فيما الجدال في لبنان يدور حول مكان تمركز سفينة الإنتاجEnergean Power في شمال الخط 29 أم في جنوبه، وفيما يسلِّم الخبراء بأنّه أينما تمركزت السفينة فلا تأثير لذلك على واقع استخراج إسرائيل للنفط والغاز من كامل حقل كاريش الذي يمتدّ إلى المنطقة المتنازَع عليها مع لبنان الواقعة شمال الخط 29، يفاجئ العدوّ الإسرائيلي اللبنانيّين بخبر انتقال سفينة الحفرStena Icemax منذ يومين إلى المنطقة المتنازَع عليها شمال الخط 29، غير مكترث للاقتراح اللبناني الأخير.
في واقع الأمر لا يُفترض أن يكون الخبر مفاجِئاً للسلطة المُشرِفة على الملفّ، وهذا يعني أنّنا أمام احتمالين:
– إمّا الأمر فاجأ السلطة فعلاً، وهذا يدلّ على أنّ “سلطة الكوما” مستمرّة في تجاهل أو سوء تقدير مخاطر “الشغل” الإسرائيلي الناشط في هذه المنطقة المتنازَع عليها مع لبنان، وبالتالي هي قاصرة عن الإحاطة بملفّ مصيريّ سيحدّد مستقبل لبنان في المنطقة، وبعض رموزها يطّلعون على مستجدّات ملفّ الترسيم من الصحافة، وإن قرأوا فلا يفهمون!!
– وإمّا السلطة تعلم وتطنّش لأنّ برنامج عمل شركة “إنرجين” معلَن ومُعمَّم على الجميع. وهذا أسوأ السيناريوهات لأنّ هذا الواقع يُقدّم نظرية المؤامرة والتواطؤ والتسوية المشبوهة على أيّ أمر آخر.
حتّى الآن لا مؤشّرات إلى ردّ أميركي قريب قد تنقله السفيرة الأميركية دوروثي شيا إلى المسؤولين اللبنانيين
في المعلومات أنّ الوسيط الأميركي أبلغ رئيس الجمهورية منذ خمسة أشهر أن اسرائيل جاهزة للحفر منذ شهر شباط الماضي مما جعل الجانب اللبناني يصاب بالارتباك ويطلب التأجيل بسبب الوضع السياسي المتوتّر في البلد. فما كان من هوكستين إلاّ أن استمهل للإجابة وعندما عاود الاتصال أبلغ رئيسا الجمهورية والحكومة أنّ اسرائيل وافقت على تأجيل الحفر إلى ما بعد الانتخابات النيابية. وهكذا كان. دخلت الباخرة اليونانية إلى المنظمة المحددة لها وتمركزت بعد 10 أيام من ظهور نتائج الانتخابات.
هكذا تضع الدولة اللبنانية كفّها على يدها منتظرة جواب الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين على الاقتراح اللبناني الموحّد وفق معادلة: الخط 23 + قانا. في هذا الوقت، “الشغل الإسرائيلي ماشي” جنوب الخط 29 وشماله، إذ كشفت مواقع متخصّصة والعديد من التقارير الإعلامية عن انتقال باخرة الحفر Stena Icemax، وتمركزها بالقرب من باخرة Energean Power في نقطة تقع فوق حقل كاريش من الجهة الشمالية.
قصة Stena Icemax
في الوقائع، كانت شركة “إنرجين” أعلنت في 9 أيار الفائت، قبل أيام قليلة من وصول باخرة الإنتاجFPSO العائدة لها وتمركزها فوق حقل كاريش، عن اكتشاف تجاريّ للغاز قبالة إسرائيل بحجم ثمانية مليارات متر مكعّب من الغاز الطبيعي في بئر أثينا للاستكشاف التي تقع بين حقلَيْ كاريش وتانين، والتي قامت بحفرها سفينة الحفر Stena IceMax.
أشارت “إنرجين” يومذاك إلى أنّ بئر أثينا يمكن تطويرها بربطها بسفينة إنتاج وتخزين تنوي الشركة استخدامها في نقل الغاز إلى السوق الإسرائيلية من كاريش اعتباراً من الربع الثالث من العام الحالي، وهي كانت تعني سفينة الإنتاج FPSO التي وصلت مطلع الشهر الحالي لإنتاج النفط والغاز من حقل كاريش.
في أيار الماضي انتقلت سفينة الحفر Stena IceMAX إلى بئرKM-04 في حقل كاريش لتقييمها ولتستكمل الحفّارة تطوير هذه البئر، ثمّ تطوير بئر أخرى في شمال كاريش داخل منطقة النزاع مع لبنان في حقل يدعى KN-01.
في المعلومات أنّ الوسيط الأميركي أبلغ رئيس الجمهورية منذ خمسة أشهر أن اسرائيل جاهزة للحفر منذ شهر شباط الماضي
باختصار، شركة إنرجين متعاقدة مع شركة Stena Icemax لحفر خمس آبار:
1- الأولى بين كاريش وتانين في حقل أثينا.
2- الثانية هي بئر KM-04 في حقل كاريش على حدود الخط 29 وتبعد عنه نحو 100 متر جنوباً.
