الخط 29 (3): دياب لم يوقّع المرسوم 6433

مدة القراءة 8 د

كُتب الكثير عن الخطّ 29 وعن مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. في هذا التحقيق المطوّل، عرض لأبرز “الروايات” المتناقضة حول كيفية ولادة هذا الخطّ، في الجغرافيا، ثم في السياسة، وفي الإعلام. ومحاولات للإجابة عن أسئلة كثيرة، أبرزها: هل تسرّبت شفّاطات العدوّ الإسرائيلي إلى غازنا ونفطنا، من تحت خلافاتنا الداخلية؟ وهل فرّطنا بثروة أولادنا وأحفادنا… طمعاً بكرسي الرئاسة أو ببعض المزاديات السياسية؟

5 حلقات كُتبت بناءً على مقابلات مع أحد المعنيين الأساسيين بهذا الملفّ إلى جانب رئيس الجمهورية، ومع أحد المعنيين القريبين من قيادة الجيش، ومع أحد وزراء حكومة حسّان دياب، ومع أحد الذين كانوا جزءا من فريق التفاوض في الناقورة، وكذلك بناءً على مقابلات مع حزبيين على علاقة مباشرة بهذا الملفّ، من الموقع التقني والعسكري والسياسي.

في الحلقة الثالثة يكشف “أساس” اليوم معلومة جديدة: الرئيس حسّان دياب لم يوقّع المرسوم 6433… وحدّاد نقل “معلومات مغلوطة” عن الأميركيين؟ ومن أوّل من طرح “قانا كاملة مقابل كاريش كاملة“؟

أينما ذهبنا في حكاية الخطّ 29، كلّ الدروب توصل إلى أنطوان حدّاد. الرجل الغامض والمُختفي حالياً. وسيكون لنا “بورتريه” كامل عنه في ختام هذه السلسلة.

يؤكّد مصدر وزاري لـ”أساس” أنّ الخط 29 حمله إلى قصر بعبدا مستشار الرئيس ميشال عون، أنطوان حداد، الذي تربطه علاقة وثيقة بقائد الجيش جوزف عون.

لم يُبدِ رئيس الجمهورية ميشال عون اعتراضاً على الفكرة ما دامت ستعطي مساحات إضافية للبنان، لكنّه اشترط إعداد دراسة موثّقة تؤكّد هذا الحقّ. لهذا السبب تمّت الاستعانة بالخبير نجيب مسيحي، وقُدّمت الدراسة إلى عون.

أقنع حداد عون بأنّ الأميركيين لن يمانعوا ما دام الأمر سيكون موثّقاً في الأمم المتحدة، وأنّ ذلك يلزمه تقديم كتاب إلى الأمم المتحدة لاستبدال الخط 23 بالخط 29. فأعدّ عون الكتاب موقّعاً، لولا أن تدخّل النائب جبران باسيل في اللحظات الأخيرة، لردّه، على اعتبار أنّ “المرسوم لا يُلغى بموجب كتاب”.

19 أيلول 2011:  تبنّى مجلس الوزراء، بناءً على اقتراح وزير الأشغال ورئيس الحكومة، مضمون دراسة أجراها خبراء في الجيش اللبناني تعتمد الخط 23 للحدود البحرية اللبنانية

في هذه الفترة قاد الجيش اللبناني حملته التي ضغطت لتعديل المرسوم رقم 6433، فأبلغه الموفد الأميركي دايفيد هايل، صراحةً، بأنّ مثل هذا التعديل “سيُعيد المفاوضات إلى نقطة الصفر”.

يتحدّث المصدر الوزاري لـ”أساس” عن دور للجيش في إدارة تعديل المرسوم، وكيف أخذ على عاتقه الترويج له لدى السياسيّين. فيقول إنّ حملة الجيش والحملة التي أُثيرت في وسائل الإعلام، اللتين تخوّنان المتخلّفين عن توقيع المرسوم، دفعتا الوزراء إلى التوقيع.

دياب لم يوقّع!

لكن وهنا المفاجأة، فإنّه خلافاً للاعتقاد السائد، فإنّ رئيس الحكومة حسان دياب لم يوقّع المرسوم، بل أحاله إلى بعبدا “للاطّلاع” على رأي الرئيس عون. فيما وقّعه وزير الأشغال ميشال نجّار (من حصّة تيار “المردة”)، مشترطاً بأن يُعدّ توقيعه لاغياً إذا لم يقترن بموافقة مجلس الوزراء. وأمّا توقيع وزيرة الدفاع زينة عكر فكان لزوم ما لا يلزم، لأنّ وزير الدفاع لم يسبق أن وقّع المرسوم المتعلّق بالخطّ 23. وبالتالي فلا ضرورة لهذا التوقيع بأيّة حال.

