نجحَ الطّبيب الأوروبيّ، بجرعة دواءٍ قطريّ – عُمانيّ، في محاولته، لمرّة أخيرة، إنعاش المفاوضات النّوويّة بين إيران والمجموعة الدّوليّة.
بعد موتٍ سريريّ لـ100 يوم، عادَت إيران إلى طاولة المفاوضات النّوويّة. 100 يومٍ تلقّت خلالها إيران لكمات إسرائيليّة بضوءٍ أخضر أميركيّ أظهرَ مدى الهشاشة الأمنيّة في بلاد فارس. والأرجح أنّ العودة إلى طاولة المفاوضات لن تكون على الأراضي الأوروبيّة في العاصمة النّمساويّة فيينا.
فقد كشف مصدر دبلوماسيّ أميركيّ لـ”أساس” أنّ الجهود الثّلاثيّة الأوروبيّة – القطريّة – العُمانيّة أفضت مبدئيّاً إلى نقل الطّاولة من فيينا إلى عاصمة خليجيّة، لم يُحسَم حتّى السّاعة هل تكون العاصمة القطريّة الدّوحة، أو العُمانيّة مسقط. والدوحة هي أوفر حظّاً في استضافة المُفاوضات في حال حُسمَ أمرُ نقلها من فيينا.
كشف مصدر دبلوماسيّ أميركيّ لـ”أساس” أنّ الجهود الثّلاثيّة الأوروبيّة – القطريّة – العُمانيّة أفضت مبدئيّاً إلى نقل الطّاولة من فيينا إلى عاصمة خليجيّة، لم يُحسَم حتّى السّاعة
كيفَ عادَت المفاوضات النّوويّة إلى مجاريها؟
أوّلاً: شهدت إيران في الفترة الأخيرة خروقاتٍ أمنيّة من العيار الثّقيل. فقد اغتال الموساد أحد أهمّ ضبّاط “فيلق القدس” صيّاد خدائي في قلب العاصمة طهران. وقُتِلَ أكثر من عالم وضابط إيرانيّ على صلة بالبرنامج النّوويّ والصّاروخيّ والطائرات المُسيّرة في “ظروفٍ غامضة”، لكنّ طبيعة هؤلاء الشّخصيّات تؤكّد أنّهم قضوا في اغتيالات مُمنهجة وليسَ في ظروفٍ طبيعيّة.
أدّت الخروقات الأمنيّة إلى ما يشبه الانقلاب في أجهزة الاستخبارات الإيرانيّة، إذ أُقيل رئيس استخبارات الحرس الثّوريّ الشّيخ حسين طائب، اليد الضّاربة لنجل المرشد الإيرانيّ مجتبى خامنئي، واستُبدل بالعقيد محمّد كاظمي، المعروف في أوساط الباسدران بـ”صيّاد الجواسيس”، الذي نجح سابقاً في خطف مُعارضين إيرانيين من تركيا التي فشلَ على أراضيها سلفه حسين طائب. وأمس أعلن المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني، العميد رمضان شريف تغيير قائد حرس حماية المرشد الإيراني السيد علي خامنئي، وتعيين قائد آخر خلفاً له.
يشيرُ هذا إلى غضب المرشد الإيرانيّ من أداء نجله مجتبى الذي يسعى إلى التّغلغل داخل المؤسّسات الأمنيّة والعسكريّة في محاولة لحجز مقعد والده وقطع الطّريق أمام مُنافسيه على كرسيّ “الوليّ الفقيه”. لكن يبدو أنّ دماء خدائي ورفاقه قطعت بدورها الطّريق على نجل خامنئي.
ثانياً: بحسب مصدر مُقرّب من الإيرانيين، منحَت إدارة الرّئيس الأميركيّ جو بايدن أخيراً ضوءاً أخضرَ غير مُعلَن لإيران لرفع صادراتها من النّفط الخام إلى الصّين، مع غضّ نظرٍ أميركيّ. وقد تعدّى الإنتاج الإيراني المُصدَّر إلى بكين مليونَيْ برميل.