3- البئر الثالثةKN-01 في شمال الخط 29، تبعد عنه حوالي 3 كلم وانتقلت إليها منذ يومين فقط.
4- واثنتان أخريان يُحدّد موقعهما لاحقاً بعد الانتهاء من حفر الآبار الثلاث.
هكذا أعلنت الشركة منذ أيام الانتهاء من حفر KM-04، وستباشر حفر البئر الثالثة KN-01. وهكذا تحفر سفينةStena Icemax الآبار، ثمّ تقوم شركة إنرجين باستكمال التوصيلات وتجهيزها من أجل الاستخراج والإنتاج بعد استكمال الحفر في الآبار التطويرية. فيما يتلهّى أركان الدولة في لبنان بمسألة تحديد هل الخط 29 هو خط تفاوضي أم خط حدودي.
يقول خبير نفطي لـ”أساس” إنّ “أهمية سفينة الإنتاجFPSO الاستراتيجية تعود إلى إمكانية استخراج النفط والغاز من أيّ حقل مكتشَف في المنطقة حتى لو كان صغيراً، حيث يصبح مع وجود هذه السفينة ذا جدوى اقتصادية لأنّ الإعداد لاستخراج الغاز سيكون سهلاً وجاهزاً ومن دون تكلفة إضافية”.
الردّ الأميركيّ
تكشف الخطوات الإسرائيلية المتلاحقة مدى تفلّت إسرائيل من كلّ الضوابط والإملاءات والتهديدات التي سمعتها أخيراً من الجانب اللبناني والتي دعت إلى وقف عمليات استخراج وإنتاج الغاز في المنطقة الحدودية المتنازَع عليها إلى حين الاتفاق على ترسيم الحدود برعاية أميركية.
حتّى الآن لا مؤشّرات إلى ردّ أميركي قريب قد تنقله السفيرة الأميركية دوروثي شيا إلى المسؤولين اللبنانيين. لكنّ مطّلعين على الملف يجزمون أنّ “هوكشتاين ببساطة لن يطالب للّبنانيين بأكثر ممّا طالبوا به أصلاً حين أودعوا الخط 23 لدى الأمم المتحدة. فبأيّ منطق وسياسة تفاوضية سيطالب بحصولهم على أكثر من الخط 23 وهم حتى تاريخه لم يتّفقوا على تعديل المرسوم 6433 وإيداع الخط 29 لدى الأمم المتحدة؟ هذا يفسّر كلامه لقناة “الحرّة” بضرورة قبول اللبنايين بما هو معروض عليهم لأنّهم لا يملكون شيئاً”.
وفد التفاوض… وحرتقات نجيب
بانتظار ردّ الوسيط الأميركي يتخبّط الداخل اللبناني في ملفّين لا يُلغيان ضرورة إعلان حالة طوارئ لمواكبة تطوّرات ملف ترسيم الحدود البحرية:
– الأوّل يشوبه ضياع كامل ويتعلّق بـ”الاستشارات” السابقة لاستشارات تسمية رئيس لتأليف الحكومة.
– والثاني فيه ضياع أكبر ويتّصل بتحديد هويّة الوفد المفاوض في ملف الترسيم.
في هذا السياق، وكعادته، يختار رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إرسال ما يرغب من رسائل أو “تمريكات وتزريكات” عبر موقعه الإلكتروني الذي أشار أمس إلى احتمال أن تحلّ “اللجنة الثلاثية التي تمّ التوافق عليها إثر زيارة الوسيط الأميركي لبيروت مكان الوفد العسكري اللبناني في المفاوضات غير المباشرة مع العدوّ الإسرائيلي”.
تتألّف اللجنة، وفق الموقع، من نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، والمدير العام لرئاسة الجمهورية أنطوان شقير.
في القصر الجمهوري تأكيدات “أن لا شيء رسميّاً بعد بخصوص الوفد المفاوض، والتركيز ينصبّ حالياً على مشاورات تكليف رئيس الحكومة”.
في هذا السياق، يؤكّد مصدر مطّلع لـ”أساس”: “لم يتحدّث أحد عن هذه اللجنة الثلاثية ولم يتمّ عرضها على أحد، وبالتأكيد هي لن ترى النور. وأقلّه يمكن الجزم أنّ اللواء إبراهيم لا يقبل أن يشارك في اجتماعاتها”.
إقرأ أيضاً: بين قهقهات هوكشتاين وإصبعَيْ الرئيس والسيّد
عملياً، شكّل موقف قائد الجيش العماد جوزف عون حدّاً فاصلاً بين مرحلتين حين أعلن أنّ الجيش أنهى مهمّته التقنية، وأنّه يلتزم قرار السلطة السياسية.
لكنّ هذه السلطة لا تستطيع، وفق مواكبين للملف، أن تضع توقيعها على الملف من دون استنادها إلى تقرير تقني قانوني سبق للجيش أن قدّمه للمرجعيات المعنيّة، وإنّ أيّ تعديل عليه يُفترض أن يكون منطلقه تقنيّاً قانونياً بحتاً لا سياسياً. وهو المعطى الذي كان متوافراً في تركيبة الوفد العسكري السابق.