أزمة دستورية جديدة: ميقاتي مُصَرِّفاً ومُكَلَّفاً بلا تأليف

مدة القراءة 5 د

بقاء حكومة تصريف الأعمال الحالية قائمة حتى موعد انتخاب رئيس الجمهورية، بدءاً من 31 آب، هو خيار محتمل وجدّيّ، لكنّه يفترض حصول أحد السيناريوهات الثلاثة الآتية:

1 – عدم دعوة رئيس الجمهورية النواب إلى استشارات نيابية ملزمة لتسمية رئيس لتأليف الحكومة. وهو أمرٌ مستبعد. إذ تؤكّد مصادر رئيس الجمهورية لـ”أساس” أنّ “الدعوة ستحصل فور تبلور وجود أكثرية تضمن حصول التسمية. وقد بدأت النقاشات منذ انتهاء الانتخابات النيابية، وكان هناك اتفاق ضمنيّ على تقطيع مرحلة انتخاب اللجان النيابية ورؤسائها وزيارة الوسيط آموس هوكشتاين لبيروت”.

2 – دعوة رئيس الجمهورية إلى الاستشارات، لكن مع احتمال تأجيلها أو حصولها من دون التوصّل إلى الأكثرية المطلوبة لتسمية رئيس حكومة.

يوضح مرقص أنّ الدستور لم يرتقب حالات قصوى كهذه من عدم المسؤولية والإطالة بما يتجاوز المهلة المعقولة. ثمّة غياب في النصوص الدستورية لمهل تتعلّق بتسمية رئيس الحكومة أو تشكيلها

3- دعوة رئيس الجمهورية إلى الاستشارات النيابية، وتسمية رئيس حكومة لا تتوافر له ظروف التأليف. هنا تلفت مصادر معنيّة إلى أنّ حظوظ نجيب ميقاتي ما تزال متقدّمة على حظوظ مرشّحين آخرين. لكن ماذا لو تمّت تسمية ميقاتي (أو غيره) لتأليف حكومة جديدة وفشل في التشكيل إلى أن وصلنا إلى موعد انتخاب رئيس جمهورية؟ هل يبقى التكليف قائماً بعد حصول انتخابات الرئاسة؟

هو سيناريو مُحتمل وغير مستبعد، يدلّل مرّة جديدة على تقدّم العبثية على منطق المؤسسات ومدى الاهتراء الذي وصل إليه الأداء السياسي بحيث تحوّل الدستور مع مهله وضوابطه إلى “ممسحة” تحت أرجل السلطة السياسية.

 

“حالات لم يرتقبها الدستور”

 يعتبر رئيس مؤسسة Justicia القانونية، الدكتور بول مرقص أنّ “هذه من الحالات النادرة التي لم يرتقبها الدستور لأنّه لم يفترض قصوراً وانعداماً في المسؤولية لدى المسؤولين السياسيين بعدم تشكيل حكومة ضمن المهل المعقولة”.

يضيف مرقص في حديث لـ”أساس”: “بالعودة إلى النصوص الدستورية، عندما يُسمّي رئيس الجمهورية رئيس الوزراء المكلّف، فإنّه يقوم بذلك استناداً إلى استشارات نيابية مُلزمة يتشاور في شأنها مع رئيس مجلس النواب، وبالتالي ليس سلطة تقرير في هذا الشأن. هو فقط يعكس إرادة الأكثرية النيابية. لذلك على المستوى النظري، في حال انتخاب رئيس جديد للجمهورية دون تشكيل الحكومة إلى هذا الحين يبقى رئيس الوزراء المكلّف متمتّعاً بشرعية التكليف طالما استمدّه من المجلس النيابي، إنّما تغيَّر فقط رئيس الجمهورية إذا انتُخِب قريباً. أمّا على الصعيد السياسي والعملي فسيكون هناك نظرية تقول إنّه من غير المؤاتي أن يستمرّ رئيس مكلّف في ظلّ انتخاب رئيس جمهورية جديد لم تكن له أيّ علاقة بتسميته. لذلك، من المفترض أن تُعاد الكرّة بإجراء استشارات نيابية جديدة. سنصبح عمليّاً أمام تنازع بين هاتين النظريّتَيْن. هذا مردّه ليس إلى النصوص والنظام بل إلى القصور في الأخلاقيات السياسية المتعلّقة بممارسة السياسة والشأن العامّ، والتي سبّبت هذه الإطالة في التشكيل.

