سنة تاسعة ثورة.. هل كانت مصر مستهدَفة حقّاً؟

مدة القراءة 7 د

لم يكن لدى الشباب الذين تظاهروا في ميدان التحرير عام 2011 خريطة طريق. كان الشباب يعرفون ماذا يريدون، لكنّهم لم يكونوا يعرفون ماذا يفعلون.

في الجانب الآخر كان هناك آخرون يعرفون ماذا يريدون، وماذا يفعلون، ومن المؤسف أنّ هؤلاء كانوا يعيشون خارج العصر، ويريدون لمصر أن تحيا خارج التاريخ.

مؤامرة علنيّة

ثمّة جدل واسع بشأن ما إذا كانت هناك مؤامرة خارجية تقف خلف ثورة 2011 في مصر. وفي تقديري أنّه لم تكن هناك مؤامرة أطلقت هذه الثورة، لكن عدم وجود مؤامرة وراء متظاهري ميدان التحرير لا يعني عدم وجود مؤامرة تتجاوز الميدان، وتحظى بدعم خارجي كبير، وذلك أنّ جماعات الإسلام السياسي كانت تتآمر ضدّ الدولة والشعب على مدار عقود طويلة.

في هذه السطور يمكنني نسج إطار روائيّ لتلك “المؤامرة العلنيّة” التي سعت إليها الجماعات الإرهابية، واعتقدتْ أنّ سقوط مبارك هو اللحظة المناسبة لسطْوة الظلام.

لم يكن لدى الشباب الذين تظاهروا في ميدان التحرير عام 2011 خريطة طريق. كان الشباب يعرفون ماذا يريدون، لكنّهم لم يكونوا يعرفون ماذا يفعلون

حدث في عام 2010

كان طالب الهندسة في “جامعة الملك عبد العزيز” أسامة بن لادن عضواً في جماعة الإخوان المسلمين. وفي عام 1988 قام بتأسيس تنظيمه الخاصّ باسم “القاعدة”.

وكان طالب كليّة الطبّ في جامعة القاهرة أيمن الظواهري عضواً في جماعة الإخوان المسلمين. وفي عام 1993 أصبح زعيماً لتنظيم الجهاد المصري.

في عام 1998 التقى المهندس السعودي والطبيب المصري وأسّسا معاً “الجبهة العالمية للجهاد”، لكن ظلّ الاسم المعروف لوحدة الجهاد والقاعدة: “تنظيم القاعدة”.

هكذا أصبح تنظيم الجهاد المصري، الذي يستهدف إسقاط الدولة المصرية وجعلها ولايةً ضمن خلافة مزعومة، تنظيماً دوليّاً انتقل من المحليّة إلى العالميّة، ومن ضيق الحركة في القاهرة إلى حرّية التدمير في كابول.

كان أحد مساعدي الظواهري في رحلة العولمة هذه شخصاً يُدعى عبد المنعم عزّ الدين البدوي، وله اسمان للشهرة هما “أبو حمزة المهاجر” و”أبو أيّوب المصري”. وُلد أبو حمزة المهاجر في مركز أبو كبير في محافظة الشرقية بشمال مصر، ومن أفغانستان غادر إلى العراق حيث أصبح نائباً لأبي مصعب الزرقاوي. ولمّا قُتل الزرقاوي أصبح زعيماً لتنظيم القاعدة في العراق.

إنّ أبا حمزة المهاجر هو المؤسّس الحقيقي لتنظيم داعش، إذ التقى وهو زعيم القاعدة في العراق بـأبي عمر البغدادي، فتحالفا معاً، وأصبح المهاجر نائباً لأبي عمر. وفي عام 2010 قُتِلا معاً، بعدما كانا قد أسّسا تنظيم “داع”، أي تنظيم الدولة في العراق.

تسلّم أبو بكر البغدادي التنظيم الذي أسّسه أبو حمزة المهاجر وأبو عمر البغدادي، وأضاف الشام إلى العراق، ليصبح تنظيم الدولة في العراق والشام بعدما كان في العراق فقط. وبهذا أصبح اسم التنظيم “داعش” بعدما كان “داع”.

