عندما طرح البطريرك الماروني بشارة الراعي عنوان “حياد لبنان الإيجابي”، لم يفتقر الطرح إلى إجماع وطني وحسب، بل افتقر حتّى إلى الإجماع المسيحي المفترض. فقد راحت قوى مسيحية عديدة تحاول الالتفاف حول الطرح، بشكل لا يحرجها مع الصرح البطريركي، لكن من دون تبنٍّ واضح للحياد كمشروع يمكن أن يكون قابلاً للحياة في بلد مثل لبنان.
على الرغم من عدم تبنّي عدد من القوى “الحياد الإيجابي”، إلا أنّ الراعي تمسّك بطرحه وثابر عليه. غير أنّ الساحة السياسية في المقبل من الأيام ستشهد ولادة مشروع متكامل جديد تحت عنوان “الحياد الفاعل”، على أن يكون مشروعاً منفتحاً على كلّ القوى، وتكون له بنود واضحة ومحدّدة تتعلّق بكلّ الإشكاليّات المطروحة.
فما الذي يدعو إلى التسليم بأنّ هذا المشروع قابل للحياة وقابل للفوز بإجماع مسيحي ولبنان، بعدما فشل الطرح، بنسخته الأولى، في أن يكون له الحظّ السياسي المناسب؟
المشروع الجديد سيقوم على أكثر من بند، في طور الصياغة، وسيكون هناك وثيقة مكتوبة قريباً
يتحدّث مرجع نيابي قوّاتي عن مشروع الحياد المقبل واصفاً إيّاه بأنّه “مشروع يُخرج البلاد من نزاعاته الداخلية”. يستشهد بأزمة الحدود البحرية مع إسرائيل وصعوبة الترسيم “النفطي”، ليقول إنّه ملفّ يؤكّد ضرورة ذهاب لبنان إلى الحياد الفاعل والإيجابي.
ويكشف المصدر أنّ المشروع الجديد سيقوم على أكثر من بند، في طور الصياغة، وسيكون هناك وثيقة مكتوبة قريباً. فبينما تعمل دول المنطقة على ترتيب شؤونها ومصالحها قبيل بدء إسرائيل باستخراج الغاز وتصديره إلى أوروبا بمشاركة مصر وتركيا، وبينما تعمل دول الخليج على ترتيب أولويّاتها وفقاً لمصالحها، وكي لا يكون لبنان سلحفاة على طريق الفِيَلة، يجري العمل على وثيقة “الحياد الفاعل” الذي سيُخرج لبنان من صراعات المنطقة، ويُعيد إلى بيروت دورها التاريخي وينتشلها من أزمتها الماليّة والاستثمارية، بحسب المصدر.
فما هي أهمّ الخطوات التي ستضمّها هذه الوثيقة، بحسب المرجع النيابي، الذي يعمل على تشكيل مجموعة ستقدّم نفسها لاحقاً؟
1- فكّ عزلة لبنان.
2- عدم ذهاب لبنان إلى التطبيع أو السلام مع إسرائيل.
3- فتح لبنان أمام استثمارات الدول، وعودة تدفّق الأعمال إلى بيروت.
4- عدم الاستخفاف بحجم المسؤولية الملقاة على عاتق النواب، ولا سيّما الجدد منهم، وعدم حصر العمل بشعارات لا تغني عن جوع.
5- إعلان حياد لبنان من قبل الأمم المتحدة بما يعني إرساء حالة من الاستقرار، وبما يمنع عنه الاعتداءات، كما كانت الحال في زمن المتصرفيّة في جبل لبنان.
6- إدراك حزب الله أنّ المقاومة لا تعني “المهاجمة”، بل تعني من الوجهة الميدانية “عملاً دفاعيّاً” في وجه أيّ اعتداء خارجيّ . وسيكون الطرح المنقّح حلاً مثالياً للحزب وبيئته، بعد انتفاء حال الاعتداء على لبنان، بغطاء دولي.
7- إلتزام لبنان بدعم القضية الفلسطينية، انطلاقاً من التزامه بقضايا الإنسان، على اعتبار أنّ حياده فاعل وليس حياداً سلبيّاً يدفعه إلى أن ينأى بنفسه عن القضايا المحقّة.
إقرأ أيضاً: البطريرك الراعي: صوتٌ صارخٌ في برّيّة الجمهوريّة
“أن يكون لبنان حياديّاً فاعلاً يعني إعادة إحياء التجربة الوحيدة الفريدة في تاريخ لبنان التي نجحت لنصف قرن في تأمين الاستقرار وتأمين ظروف النهضة الأدبية والسياسية والثقافية”، يشرح المرجع النيابي. وهو يدرك صعوبة تحقيق المشروع، لكنّه منفتح أيضاً على الحوار مع كلّ القوى، وتحديداً مع حزب الله، لفتح الباب أمام أكبر نقاش بنّاء ممكن حول الفكرة.
لهذا ستشهد قريباً ساحة بكركي حركةً نشطة تتّصل بطرحها. وستشهد الساحة السياسية نقاشاً جدّيّاً جديداً، منهم من يقول إنّه وُلد ميتاً، ومنهم من لا يزال مؤمناً بأنّه سينجح في تحريك الجمود حول الفكرة. ولا سيّما أنّ ذلك سيأتي مع انقلابات كبيرة تشهدها المنطقة، إن لم يواكبها لبنان، سيكون نصيبه منها الانهيار التامّ.