أكتب إليكم من جُدّة عروس البحر الأحمر التي تستعدّ لاحتضان أهمّ قمّة استراتيجية معاصرة سترسم مستقبل منطقة الشرق الأوسط.
يومَيْ 15 و16 تموز الحالي تُعقد قمّة مجلس التعاون الخليجي بحضور الرئيس الأميركي جوزيف بايدن، ومشاركة كلّ من مصر والعراق والأردن، في أوّل تحرّك جدّي لهذا الرئيس تجاه العالم العربي بعد الخروج الاستراتيجي من المنطقة منذ عامين وإعادة التموضع وإعطاء الأولويّة لجنوب بحر الصين والمحيط الهادئ.
ليست رحلة الرئيس الأميركي من أجل سواد عيون أهل الخليج، لكنّها جزء من استمرار الصراع الأميركي مع الصين وروسيا، ومحاولة تضييق الخناق على الاقتصاد الروسي عبر وضع سقف لأسعار النفط والغاز من خلال المشترين في أوروبا وآسيا، وزيادة الإنتاج لخفض الأسعار من خلال مجمع “أوبك بلاس”، إذ تحلم واشنطن بعودة سعر برميل النفط إلى ما بين 80 و90 دولاراً، ولا ترضى بسعره الحالي الذي انخفض من 118 دولاراً إلى ما يقارب 106 دولارات.
زيارة بايدن للمنطقة هدفها الأساس هو خدمة المصالح الداخلية للحزب الحاكم والرئيس الذي يعاني ضعفاً سياسياً غير مسبوق
قد يتحوّل هذا الحلم الأميركي إلى كابوس هذا الشتاء إذا تحقّقت أربعة عوامل:
1- ازدياد صقيع الشتاء الذي سيزيد بدوره الطلب على الطاقة.
2- ازدياد الطلب على منتجات الصين والهند اللتين تشكّلان وزناً لا يُستهان به في حركة التصنيع والتجارة في العالم.
3- عدم الاستجابة الكاملة من قبل الدول الأساسية في “أوبك بلاس” (السعودية، الإمارات، قطر) لزيادة الإنتاج اليومي على نحو كبير يؤدّي إلى خفض الأسعار.
4- عدم التوصّل السريع قبل الشتاء إلى اتفاق مع إيران يُعيد تأهيلها لزيادة إنتاجها النفطي والغازي بعد رفع العقوبات عنها بما يمكن أن يعوّض حجم الإنتاج المعطَّل بسبب العقوبات.
يحمل بايدن، الذي يدخل قاعة اجتماعات قمّة دول مجلس التعاون الخليجي وبداخله قلق شديد من وضعية حزبه في انتخابات الكونغرس، قلقاً أشدّ من ازدياد التضخّم، الذي هو الأعلى منذ 30 عاماً، ومن ارتفاع سعر غالون البنزين على المستهلك الأميركي، سواء على صعيد الأفراد أو الصناعة أو التجارة أو الخدمات.
بايدن يخسر جونسون
يصل بايدن إلى المنطقة بعدما فقد حليفه القويّ بوريس جونسون الذي قدّم استقالته من رئاسة الحكومة البريطانية، وبعد تغيير رئيس الحكومة الإسرائيلي نفتالي بينيت المنتهية ولايته، وبعدما وصلت مفاوضات الدوحة مع إيران إلى شروط وصفتها الخارجية الأميركية بأنّها شروط إيرانية مستحيلة وتعجيزية.
باختصار زيارة بايدن للمنطقة هدفها الأساس هو خدمة المصالح الداخلية للحزب الحاكم والرئيس الذي يعاني ضعفاً سياسياً غير مسبوق لرئيس في فترته الرئاسية الأولى.
بصراحة الرحلة بالنسبة إلى بايدن هي رحلة إنقاذ لشعبية مرتبكة، وتنبئ بمستقبل سياسي فاشل، ولا يمكن إنكار أنّ ترحيب الدول التسع العربية بهذه القمّة يشير إلى أنّهم جميعهم بلا استثناء يدركون أنّهم قد يلتقون للمرّة الأخيرة بايدن قبل أن تعصف به معركة الانتخابات الرئاسية المقبلة.
يحتاج الطرفان العربي والأميركي تسويقياً إلى هذه القمّة. سوف يسوّقها الأميركي في الداخل مبيّناً أنّ الولايات المتحدة ما زالت مؤثّرة في الشرق الأوسط عقب خروجها المرتبك من كابول، وأنّها ما زالت تمتلك حلفاء يمكن أن تحاصر بهم نفوذ الدبّ الروسي. أمّا عربياً فسوف يتمّ استخدام هذه الزيارة في الداخل العربي لإظهار بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّ واشنطن لا يمكنها أن تستبدل العرب بدور إيراني أو تركي أو إسرائيلي.
يبقى السؤال الآن الأكثر خطورة: كيف يمكن التنسيق عسكرياً وأمنيّاً بين إسرائيل والدول المجتمعة في جدّة في حال انفلت الموقف الإيراني وقرّر الحرس الثوري الإيراني عدم توقيع الاتفاق وتسخين المنطقة؟
تلك معضلة كبرى، خاصة في ظلّ عدم وجود أيّ بوادر إيجابية في مشروع الدولتين بين إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية.
يتردّد أنّ زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس منذ يومين لرام الله ولقاءه الرئيس أبو مازن قد يكونان من أجل نوع من اتفاق الحدّ الأدنى على خارطة طريق يمكن التشاور عليها خلال زيارة بايدن بعد أيام.
إقرأ أيضاً: اجتماعات جُدّة: “والآن يدخل بن سلمان – بقوّة – إلى المستقبل”
باختصار هذا اجتماع مفيد، وهو اجتماع ضرورة لكلّ الأطراف، لكنّه بالتأكيد ليس اجتماعاً يفضي إلى تسويات كبرى أو حلول نهائية.