّرة، إنّه بينما لا يستطيع تأكيد أو إنكار دور إسرائيل في عمليات القتل الأخيرة، فإنّه “ليس من الضرورة أن يكون كلّ عضو رئيسي في الجهاز النووي والعسكري الإيراني برتبة جنرال”. وأضاف: “إسرائيل تعرف مَن يفعل ماذا، وتحاول أن تبعث رسالة إلى إيران لوقف أنشطتها المزعزِعة للاستقرار، وإلّا فقد تزداد الأمور سوءاً”.
ما دامت طهران مستمرّة في نقل الأسلحة إلى الميليشيات، وتسعى إلى تعزيز نفوذها في دول المنطقة، “فلن يتغيّر شيء يُذكر، وسيكون خطر نشوب صراع أوسع حقيقيّاً”، على حدّ قول روس: “شعوري من المناقشات مع مسؤولي الأمن الإسرائيليين أنّهم مستعدّون لفعل المزيد إذا لم تتراجع إيران خطوة إلى الوراء”.
في 7 حزيران الماضي، اعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته نفتالي بينيت Naftali Bennett بحدوث تحوّل استراتيجي في مواجهة إيران، وقال إنّ إسرائيل تحرّكت نحو “مسار أعلى” لاحتواء التهديد الإيراني. وقال في اجتماع للجنة الشؤون الخارجية والدفاع بالبرلمان: “نحن نتصرّف في جميع الأوقات والأماكن، وسنواصل القيام بذلك”.
إقرأ أيضاً: مفاوضات الدوحة تبدأ عرجاء: تطمين… أو توقيع؟
إذا كان هناك مزيد من التصعيد، فإنّ إيران، التي عيّنت للتوّ قائداً جديداً، هو الجنرال محمد كاظمي، لرئاسة جهاز المخابرات القوي في الحرس الثوري الإيراني، من دون إعطاء سبب رسمي لتغيير القيادة، من المرجّح أن تلجأ إلى أفعال لا ترقى إلى الحرب، لكنّها تضرّ بالأمن الإسرائيلي والإقليمي والعالمي. يمكن أن تهدّد، على سبيل المثال، حرّية الملاحة في مضيق هرمز الاستراتيجي، الذي يمرّ عبره حوالي خُمس تجارة النفط العالمية. وهذا من شأنه أن يتسبّب في ارتفاع أسعار النفط المرتفعة بالفعل، بالإضافة إلى تعطيل سلاسل التوريد.
في غضون ذلك، ترى إسرائيل أنّ أيّ طريقة أخرى غير الحرب المباشرة، تؤخّر خطط إيران، وتزيد من تكاليف تنفيذ سياساتها، وتكشف نقاط ضعف حكومتها للشعب الإيراني، وربّما تثبّط عزيمة الجنود الإيرانيين، على أنّها تستحقّ الجهد والمخاطرة.
سيستمرّ التوسّع في تكتيكات الحرب السرّيّة، كما ألعاب التجسّس بين إسرائيل وإيران.
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا