أفرزت انتخابات اللجان النيابية انقلاباً في التمثيل السنّيّ لتتوزّعه قوى 8 آذار مع الحزب التقدّمي الاشتراكي، مقابل صفر تمثيل لقدامى “المستقبل” والقوى السيادية وقوى التغيير.
فهل هي بروفة لشكل التمثيل السنّيّ في الحكومة المقبلة؟
ثمّة روايات كثيرة لِما جرى، لكنّ الثابت أنّ تنسيقاً ما جرى بين جهات في تيار المستقبل وحركة أمل لضمان شيء من الحضور في اللجان النيابية، وضمان رئاسة لجنة واحدة على الأقلّ.
كان يُتوقَّع أن يردّ رئيس مجلس النواب نبيه بري التحية بمثلها، بعدما صوّت نواب عكار المستقبليون له في انتخابات رئاسة مجلس النواب. وكان لتصويتهم معنى في النصاب الطائفي يتجاوز حساب الأصوات. ولا يخفى أنّ السيّدة بهيّة الحريري تولّت شخصيّاً ترتيب اللقاء بين برّي وكتلة إنماء عكار قبل انتخابات الرئاسة. وقد أثار الأمر امتعاضاً من النواب السُنّة الآخرين الذين اجتمعوا معهم في منزل النائب نبيل بدر على أمل أن ينسّقوا مواقفهم ليشكّلوا معاً تكتّلاً يحافظ على شيء من التمثيل السنّيّ الذي كان من حصّة تيار المستقبل. ضمّ ذلك التكتّل الهجين إلى المستقبليّين في الشمال نائبَيْ بيروت نبيل بدر وعماد الحوت ونائب زحلة بلال الحشيمي. لكنّ الثلاثة لم يُفاجأوا بتصويت زملائهم لبرّي، بل فوجئوا بمستوى التنسيق في انتخابات اللجان.
خرج التمثيل “السُنّي” بالمعنى السياسي العميق في اللجان من قوى 14 آذار بالكامل، على الرغم من محاولة حبك التفاهمات والتوافقات بين المستقبل وحركة أمل
كان لدى تيار المستقبل في المجلس السابق أربعة رؤساء لجان من أصل 16، ثلاثة منهم من حصّة السُنّة عُرفاً، هم سمير الجسر على رأس لجنة الدفاع والداخلية والبلديات، وبهيّة الحريري على رأس لجنة التربية، وعاصم عراجي على رأس لجنة الصحّة. ويضاف إليهم نزيه نجم على رأس لجنة الأشغال العامة والنقل.
كانت أجواء انتخابات اللجان تشير إلى تسليم المستقبليّين بالتخلّي عن رئاسة لجنتَيْ التربية والصحة، لكنّهم تلقّوا وعداً بالحفاظ على رئاسة لجنة الدفاع والداخلية والبلديات للنائب أحمد الخير، بدلاً من المخضرم سمير الجسر، وبأن تذهب رئاسة لجنة الأشغال العامة إلى سجيع عطية، بما يمثّل من تقاطع بين أكثر من طرف.
“بيطلعلكم لجنة بسّ”
تمّ الأمر لعطية بلا عقبات، لكن حين أتى دور أحمد الخير، ظهرت لعبة أخرى. إذ اقترب النائب علي حسن خليل من الخير ليهمس في أذنه بأنّ العونيين لن يعطوه، بل سيعطون أصواتهم لجهاد الصمد. برز هنا مأزق مزدوج، فمن جهة انكشف الترتيب المسبق بين نواب المستقبل وقوى 8 آذار والعونيين ضمناً، من دون علم النواب السُنّة الآخرين معهم في التكتّل الهشّ، ومن جهة أخرى كان لا بدّ من معالجة النكوث العوني سريعاً. توجّه النواب السُنّة إلى نائب رئيس مجلس النواب إلياس بوصعب وذكّروه بالتفاهمات وسألوه عن حقيقة دعمهم لجهاد الصمد فأكّد ذلك، وقال: “طلّعنالكن سجيع عطية، وإنتو 13 نائب ما بيطلعلكن أكتر من لجنة”. كان الردّ مفاجئاً، خصوصاً أنّ سجيع عطية ليس من الحصة السنّيّة في رئاسات اللجان، وليس محسوباً على المستقبل بأيّ حال، بل على نائب رئيس مجلس الوزراء الأسبق عصام فارس حتى الآن، بعد أن خاض المعركة الانتخابية على لائحة المستقبليين وانضوى معهم في كتلة إنماء عكار. علت الأصوات وحدث تلاسن حادّ، وتوجّه أحد النواب من المستقبليين السابقين إلى بوصعب بالقول: “إنت مين لتحدد شو بيطلعلنا”، فانسحب الأخير من المحادثة.
كانت اللعبة الأخرى في لجنة التربية، إذ كان التنافس السنّيّ ثلاثيّاً بين 8 آذار وكتلة النواب السُنّة والتغييريين. دخل بلال الحشيمي اللجنة بصعوبة، بعدما حلّ خاسراً أوّل في انتخابات الأعضاء، لكنّه استفاد من انسحاب أحمد رستم النائب العلوي عن عكّار من اللجنة نظراً إلى فوزه بعضوية لجنتين أخريين فيما النظام الداخلي يمنع الجمع بين أكثر من عضويّتين. وفي انتخابات الرئاسة حصل الحشيمي على أربعة أصوات لم تكن كافية لفوزه، وذلك بعدما صبّت أصوات الثنائي الشيعي والعونيين لحسن مراد الذي أخذ مقعد بهية الحريري التاريخي في رئاسة اللجنة.
أمّا في انتخابات لجنة الصحة، فكان الأمر مرتّباً ضمن التوزيعة التوافقية بحيث آلت الرئاسة إلى الحزب التقدمي الاشتراكي ممثّلاً بالنائب بلال عبد الله، تعويضاً عن رئاسة لجنة البيئة التي حصلت عليها القوات إلى جانب لجنة الإدارة والعدل.
في المحصّلة، رتّب التوافق المسبق رئاسة معظم اللجان، فكانت أربع لحركة أمل (“الخارجية” و”الزراعة والسياحة” و”حقوق الإنسان” و”المرأة والطفل”)، واثنتان للعونيين (“المال والموازنة” و”الشباب والرياضة”)، واثنتان للقوات (“الإدارة والعدل” و”البيئة”)، واثنتان لسُنّة 8 آذار (“الدفاع والداخلية والبلديات” و”التربية”)، وواحدة لحزب الله (الإعلام والاتصالات)، وواحدة للاشتراكي (الصحة)، وواحدة للطاشناق (المهجّرين)، وواحدة لسجيع عطية (الأشغال)، وانتزع المستقلّون من العونيين رئاسة لجنة الاقتصاد لميشال الضاهر.
هكذا خرج التمثيل “السُنّي” بالمعنى السياسي العميق في اللجان من قوى 14 آذار بالكامل، على الرغم من محاولة حبك التفاهمات والتوافقات بين المستقبل وحركة أمل، بل إنّهم لم يحظوا بأيّ مقرّر في اللجان الستّ عشرة، وهو ما يعطي إشارة إلى توازن القوى داخل صالون الحكم.
ثمّة مَن يرى أنّ توافقات تشكيل اللجان، شكلاً ومضموناً، تشير إلى ما ستكون عليه التوازنات في تشكيل الحكومة المقبلة، والتمثيل السنّيّ فيها على وجه التحديد. فعندما يستأثر سُنّة 8 آذار بالتمثيل السنّيّ في رئاسات اللجان، ليس منتظراً أن تتعفّف هذه القوى عن المطالبة بحصّة الأسد من التمثيل السنّيّ في الحكومة. وسيكون رئيس الحكومة العتيد، سواءً كان نجيب ميقاتي أو سواه، مكبّلاً بعدم وجود ظهير نيابي يدعمه.
إقرأ أيضاً: في الخوف من الدولة.. وفي الخوف عليها
وقد لا يكون تأخير الاستشارات الملزمة والشروط التي يفرضها العونيون لتكليف ميقاتي إلا انعكاساً لتوازنات ما بعد انتخابات 2022.