يوضح المصدر أنّ قائد الجيش تدخّل شخصيّاً لدى وزيرة الدفاع لحثّها على التوقيع بعدما امتنعت بسبب عدم دخول هذا الأمر ضمن صلاحيّاتها القانونية.  ويستبعد المصدر الربط بين المرسوم وبين العقوبات بحقّ جبران باسيل. بل يذهب إلى أنّ الخلل يكمن في الوعد الذي قطعه حدّاد لعون بأن الأميركيين لن يمانعوا وسيوافقون على هذا التعديل. ثمّ تبيّن أنّه نقل أجواء مغلوطة. والدليل ما أكّدته السفيرة الأميركية دوروثي شيا لأحد الوزراء، من أنّ بلادها لا تتبنّى موقف حدّاد، وحينها أبلغت اعتراضها على تعاطي الجيش مع ملفّ الترسيم.

قانا كاملة مقابل كاريش كاملة

تثبت وجهة نظر ثالثة بالوقائع والتواريخ أنّ الخط 29 وليد قيادة الجيش وفريق البحث التقني في الجيش وليس رئيس الجمهورية، وأنّ رئيس الوفد المفاوض العميد بسام ياسين كان يؤكّد في مقابلاته أنّ الجيش هو من كان يقترح على عون، والأخير يتبنّى على اعتبار أنّ الجيش هو الجهة المخوّلة تحديد الحدود.

تقول مصادر معنيّة مباشرة بملف المفاوضات لـ”أساس” إنّ كلّ الاقتراحات المتعلّقة بالحدود كانت تخرج من الجيش، بدءاً من الخطّ 23، وإنّ أيّ اقتراح متعلّق بالترسيم لم يخرج عن نطاق المؤسسة العسكرية. وفيما كانت الضجّة تُثار حول ضرورة اعتماد الخط 29 كان الجيش ذاته يقدّم اقتراحات مختلفة.

ففي رسالة سرّية بعث بها قائد الجيش العماد جوزف عون إلى رئيس الجمهورية بتاريخ 16/4/2021 تقدّم بصيغة اقتراح للحلّ تختلف عن الخط 29 الذي كان رئيس الوفد المفاوض يطالب باعتماده. يعرض الجيش في رسالته “قانا كاملة مقابل كاريش كاملة”.

مصدر وزاري لـ”أساس”: الخط 29 حمله إلى قصر بعبدا مستشار الرئيس ميشال عون، أنطوان حداد، الذي تربطه علاقة وثيقة بقائد الجيش جوزف عون

أمّا في الوقائع المتعلّقة بتعديل المرسوم رقم 6433 فقد انطلقت رحلة الخطوط الحدودية طبقاً للوقائع التالية:

– 19 أيلول 2011:  تبنّى مجلس الوزراء، بناءً على اقتراح وزير الأشغال ورئيس الحكومة، مضمون دراسة أجراها خبراء في الجيش اللبناني تعتمد الخط 23 للحدود البحرية اللبنانية.

– 2 كانون الثاني 2019: تسلّم وزير الدفاع الياس بوصعب من الجيش للمرّة الأولى دراسة جديدة مع قرص مدمج بالخرائط تفيد بوجود خيارات أخرى قد تعطي لبنان مساحات إضافية من الأراضي على الحدود البحرية، أي الخطّ 29.

– 18 نيسان 2019: عرض الجيش على وزير الدفاع الياس بوصعب ملخّصاً عن دراسة تقول بضرورة التمسّك بخطّ 23 وعدم القبول بخط هوف. الأمر الذي يدلّ على أنّ الجيش لا يزال يعتمد الخط 23. 

– في شهر كانون الأوّل 2019: أرسل بوصعب أول كتاب إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء لعرضه على حكومة تصريف الأعمال واتّخاذ القرار المناسب بشأنه.

يقول الكتاب: “تمّ تشكيل لجنة على صعيد الجيش لمتابعة موضوع ترسيم حدود المياه الإقليمية اللبنانية الاقتصادية الخالصة، وقد رفعت هذه اللجنة محضراً بنتيجة عملها اقترحت بموجبه ما يلي: تكليف اللجنة التواصل مع الجهات الرسمية لوضع استراتيجية واضحة وخارطة طريق موحّدة على الصعيد الرسمي حول موضوع ترسيم الحدود البحرية اللبنانية، والاستفادة من المعطيات والمستندات والخبرات المتوافرة لدى الجيش بهذا الشأن، خاصة أنّه تبيّن للّجنة وجود عدّة خيارات في ترسيم الحدود البحرية اللبنانية الجنوبية مستندةً إلى القوانين والاتفاقيات الدولية التي تعطي لبنان مساحات إضافية جنوب الخط المعلن بموجب المرسوم رقم 6344/2011”.

