أعني بالفلسطينيّين السلطة الرسمية، أمّا الناس الذين يعدّون بالملايين فهم منصرفون لشؤون حياتهم، ومَن لا يزال منهم يهتمّ بالسياسة، فرأسه ممتلئ بالتساؤلات التي لم يجد مَن يجيبه عنها بصدق وإقناع.
تعلن السلطة الرسمية بلا كلل أو ملل أنّها تنتظر زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وآخر ما أعلنه الرئيس محمود عباس أنّه جمّد للمرّة الثانية تنفيذ قرارات المجلس المركزي، وسيبتّ الأمر بعد لقائه المرتقب مع الرئيس بايدن.
حدّد عبّاس مطالبه من بايدن على النحو التالي:
– أن تقوم إدارته بإجراءات ملموسة من شأنها دفع عملية السلام إلى الأمام.
– أن تفي بوعودها السابقة، ومن بينها إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس، وإعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن.
– أن يقوم بايدن بالضغط على إسرائيل لوقف الأعمال الأحاديّة الجانب.
الرئيس بايدن الذي يعمل ليل نهار لوقف تراجع مكانته ومكانة حزبه داخل أميركا وحتى عند كثيرين من حلفائها، محقّقاً نتائج تبدو متواضعة
وهنالك طلبات أخرى لا بدّ أن تُطرح على طاولة المحادثات أو في الأروقة، ولا شكّ أنّها محقّة وتتطابق مع المعلَن من السياسة الأميركية تجاه الملف الفلسطيني الإسرائيلي. غير أنّ الاختلاف بين الجانبين الفلسطيني والأميركي يكمن في أنّ الأميركيين يكتفون بالكلام العامّ من دون بذل أيّ جهد يُذكر، بينما الفلسطينيون يرون أنّ الكلام الأميركي من دون فعل يعني إطلاق الحبل على الغارب للإسرائيليين كي يفعلوا ما يشاؤون من دون رادّ أو رادع.
حتى إنّ إدارة بايدن اقتصدت كثيراً في الانتقادات، التي كانت تعلنها كلّ الإدارات السابقة، والموجّهة إلى الاستيطان وغيره من السياسات التي تُسمّى بـ”الإجراءات الأحاديّة الجانب”.
الرئيس بايدن الذي يعمل ليل نهار لوقف تراجع مكانته ومكانة حزبه داخل أميركا وحتى عند كثيرين من حلفائها، محقّقاً نتائج تبدو متواضعة، ليس بوسعه موضوعيّاً إعطاء عباس أكثر ممّا أعطاه إيّاه حتى الآن. ذلك أنّ تحريك الملف الفلسطيني لا بدّ أن يمرّ من البوّابة الإسرائيلية، وإذا صدر عن بايدن أو عن أيّ مسؤول أميركي موقف لا ترضى عنه إسرائيل، فسوف يدفع ثمناً باهظاً، خصوصاً في هذا الوقت بالذات الذي يتأهّب فيه هو وحزبه لخوض الانتخابات النصفية التي لإسرائيل قدرة أكبر من قدرة الفلسطينيين على دعمه فيها أو عكس ذلك.
لا استئناف للمفاوضات
لذا فإنّ حكاية اتّخاذ إجراءات لاستئناف عملية السلام من دون رضا إسرائيل غير واردة، وقد يُستعاض عنها بأقوال لا تخرج في نصوصها وفاعليّتها عمّا قيل منذ وصول بايدن إلى البيت الأبيض.
بينما يهدّد الرئيس عباس بتنفيذ قرارات المجلس المركزي المتّخذة منذ سنوات، والتي تتجدّد نصّاً وتتجمّد فعلاً، لا يرغب الأميركيون في سماع أيّ قرار فلسطيني دراماتيكي كوقف التنسيق الأمني وسحب الاعتراف بإسرائيل وغير ذلك ممّا يُعتبر انقلاباً على بقايا تركة أوسلو، وسيعملون لكن تحت سقف الأقوال لا الأفعال لتهدئة عباس وإدخاله في دورة انتظار جديدة وتأجيل تنفيذ ما يهدِّد به للمرّة الثالثة أو الرابعة، إذا لم تُحتسب المرّات العديدة التي سبق أن اتّخذ فيها المركزي قرارات من هذا القبيل ووُصفت بالتوصيات للتهرّب من تنفيذها.
أمّا إسرائيل التي تجاهر بعدم جاهزيّتها حتّى لنِقاش أفكار أو مقترحات أوّليّة تتضمّن جملة “سلام مع الفلسطينيين”، فسوف تستقبل أيّ قرار فلسطيني بعدم اكتراث، بل بتجاهل كما لو أنّها لم تسمع به. أو ربّما تعمل على الترويج لموقف عباس المحقّ باعتباره انقلاباً أو تحريضاً مباشراً ينطوي على عداء سافر ومبيّت لإسرائيل. هكذا يقول قادتهم اليمينيون النافذون عن عباس قبل أن يتّخذ أيّ خطوة مضادّة، فماذا سيقولون إذاً بعد اتّخاذ خطوات عملية لِما يهدِّد به؟!
إقرأ أيضاً: زيارة بايدن… محطّات ودلالات
لن يقول الرئيس بايدن ولو كلمة واحدة لا ترضى عنها إسرائيل و “الإيباك” والديموقراطيين في أميركا. أمّا الرئيس عباس الذي لا تنقصه التجربة مع الأميركيين فهو يعرف ذلك حقّ المعرفة، لكن ليس أمامه سوى الانتظار لعلّ التهديد بالشيء يأتي ببعض الشيء.
وهذا كلّ ما في الأمر.