الخط 29 (4): هل اخترعه الأميركيون عبر أنطوان حدّاد؟

مدة القراءة 6 د

كُتب الكثير عن الخطّ 29 وعن مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. في هذا التحقيق المطوّل، عرض لأبرز “الروايات” المتناقضة حول كيفية ولادة هذا الخطّ، في الجغرافيا، ثم في السياسة، وفي الإعلام. ومحاولات للإجابة عن أسئلة كثيرة، أبرزها: هل تسرّبت شفّاطات العدوّ الإسرائيلي إلى غازنا ونفطنا، من تحت خلافاتنا الداخلية؟ وهل فرّطنا بثروة أولادنا وأحفادنا… طمعاً بكرسي الرئاسة أو ببعض المزاديات السياسية؟

5 حلقات كُتبت بناءً على مقابلات مع أحد المعنيين الأساسيين بهذا الملفّ إلى جانب رئيس الجمهورية، ومع أحد المعنيين القريبين من قيادة الجيش، ومع أحد وزراء حكومة حسّان دياب، ومع أحد الذين كانوا جزءا من فريق التفاوض في الناقورة، وكذلك بناءً على مقابلات مع حزبيين على علاقة مباشرة بهذا الملفّ، من الموقع التقني والعسكري والسياسي.

في الحلقة الرابعة اليوم محاولة للإجابة عن السؤال التالي: هل اخترع الأميركيون الخطّ 29 عبر أنطوان حدّاد… لتوريط رئيس الجمهورية؟  

في حزيران 2020 وقبيل استقالة حكومته وبناء على طلب الجيش، طلب الرئيس ميشال عون من الرئيس حسّان دياب عرض الملف، الذي سبق أن أرسله، على مجلس الوزراء لاتّخاذ القرار بشأنه، وهو ملفّ تعديل الحدود البحرية والمرسوم 6433.

بعد استقالة الحكومة تحمّس دياب لإصدار المرسوم بسبب من المزايدات السياسية التي تراكمت، وفي ظلّ حملة “وقّع يا ميشال”، والضغط على وزيرَيْ الأشغال والدفاع

بداية وافق دياب على عرضه، وحصل تواصل بين المدير العام للقصر الجمهوري أنطوان شقير والأمين العام لمجلس الوزراء محمود مكية، وأبلغه بذلك، وتمّت إضافة البند يوم الجمعة بناء على الاتفاق الذي تمّ خلال اجتماع رئيسَيْ الجمهورية والحكومة، وطلب من وزيرة الدفاع إعداد الملف.

كانت المفاجأة صباح الإثنين أنّ القاضي مكية اتّصل بشقير يبلغه أنّ دياب لم يعُد موافقاً على طرح الملفّ، وتمّ سحبه من جدول الأعمال. السؤال هنا: مع مَنْ تشاور دياب؟ ولماذا عدّل رأيه وسحب البند عن جدول الأعمال؟

اللافت أكثر أنّه بعد استقالة الحكومة تحمّس دياب لإصدار المرسوم بسبب من المزايدات السياسية التي تراكمت، وفي ظلّ حملة “وقّع يا ميشال”، والضغط على وزيرَيْ الأشغال والدفاع.

قيل يومها إنّ دياب وقّع المرسوم وأرسله إلى رئيس الجمهورية من دون قرار مجلس الوزراء، على عكس رأي هيئة التشريعات، وأرسل له قراراً غير قابل للتوقيع. واشترط نجار عدم السير بالتوقيع إلا بعد عرضه على مجلس الوزراء مجتمعاً. يومئذٍ قال سليمان فرنجية: “إذا كانوا يريدون الضغط علينا فقد وقّعناه، لكن لن يكون ساري المفعول إلا بعد نيل موافقة مجلس الوزراء”.

خلافاً لما تردّد من أنّ مراسلات بالجملة كان يتمّ إقرارها من خلال موافقات استثنائية، فقد اعتبرت بعبدا في حينه أنّ مثل هذه الموافقات تنطبق على نقل اعتماد كي يوقّع ثمّ يُسجّل التاريخ لاحقاً على سبيل التسوية، وليس على ترسيم حدود وطن يتعذّر إقراره قبل طرحه على الحكومة.

في هذا الوقت عقدت لجنة الشؤون الخارجية جلسة في مجلس النواب خُصّصت لبحث موضوع ترسيم الحدود البحرية، حضرها العقيد الركن البحري مازن بصبوص وأحد أفراد الوفد المفاوض، وكرّروا ما قالوه في الجلسة التي عُقدت في تشرين الأول 2021، وهو أنّ الخط 29 “ليس خطّ حدود وإنّما خط تفاوض”. وهذا الموقف أبلغه الوفد المفاوض إلى كلّ المفاوضين الأميركيين من دايفيد هايل إلى جون ديروشيه وصولاً إلى آموس هوكشتاين. فهل هو تكتيك لتقوية موقف لبنان في المفاوضات؟ وإذا كان كذلك فما الحاجة إذاً إلى إبلاغ الأميركيين بذلك؟

في بعبدا فُسِّر دور حداد على أنّه محاولة توريط للعهد، بينما كان الموضوع محصوراً بيد الجيش، وهو ما تسبّب بطرد حدّاد من القصر الجمهوري

مماطلة لصالح إسرائيل

لاحظت بعض التحليلات وجود محاولة للمماطلة في المفاوضات لمصلحة الإسرائيليين، حيكت بطريقة ذكية لإيهام لبنان بحقّه في مساحات إضافية، فيمرّ الوقت إلى أن تصل الباخرة ويصبح التفاوض تحت الضغط. لذا كان ما قام به أنطوان حداد موضع تشكيك .

