لم تكن تفصيلاً عابراً الكلمة التي ألقاها رئيس دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الدكتور أحمد أبو هولي في الجلسة الختامية لاجتماعات اللجنة الاستشارية التي انعقدت يومَيْ 14 و15 من الشهر الجاري، في العاصمة اللبنانية بيروت. بل هي ظهّرت القلق الفلسطيني الرسمي والشعبي العميق من محاولات تصفية وكالة غوث وتشغيل الفلسطينيين الأونروا، ومعها القضية الفلسطينية، تحت عناوين مختلفة، وفي ظلّ معطيات دولية وإقليمية وعربية أقلّ ما يُقال عنها أنّها صادمة.
اعتبر أبو هولي أمام اللجنة الاستشارية إنّ “ما يتمّ طرحه من زيادة شراكات الأونروا مع المنظمات الدولية، كأحد الخيارات المطروحة لضمان استمرارية الخدمات المقدّمة للّاجئين الفلسطينيين في ظلّ استمرار العجز المالي في ميزانية الأونروا المقدَّر قيمتها بـ100 مليون دولار، يجب ألّا يمسّ بتفويض الأونروا الممنوح لها وفق القرار 302”. ورفض سياسات التقليص التدريجي لخدمات الأونروا التي وصلت إلى أدنى حدودها، أو تحويل خدماتها ونقلها إلى المنظمات الدولية.
الأزمة الماليّة هي الأقسى في تاريخ الأونروا، ولا تحدث من فراغ بل وسط تحوّل الاهتمام العالمي إلى مكان آخر، إلى الأزمة الأوكرانية، وبسبب الإرهاق العامّ والملل اللذين أصابا الاتحاد الأوروبي والدول المانحة
يأتي عقد اللجنة الاستشارية في لبنان خلال فترة صعبة جدّاً بالنسبة إلى وكالة الأونروا، وهي فترة مؤلمة كثيراً للاجئي فلسطين بسبب التحدّيات المالية التي تواجهها وكالة الأونروا، والتي قد تؤدّي إلى التآكل البطيء لجودة خدماتها أو إلى توقّفها، وفي ظلّ حرص الأونروا على إبراز وضع حوالي 210 آلاف لاجئ فلسطيني يعيشون في لبنان. وأكثر من 80% من أطفال لاجئي فلسطين الرضّع في لبنان لا يحصلون على ما يكفي من الحليب للنموّ الطبيعي. يأتي ذلك فيما يعاني لبنان إحدى أسوأ أزماته الماليّة في التاريخ، إذ تفيد التقارير أنّ 86% من لاجئي فلسطين في لبنان يعيشون تحت خطّ الفقر.
تجدر الإشارة إلى أنّ اللجنة الاستشارية لوكالة الأونروا مكلّفة بمهمّة تقديم المشورة والمساعدة للمفوّض العامّ للأونروا لدى قيامه بتنفيذ مهامّ الوكالة وتنفيذ برامج الأونروا. وقد انطلقت اجتماعاتها برئاسة لبنان ومشاركة ممثّلي 28 دولة من مانحي المساعدات المالية، لبحث كلّ القضايا المتعلّقة بوكالة الأونروا.
أوكرانيا أيضاً
الأزمة الماليّة هي الأقسى في تاريخ الأونروا، ولا تحدث من فراغ بل وسط تحوّل الاهتمام العالمي إلى مكان آخر، إلى الأزمة الأوكرانية، وبسبب الإرهاق العامّ والملل اللذين أصابا الاتحاد الأوروبي والدول المانحة، فبات البعض يرى أنّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أصبح طويلاً ومزعجاً وغير قابل للحلّ.
إلى ذلك فإنّ تحوّل الأولويّات الجيوسياسية والحركات الإقليمية الجديدة وظهور أزمات إنسانية جديدة، دفع الملفّ الفلسطيني إلى أسفل قائمة الأولويّات لدى العديد من البلدان المانحة. وفي ظلّ الافتقار إلى الآفاق السياسية، تستمرّ المحاولات لشطب لاجئي فلسطين والوكالة التي تمثّلهم.
كان فيليب لازاريني المفوّض العامّ للأونروا قد أثار زوبعة عندما عرض في رسالة موجّهة إلى اللاجئين الفلسطينيين قبل أشهر طبيعة الأزمة المالية التي تواجهها الأونروا مع تزايد الأعباء وتقليص التمويل من جانب الدول المانحة. وذكر أنّ أحد الخيارات التي تتمّ دراستها حالياً هي “زيادة الشراكات داخل منظومة الأمم المتحدة، حيث من الممكن وفق هذا الخيار تقديم الخدمات من المؤسسات الدولية نيابة عن الأونروا وتحت توجيهها”.