آل الظواهري.. حدث عام 2011

في عام 2011 وقعت الثورة في مصر، وبينما كان الشباب الثائرون ينتظرون وطناً أفضل، كان المتطرّفون يسارعون إلى السيطرة على المشهد من دون انتظار.

تحت ضغوط من جماعة الإخوان وحلفائها تمّ الإفراج عن محمد الظواهري الشقيق الأصغر لأيمن الظواهري، بعد شهريْن فقط من سقوط مبارك. وبعد شهرين آخرين قُتِل أسامة بن لادن وأصبح أيمن الظواهري زعيماً للقاعدة.

وهكذا في مئة يوم تقريباً خرج محمد الظواهري للعمل في مصر، وسيطر شقيقه أيمن على التنظيم في أفغانستان.

في تلك الظروف تشكّل المشهد الثاني من الزحف الإرهابي العالمي نحو القاهرة. في المشهد الأوّل يرث تلاميذ أبي حمزة المهاجر من المصريّين جزءاً مهمّاً من تنظيم داعش ويستعدّون للسيطرة على مصر. وفي المشهد الثاني يصعد مصريّان آخران إلى السطح: ظواهري في القاهرة، وظواهري آخر عند قمّة القاعدة.

آل الزمر.. حدث عام 2012

في احتفالات مصر بالانتصار على إسرائيل في حرب عام 1973، وبينما كان المصريون ينتظرون أمام الشاشات لرؤية الاحتفال الكبير الذي أُقيم في استاد القاهرة إحياءً للنصر المجيد، فوجئ الشعب بوجود عبود الزمر وطارق الزمر، من التنظيم الذي قتل الرئيس الشهيد أنور السادات، يتصدّران الاحتفال، بدلاً من رؤية أبطال الحرب وعائلات الشهداء.

كان الرئيس الأسبق محمد مرسي يخطب في جمهور يمثّل الجزء الأكبر منه ائتلافاً واسعاً من المتطرّفين، في رسالة واضحة: “نحن نعيد كتابة التاريخ. لقد قتلنا قائد النصر، لكنّنا نحن من يحتفل بالنصر.. إنّنا جميعاً حلفاء وفي قارب واحد، الإخوان والجهاد والقاعدة.. كلّنا خلف الرئيس، ونحن قادة المستقبل”.

لم تكن هناك مؤامرة أطلقت ثورة 2011 في مصر، لكن عدم وجود مؤامرة وراء متظاهري ميدان التحرير لا يعني عدم وجود مؤامرة تتجاوز الميدان

مرسي في باكستان.. حدث عام 2013

في ربيع عام 2013 قام الرئيس السابق محمد مرسي بزيارة باكستان، وقد احتفت الجماعات الباكستانية المتطرّفة بالزيارة احتفاءً كبيراً.

ذكرت تقارير صحافية عديدة أنّ الرئيس محمد مرسي التقى زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في أثناء الزيارة. وقد نفت الرئاسة المصرية وقوع ذلك اللقاء.

لكنّ النفي لم يمنع من استمرار الحديث بشأن شيء ما حدث في أثناء زيارة مرسي لباكستان. وقد ذهب البعض إلى أنّ اتّصالاً لا لقاءً قد تمّ بين مرسي والظواهري، وأنّ رئيس ديوان رئيس الجمهورية السفير رفاعة الطهطاوي، وهو ابن خالة أيمن الظواهري، هو من رتّب اللقاء. وقد نفت الرئاسة من جديد أيّ تواصل مع أيمن الظواهري في أثناء زيارة باكستان.

قام زعيم داعش أبو بكر البغدادي بتأكيد دعم أيمن الظواهري لمحمد مرسي، وفي كلّ الأحوال كان شقيق أيمن الظواهري، الذي لم تنقطع صلته بشقيقه، واحداً من المقرّبين والفاعلين في السلطة، ولم تكن هناك حاجة إلى المغامرة من قبل مسؤولين رسميين، فالظواهري “الأخ” يقوم بذلك.