هذا السيناريو يَفترِض أنّ انتخاب رئيس الجمهورية أتى في ظلّ حكومة تصرِّف الأعمال أصلاً. هذا وتُعتبر الحكومة، بعد انتخاب رئيس جمهورية، بحكم المستقيلة عملاً بأحكام الفقرة الأولى من المادّة 69 من الدستور، وتطبّق عليها صفة تصريف الأعمال وفق المادة 64 من الدستور.

يقول مرقص إنّ النصّ الوحيد المتعلّق بممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً هي المادة 62 من الدستور التي لا تأتي بأحكامٍ تفصيلية

عندئذٍ قد يكون ميقاتي في وضعيّة “المُصرِّف والمؤلِّف”، وتُعِدّ حكومته على هذا الأساس انتخابات رئاسة الجمهورية، إن حصلت في موعدها.

سيقف الدستور مرّة جديدة عاجزاً عن “معالجة” ما لم يخطر على باب المشرِّع: حكومة تصريف أعمال رئيسها مكلّف تشكيل حكومة تواكب انتخاب رئيس جمهورية يُفترض بعد انتخابه أن تصبح الحكومة القائمة هي حكومة تصريف أعمال هي أصلاً تصرِّف الأعمال!

 

أزمة “المهل” مجدّدا

يوضح مرقص أنّ “الدستور لم يرتقب حالات قصوى كهذه من عدم المسؤولية والإطالة بما يتجاوز المهلة المعقولة. ثمّة غياب في النصوص الدستورية لمهل تتعلّق بتسمية رئيس الحكومة أو تشكيلها، لكنّ ذلك لا يعني عدم وجود مهلة في الفقه الإداري الذي استنبط ما يُسمّى “المهلة المعقولة”، وهي تقاس بالساعات والأيام في ظلّ الأزمة الحادّة القائمة اليوم، لأنّ لبنان المريض الذي ينتظر في غرفة العمليات لا يُمكِنه الانتظار والتحمّل”.

ويضيف الخبير الدستوري، أنّ “المهلة الوحيدة في الدستور هي للحكومة كي تمثل أمام المجلس النيابي لطلب نيل الثقة، وهي 30 يوماً. أمّا لناحية رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة فلا مهل في النصّ ملزمة لهما (في الدعوة إلى الاستشارات وتسمية رئيس حكومة أو تأليف حكومة)، ما عدا المهلة المعقولة”.

أمّا في حالة عدم انتخاب رئيس جمهورية يخلف ميشال عون بعد مغادرته قصر بعبدا، وهو أمرٌ مرتقب بعدما أبلغ الأخير جميع زوّاره، خصوصاً من السلك الدبلوماسي والأجانب، أنّه لن يبقى دقيقة واحدة في قصر بعبدا بعد ليل 31 تشرين الأول، فإنّ حكومة تصريف الأعمال (في حال العجز عن تأليف حكومة) ستتسلّم صلاحيّات الرئيس.

إقرأ أيضاً: “صراع الصلاحيات” مجدّداً: استشارات غير معلنة في بعبدا

يقول مرقص إنّ “النصّ الوحيد المتعلّق بممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً هي المادة 62 من الدستور التي لا تأتي بأحكامٍ تفصيلية، لكنّ الحكومة عليها أن تقوم بممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية بالحدود الدنيا، لأنّه في ظل حكومة تصريف الأعمال، وقد نصل إلى هذه الحالة بسبب احتمال شغور سدّة الرئاسة، تقوم هذه الحكومة بتصريف الأعمال بالمعنى الضيّق. إلا أنّ الإطالة في فترة تصريف الأعمال وربّما في انتخاب رئيس الجمهورية من شأنه أن يوسّع قليلاً من مفهوم تصريف الأعمال بغية معالجة الأمور الملحّة منعاً لتفاقم الضرر على المرفق العام”.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…