حاولت واشنطن إعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني، عبر طرح مؤيّدي إسرائيل لقضية توريث اللجوء داخل الكونغرس، وسحب صفة “لاجئ فلسطيني” من الأبناء والأحفاد واقتصارها على الأجداد الذين لن يبقى منهم أحد حيّاً بفعل الفناء الفردي
رأى الفلسطينيون في هذا الإعلان تساوقاً مع المخطّطات الأميركية والإسرائيلية الرامية إلى تقليص دور الوكالة كمقدّمة لإنهاء وتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، إذ إنّ الغاية الجوهرية من ملاحقة الأونروا إلغاء قيمتها السياسية بما هي شاهد دوليّ على نكبة فلسطين وحقّ العودة.
بيد أنّ المفوّض العام للأونروا لازاريني نفى أمام اللجنة الاستشارية لوكالة الأونروا في بيروت وجود خطط لتفويض أطراف أخرى مهامَّ الأونروا، وفي كلمته قال: “دعوني أكن واضحاً، فإنّ ما ورد في رسالتي المؤرّخة في 23/4/2022، والتي ذكرت فيها أنّ الخدمات يمكن تقديمها عبر وكالات الأمم المتحدة الأخرى، مستخدماً “بالنيابة عن”، لم أقصد به أن تكون بديلاً عن الأونروا، فأنا ملتزم بقرار تفويض الأونروا 302″، وأضاف أنّه لن يسمح بنقل مهامّ الأونروا وصلاحيّاتها إلى أيّ منظمة دولية أو أيّ طرف آخر.
تشير مصادر الأونروا إلى أنّ أسباب الضغوط الحادّة التي تتعرّض لها الإدارة العليا للأونروا هي عدم وجود تمويل كافٍ من الدول الأعضاء لتنفيذ تفويض الجمعية العامّة، ومطالبات بعض المانحين بتعديل عمليات الأونروا، والمضيفون ولاجئو فلسطين الذين يرون في أيّ تغيير في عمليات الأونروا خطوةً نحو التعدّي على حقوق اللاجئين وتدمير الأونروا.
عدم التجديد للأونروا؟
على الرغم من تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 15/11/2019، من أجل تجديد ولاية الأونروا لثلاث سنوات، بدعم من 170 دولة، مقابل معارضة الولايات المتحدة وإسرائيل، وامتناع 7 دول، إلا أنّ هناك مخاوف حقيقية من عدم التصويت لتجديد ولايتها في المرحلة المقبلة، خصوصاً مع وجود حملة شعواء تتّهمها بالفساد. فمن المعروف أنّ الحكومة الإسرائيلية، وخصوصاً في عهد بنيامين نتانياهو، حرّضت الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على تقييد عمل وكالة الغوث ونقل خدماتها إلى منظمات دولية أخرى لإلغاء الصلة بين الأونروا وحقّ العودة. هذا ودعا ممثّل إسرائيل في الأمم المتحدة، جلعاد أردان، إلى تفكيكها، لأنّها حسب زعمه “هيئة تديم مشكلة اللاجئين بدلاً من حلّها”، وأمّا السبب الحقيقي لهذه الدعوة فهو “أنّها الشاهد الحيّ على النكبة الفلسطينية”.
لذلك تزايدت الضغوط في عهد ترامب على الوكالة الأممية بشكل هائل وغير مسبوق، وذهب ترامب بعيداً في محاولته تفكيكها عبر قطع التمويل الأميركي عنها، لتطويقها وتجفيف مواردها، وذلك لإزاحة قضية اللاجئين عن طاولة المفاوضات ولتعبيد الطريق أمام صفقة القرن.
حاولت واشنطن إعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني، عبر طرح مؤيّدي إسرائيل لقضية توريث اللجوء داخل الكونغرس، وسحب صفة “لاجئ فلسطيني” من الأبناء والأحفاد واقتصارها على الأجداد الذين لن يبقى منهم أحد حيّاً بفعل الفناء الفردي.
إقرأ أيضاً: حكومة بينيت “شركة” قيد التصفية؟
عندما فاز جو بايدن، قدّمت إدارته في عام 2021 مساعدة للفلسطينيين في شكل حزمة ماليّة فوريّة، من بينها 150 مليون دولار للأونروا، لكن بشروط، إذ وقّعت الولايات المتحدة اتفاقية إطار للتعاون لعامَيْ 2021 و2022، مع الأونروا، وأبرز القضايا التي طرحتها الاتفاقية هي تعديل الكتب المدرسية من خلال تطبيق مبادئ “الحياد والاستقلالية وعدم التحيّز” و”نبذ العنف والتعصّب”، بما في ذلك “معاداة السامية”. وتعني الترجمة الفلسطينية لهذه الإجراءات: نبذ أعمال المقاومة الفلسطينية في المناهج الدراسية، وعدّم التحريض على مواجهة الاحتلال، بالإضافة إلى حذف الخرائط والعبارات التي تذكّر الأجيال بحقّ العودة.
من جهتها، حذّرت النخبة الفلسطينية من المخاطر الكبيرة التي تتعلّق بهذه الاتفاقية، موضحةً أنّ “هذه الاتفاقية تجعل من الأونروا مؤسسة أمنيّة تابعة لواشنطن، وتفتح المجال للإدارة الأميركية للتدخّل في كلّ تفاصيل عملها”.
* كاتبة فلسطينية مقيمة في غزّة