حماس في دمشق: حدث إيراني

مدة القراءة 5 د

لا شيء في السياسة العامة يفيد حركة حماس ونظام الرئيس بشار الأسد في سوريا بالعودة إلى التآلف والتحالف. ولن تغير هذه المصالحة العتيدة شيئا من واقع الاصطفافات الإقليمية ولن يتبدل أي شيء في موازين القوى الخاصة بسوريا أو تلك الخاصة بفلسطين.

لأزمة الجانب الفلسطيني تفاصيل بيتية يرتبط جانب منها بحالة الانقسام بين “ضفة” و “قطاع”، وتفاصيل بنيوية عامة ترتبط بحالة الاحتلال والعلاقة المأساوية مع سلطة الاحتلال. ولأزمة الجانب السوري تفاصيل اقتصادية ومعيشية وأمنية وعسكرية وجيوستراتيحية. أما تقارب حماس-دمشق فهو خلط عشوائي لأزمات دون أي افق خلاق أو استراتيجية حذقة.

في علم العلاقات الدولية سيكون مفهوما وربما ضروريا أن تنسج حماس علاقة مع طهران وأخرى مع موسكو

تفعيل علاقات حركة حماس والنظام السوري هو حدث إيراني بامتياز. وأن يُحكى عن دور حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصر الله في التوسّط بين الطرفين لرأب الصدع بينهما، فذلك تأكيد على أمر عمليات من طهران يجد مفاعيله في غزة ويجري تدبيره بين بيروت ودمشق.

والحال أن قطيعة حماس مع نظام دمشق جاءت منذ عام 2011 جزءا من ورشة الإسلام السياسي الشاملة داخل بلدان المنطقة. وإذا ما كان “إخوان” سوريا بقوا بعيدين عن “إخوان” المنطقة في علاقاتهم الحميمة القديمة مع إيران (الداعم الأول للنظام في سوريا)، فإن قطيعة حماس مع دمشق مثّلت موقفا متّسقا مع مواقف المعارضة السورية نعم، لكنها التحقت أساساً بموسم الجماعات الإسلامية العربية التي انتعشت إثر “ثورة الياسمين” التونسية. أما عودة حماس إلى دمشق فهي واجهة من أعراض تصدّع خطاب تقادم ستجد الحركة صعوبة في تبرير نقيضه.

في علم العلاقات الدولية سيكون مفهوما وربما ضروريا أن تنسج حماس علاقة مع طهران وأخرى مع موسكو. ولا مصلحة ذاتية لحركة حماس أن تعيد الارتباط بعلاقة مع دمشق إلا ربما اتباعا لإرادة طهران وإرضاء لرغبة موسكو. وهنا ينتمي ما تُقدم عليه حماس إلى تمرين لحساب الآخرين.

ترتيب فصائل إيران بالمنطقة

في الكلام عن تصدّع داخل حركة حماس بين الجناح الإيراني والجناح التركي، فإن جناحاً في حماس يعمل لصالح طهران ويجاهر دائما في فضائلها قد اتّسق مع نفسه في الانسجام تماما مع “محور المقاومة” بصفته معسكر التابعين المخلصين الأوفياء لإرادة الوليّ الفقيه، وهو على هذا “عائد إلى حضن الوطن”. أما سكوت التيار الآخر في الحركة القريب من أنقرة فإنه على حرجه فقد ارتضى صمتاً متّسقاً تماما مع السياسة الضبابية التي تنتهجها تركيا حيال إيران. ومع ذلك فإن حديث حماس بأن القرار في شأن استئناف العلاقات مع دمشق أُخذ “بالاجماع” يراد منه ضبط إيقاع الجناحين

قبل أسابيع أعلن قياديّ في “القسام” عن غرفة أمنية مشتركة تضم فصيله وحزب الله والحرس الثوري الإيراني. وفي هذا تطور يؤشر إلى الدرب الذي يقود حماس إلى دمشق.

ترتب إيران أمر فصائلها في المنطقة.

تدبر أمر جماعاتها في العراق دون صدام مع الزعيم العراقي مقتدى الصدر مستفيدة من انكفائه بسببها، وفق ما بدأ الصدر نفسه يعلنه مستنتجاً علناً مسؤولية شبكات طهران في عرقله أي تطور لحكم العراق.

تتعايش مع المستجد في اليمن مواكبة موقف جماعة الحوثي من الهدنة وما يروج عن نشاط أممي أميركي لانتاج تسوية ما ترتقي بالهدنة من إطار المؤقت الممد له إلى مستوى وقف إطلاق النار وإطلاق المفاوضات السياسية. وبالتوازي طبعا مع حوار سعودي إيراني يسعى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لإعادة تفعيله.

وترعى سعي حزبها في لبنان لاستيعاب الهزيمة التي مني بها تحالفه في الانتخابات النيابية الأخيرة. وتمسك بواسطة الحزب وسلاحه، وأيا كانت نتائج الانتخابات، بمفاتيح السلم والحرب، كما بمستقبل ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل.

وفق تلك الرعاية أسقطت بيروت الخطّ 29 واعادت تعويم الخطّ 23 ولا يهمّ ما سببه أمر ذلك من غبطة للمبعوث الأميركي آموس هوكشتاين الذي ذكّر حزب طهران قبل مغادرته أن “لبنان لا يملك شيئا” وعليه القبول بما يتاح أن يُعرض عليه.

استدعاء من نصر الله

في رحلة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية إلى لبنان ما يشبه الاستدعاء. تسلّم من نصر الله خارطة الطريق التي ستقوده والحركة التي أسسها الشيخ أحمد ياسين من جديد صوب دمشق.

خرجت حماس من هناك مُمنيّة النفس بالعودة إلى سوريا بعد سقوط نظامها وسقوط العاصمة في أيدي “إخوانها”. غابت حماس أعواما لتعود من جديد من بوابة طهران وبرعاية حزبها في لبنان.  أحد المنابر القريبة من حزب الله وجد تخريجة للأمر بالتذكير على نحو مُفحم بأن “سوريا لا تبدّل مواقفها من القدس والقضية الفلسطينية ومن الوقوف الى جانب المقاومة”.

إقرأ أيضاً: هنيّة في بيروت: الحزب يفتتح “حماس لاند”.. ويصالحها مع الأسد

لن تسأل دمشق وفد الحركة لماذا تعودون؟ فحتى قبول سوريا بعودة “الابن الضال” هو أمر عمليات إيراني، بحيث ينتمي الجميع إلى الفيالق والفصائل والجماعات والتيارات التي في هزالها وأزماتها تنشدُ التظلل تحت سقف نظام الوليّ الفقيه في عزّ تضعضعه وقمّة أزماته.

في أيلول 2020 نُظم لهنية داخل مخيم عين الحلوة جنوب لبنان استقبال شعبي صاخب فاجأ فلسطينيي لبنان كما الرأي العام اللبناني. يأتي الرجل هذه الأيام برعاية كاملة من حزب الله زائرا لقادة لبنان، معرّبا عن رفضه للتوطين ورفضه لسرقة إسرائيل ثروات لبنان. في رام الله من يراقب من بعيد، وربما بخيبة وكلل، من يسطو على موقع “الممثل الشرعي والوحيد”.

مواضيع ذات صلة

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

المطربة والفنانة اللبنانية الشهيرة ماجدة الرومي، كانت نجمة الأيام القليلة الفارطة، ليس بسبب إبداعها وجمال صوتها “الكريستالي”، ولا بروائع أعمالها الغنائية، وهي تستحق هذا كله،…

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…