تقول مصادر رئيس الجمهورية لـ”أساس” إنّ قيادة الجيش أرسلت عبر أنطوان حداد الكتاب إلى رئيس الجمهورية الذي حاول حداد إقناعه بضرورة تعديل المرسوم 6433. تمّ إعداد الكتاب بالفعل وصوّر حداد نسخة عنه عبر هاتفه وأرسلها إلى قائد الجيش. وهنا تدخّل باسيل ورفض إرسال الكتاب خشية أن يكون حجّة لوقف المفاوضات.

في بعبدا فُسِّر دور حداد على أنّه محاولة توريط للعهد، بينما كان الموضوع محصوراً بيد الجيش، وهو ما تسبّب بطرد حدّاد من القصر الجمهوري. حصل ذلك عشيّة وصول الوسيط الأميركي إلى لبنان، فكان جواب بو صعب للسفيرة الأميركية دوروثي شيا: “لا موقف لديّ بعد من بعبدا”، فأجابته: “لكنّ قائد الجيش أبلغني أنّ الخط 29 هو خط التفاوض، فيما أصبح التفاوض في اليوم الثاني على أساس اتفاق الإطار”.

في اليوم الثاني أصرّ الوفد المفاوض على الخط 29، فأنهى الوسيط الأميركي المفاوضات. وتقول شيا في هذا الصدد: “تعبت من كذب الحكومة”. وذهب الوفد المفاوض إلى بعبدا ليبلغ عون أنّ الأجواء “كانت جيّدة”، وأنّنا “استطعنا فرض مطلب لبنان”. اتّصل عون مستفسراً من الوزير الياس بوصعب الذي ينسّق مع الأميركيين، فأبلغه ما تبلّغه من الجانب الأميركي: “المفاوضات توقّفت”.

إقرأ أيضاً: الخط 29 (3): دياب لم يوقّع المرسوم 6433

تسبّب ما جرى بأزمة بين بعبدا وقيادة الجيش في اليرزة، التي نأت بنفسها عن الملف وعمّمت على المعنيين عدم التطرّق إلى الموضوع في الإعلام مجدّداً بعدما تلقّى القائد جوزف عون ورئيس الوفد المفاوض في الناقورة العميد بسام ياسين أصداء “انزعاج أميركي”. ولاذا بعدها بالصمت.

في بداية حزيران دعا “تجمّع الولاء للوطن” إلى حضور ندوة موضوعها “ترسيم الحدود البحرية”، يلقي الكلمة الأساسية فيها العميد الركن الطيار بسام ياسين، الذي كان يخوض حملة إعلامية ضدّ معارضي تعديل مرسوم الحدود 6433. لكن تمّ إرجاؤها، والتزم ياسين الصمت بعد زيارة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الأخيرة للبنان على أمل العودة بجواب إسرائيلي على المقترح اللبناني.

تنتهي كلّ تلك الحكاية مع عودة الوسيط الأميركي وفي حوزته الردّ الإسرائيلي على الاقتراح اللبناني. التكهّنات صعبة، وآموس سيصل إلى لبنان خلال الأسبوع المقبل أو الذي يليه، فإمّا تُستأنف المفاوضات أو “تخرب”.

في الحلقة الخامسة والأخيرة غداً:

أنطوان حدّاد: بطلٌ وطني.. أم عميل أميركي؟

مواضيع ذات صلة

إسرائيل تضرب حيّ السّلّم للمرّة الأولى: هل تستعيده الدّولة؟

بقي حيّ السلّم على “العتبة”، كما وصفه عالم الاجتماع وضّاح شرارة ذات مرّة في كتابه “دولة حزب الله”. فلا هو خرج من مجتمع الأهل كليّاً…

أمن الحزب: حرب معلومات تُترجم باغتيالات (2/2)

لا يوجد رقم رسمي لمجموع شهداء الحزب في حرب تموز 2006، لكن بحسب إعلان نعي الشهداء بشكل متتالٍ فقد تجاوز عددهم 300 شهيد، واليوم بحسب…

أمن الحزب: ما هو الخرق الذي سهّل مقتل العاروري؟ (2/1)

سلسلة من الاغتيالات طالت قيادات من الحزب وحركة حماس منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) على وجه التحديد توّجت باغتيالين كبيرين. الأوّل اغتيال نائب رئيس…

النزوح السوريّ (3): النظام لا يريد أبناءه

12 سنة مرّت على وصول أوّل نازح سوري قادم من تلكلخ إلى عكار في لبنان. يومها اعتقدت الدولة اللبنانية أنّها أزمة أشهر، أو سنة كأبعد…