ثالثاً: زارَ وزير الخارجيّة الرّوسي سيرغي لافروف العاصمة الإيرانيّة طهران يوم الجمعة الماضي. وبحسب معلومات “أساس”، فقد استحوذ الملف النّوويّ على قسم كبير من المفاوضات، إذ إنّ روسيا تسعى إلى رفع العقوبات عن إيران لتنفيذ العقود المُتّفق عليها مع طهران، المقدّرة بمليارات الدّولارات، والمتعلّقة بتطوير وتشييد المنشآت النّوويّة الإيرانيّة.
رابعاً: أجرى وزير الخارجيّة العُمانيّ بدر البوسعيدي اتّصالاً مطوّلاً مع نظيره الإيرانيّ حسين أمير عبد اللهيان ليل الجمعة تناول خلاله الطّرفان الجهود العُمانيّة في إعادة المُفاوضات بين إيران والمجموعة الدّوليّة. وقد نقلَ البوسعيدي إلى عبداللهيان نتائج الوساطة التي قامَ بها السّلطان هيثم بن طارق عقب لقائه الرّئيس الإيرانيّ إبراهيم رئيسي قبل أسابيع في مسقط.
خامساً: تجلّت الخطوة الأبرز في الزّيارة المُفاجئة التي قامَ بها منسّق السّياسة الخارجيّة في الاتحاد الأوروبيّ جوزيب بوريل يوم السّبت لطهران، حيث التقى بعبداللهيان أكثر من 4 ساعات. وكان له اجتماع مع أمين المجلس القوميّ في طهران علي شمخانيّ. وأعلن أنّ محادثات فيينا “ستُستأنف في الأيام المقبلة”.
تؤكّد مصادر أميركيّة رسميّة لـ”أساس” أنّ بوريل لم يحمل أيّ مبادرة جديدة، بل كلّ المساعي تصبّ في اتجاه عودة المفاوضات إلى السّكّة الصّحيحة. وتكشف هذه المصادر أنّ بوريل نقلَ تهديداً أميركيّاً إلى طهران مُفاده أنّه “إن لم تجد إيران حلّاً لمسألة إيقاف كاميرات المُراقبة التابعة للوكالة الدّوليّة للطاقة الذّريّة في المنشآت النّوويّة خلال أسبوعيْن، فإنّ مُفاوضات الاتفاق النّوويّ قد تتوقّف مرّةً أخيرة، وإلى الأبد”.
سادساً: ترقّب زيارة الرّئيس الأميركيّ جو بايدن للرّياض منتصف تمّوز المُقبل. إذ تخشى إيران أن يُشكّل بايدن حلفاً دفاعياً بين العرب وإسرائيل، وربّما تركيا، في وجهها من دون أن تكون قد قطفت ثمار الاتفاق النّوويّ. ويعتبر مراقبون أنّ منطق الأمور يدفع باتجاه أن تطلب السعودية من بايدن موقفاً حاسماً من أذرع إيران في المنطقة، خصوصاً في اليمن.
سابعاً: تناقلت وسائل إعلام خبراً عن أنّ الولايات المُتّحدة رفعت حظر دخول الولايات المُتحدة عن الأعضاء السّابقين في الحرس الثّوريّ “ما لم يشكّلوا خطراً على الأمن القوميّ الأميركيّ”. إلّا أنّ مسؤولاً أميركيّاً قال لـ”أساس” إنّ القرار يشمل الأعضاء الأفغان فقط، وليسَ الإيرانيين.
هكذا عادَت إيران إلى المفاوضات النّوويّة على وقع العصيّ الإسرائيليّة، المُبارَكة أميركيّاً، والجزَر الأميركيّ عبر القنوات الأوروبيّة والعُمانيّة والقطريّة.
إقرأ أيضاً: مفاوضات فيينا: “الجميع يكسب إلا العرب”
الأكيد أنّ المُفاوضات لن تكون سهلةً على الإطلاق، خصوصاً مع الضّربات القاسية التي تلقّتها طهران، لكن في الوقت عينه تُعطي الأطماع الرّوسية والصّينيّة والأوروبيّة في التجارة والنّفط والغاز الإيرانيَّيْن نافذة أملٍ، قد لا تبقى مُشرّعة إلى الأبد في حال قرّرَ البيت الأبيض سدّها، وإلى الأبد…