تمّ تكليف اللجنة التواصل مجدّداً مع المكتب الهيدروغرافي البريطاني UHKO لتقديم الدعم والمشورة في موضوع ترسيم الحدود نظراً إلى توافر بعض المعطيات الجديدة المتعلّقة بهذا الشأن نتيجة إجراء مسح جديد لخط الأساس في منطقة الناقورة من قبل مصلحة الهيدروغرافيا في القوات البحرية، ولا سيما أنّ المكتب المذكور قد قام في العام 2011 بتكليف من الحكومة اللبنانية بوضع تقرير يتعلّق بترسيم حدود لبنان البحرية، وأبدى المكتب رغبته بالمساعدة في هذا الموضوع.

بعد استقالة حكومة سعد الحريري وتشكيل حكومة جديدة برئاسة حسان دياب، بتاريخ 9 آذار 2020، أعادت قيادة الجيش إرسال الكتاب ذاته إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء من خلال وزيرة الدفاع زينة عكر لاتخاذ القرار المناسب

حرب التواقيع على 6433

بعد استقالة حكومة سعد الحريري وتشكيل حكومة جديدة برئاسة حسان دياب، بتاريخ 9 آذار 2020، أي بعد أقلّ من خمسة أشهر، أعادت قيادة الجيش إرسال الكتاب ذاته إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء من خلال وزيرة الدفاع زينة عكر لاتخاذ القرار المناسب.

لم يعرضه حسان دياب على جدول الأعمال، فبدأت حملة رئيس الوفد المفاوض بسام ياسين وفريق عمله بالضغط باتجاه تعديل المرسوم 6433، فأرسلت عكر رسالة تتعلّق بتعديل المرسوم مباشرة إلى رئيس الحكومة من دون أن تطلب عرضها على مجلس الوزراء. حصل ذلك بطلب من الجيش، وهو ما يُعدّ خروجاً على المألوف، بحيث اعتبرت الرسالة وكأنّها من أجل رفع العتب.

بالاستناد إلى المواد 6 و7 و16 و17 من القانون رقم 163/2011، وبعد موافقة مجلس الوزراء في اجتماعه بتاريخ 19أيلول 2011، بناءً على اقتراح رئيس مجلس الوزراء ووزير الأشغال العامة والنقل، صدر المرسوم رقم 6433/2011 المتّصل بتحديد المنطقة الاقتصادية.

إقرأ أيضاً: الخط 29 (2): هل اخترعه باسيل لابتزاز الأميركيين؟

بموجب الكتاب رقم 2320/ع م/أس تاريخ 4/3/2021، وأودعت قيادة الجيش لوائح إحداثيات الحدود الجنوبية والجنوبية الغربية للمنطقة البحرية اللبنانية، وتبيّن أنّ مساحة إضافية تعود إلى لبنان، الأمر الذي يفضي إلى تعديل للمساحة التي تناولها المرسوم رقم 6433/2011.

عملاً بقاعدة موازاة الصيغ الإدارية، وبما تنصّ عليه المادة 17 من القانون رقم 163/2011، وأيضاً بما ورد في الاستشارة رقم 87/2021 تاريخ 17/2/2021 من هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، فإن إصدار التعديل بهذه الصيغة ينبغي أن يتمّ بقرار من مجلس الوزراء بناءً على اقتراح رئيس الوزراء ووزير الأشغال العامة والنقل لأنّ المرسوم المَنْوي تعديله قد صدر بناءً على اقتراحهما ويحمل توقيعيهما، مع توقيع لوزير الدفاع الوطني تبعاً لكتاب قيادة الجيش ولتلك الاستشارة”.

في الحلقة الرابعة غداً:

الخطّ 29: هل اخترعه الأميركيون عبر أنطوان حدّاد؟

مواضيع ذات صلة

روايات ليلة سقوط الأسد… وخطّة الحزب “لإعادة التموضع”

في الحلقة الثانية من هذا التحقيق، تلاحق مراسلة “أساس” روايات العائلات النازحة في البقاع الشرقي وتحديداً منطقة الهرمل. وتسألهم عن ليلة السقوط الكبرى. كما تسأل…

لماذا يخاف شيعة البقاع من “بُعبُع” المعارضة السّوريّة؟

سقط بشّار الأسد وعاد عدد كبير من النازحين السوريين إلى بلدهم. لكن في المقابل شهدت مناطق البقاع، وتحديداً بعلبك الهرمل، نزوحاً معاكساً هذه المرّة للسوريين…

إسرائيل تضرب حيّ السّلّم للمرّة الأولى: هل تستعيده الدّولة؟

بقي حيّ السلّم على “العتبة”، كما وصفه عالم الاجتماع وضّاح شرارة ذات مرّة في كتابه “دولة حزب الله”. فلا هو خرج من مجتمع الأهل كليّاً…

أمن الحزب: حرب معلومات تُترجم باغتيالات (2/2)

لا يوجد رقم رسمي لمجموع شهداء الحزب في حرب تموز 2006، لكن بحسب إعلان نعي الشهداء بشكل متتالٍ فقد تجاوز عددهم 300 شهيد، واليوم بحسب…