ولمّا قامت ثورة 2013 وسقط الإخوان، وانطلق الإرهابيون يقتلون في شمال سيناء، قال الدكتور محمد البلتاجي الذي كان يطمح إلى منصب وزير الداخلية في عهد مرسي: إذا توقّف السيسي عن “الانقلاب” سيتوقّف ما يحدث في سيناء في اللحظة نفسها.

قبل نهاية عام 2013 وقع حادث تفجير مديرية أمن المنصورة. كان المشهد مروّعاً والخسائر كبيرة، ولو أنّ شخصاً شاهد مقاطع وصور التفجير من دون معرفة اسم المكان، لتصوّر على الفور أنّ الحادث وقع في كابول أو قندهار.

خاتمة

لقد تتابعت المشاهد كالتالي: يتحالف أيمن الظواهري مع أسامة بن لادن عام 1998 وتصبح الإدارة الفعليّة للقاعدة إدارة مصريّة. يؤسّس أبو حمزة المهاجر مساعد الظواهري داعش، ويرحل عام 2010 تاركاً مجموعة مصرية تتطلّع إلى القاهرة. يخرج محمد الظواهري من السجن، ويتزعّم أيمن الظواهري القاعدة عام 2011، ويتصاعد الأمل باتجاه سقوط القاهرة. يحلّ عبود الزمر وقادة الإرهاب في عام 2013 محلّ أسرة الرئيس السادات وعائلات الشهداء في احتفالات نصر 1973. تنتشر أنباء عن اتصالات بين الرئاسة المصرية وأيمن الظواهري عام 2013، والرئاسة تنفي وداعش تؤكّد. في منتصف 2013 يعِد الإخوان بتوقّف الإرهاب إنْ عادوا للسلطة. وفي نهاية 2013 يقع تفجير في المنصورة على الطريقة الأفغانية.

إقرأ أيضاً: هكذا تحدّث شيخ الأزهر.. الإسلام في القرن الـ21

هكذا سعى المتطرّفون بخطى منظّمة ومدروسة ومدعومة، من أجل الحصول على مصر، الجائزة الكبرى.

يقول البعض: “كان الإسلاميون يريدون الديمقراطية، ولم تكن هناك مؤامرة”.

هنا ينتهي الكلام، فالعقل شرط رئيسي للحوار.

* كاتب وسياسيّ مصريّ. رئيس مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجيّة. عمل مستشاراً للدكتور أحمد زويل الحائز جائزة نوبل في العلوم، ثمّ مستشاراً للرئيس المصري السابق عدلي منصور.

له العديد من المؤلَّفات البارزة في الفكر السياسي، من بينها: الحداثة والسياسة، الجهاد ضدّ الجهاد، معالم بلا طريق، أمّة في خطر، الهندسة السياسية.

مواضيع ذات صلة

تشدّد الرّياض: عودة عربيّة إلى نظام إقليميّ جديد؟

توحي نتائج القمّة العربية – الإسلامية بأوجه متعدّدة لوظيفة قراراتها، ولا تقتصر على محاولة فرملة اندفاعة إسرائيل العسكرية في المنطقة. صحيح أنّ القمّة شكّلت حاضنة…

الحرب الأهلية: هواجس إيقاظها بصورٍ كريهة

 اللغو اللبناني حول حظوظ البلد بارتياد آفاق حرب أهلية جديدة، ارتفع. قد يكون هذا الارتفاع على وسائل التواصل الاجتماعي سببه “شامت” بالوضع أو رافض لـ”الرفق”….

الرياض: حدثان اثنان لحلّ لبنانيّ جذريّ

في الأيّام القليلة الماضية، كانت مدينة الرياض مسرحاً لبحث جدّي وعميق وجذري لحلّ أزمات لبنان الأكثر جوهرية، من دون علمه، ولا علم الباحثين. قسمٌ منه…

الحزب بعد الحرب: قليل من “العسكرة” وكثير من السياسة

هل انتهى الحزب؟ وإذا كان هذا صحيحاً، فما هو شكل اليوم التالي؟ وما هي الآثار السياسية المباشرة لهذه المقولة، وكذلك على المدى المنظور؟ وما هو…