كلّ ما في الأمر أنّ أكثريّة قاسم سليماني تقلّصت!

مدة القراءة 5 د

إذا تركنا الأرقام تتحدّث، يمكن اختزال الجلسة الأولى لمجلس النواب اللبناني الجديد بعبارة واحدة: هناك أكثريّة من 65 صوتاً يمتلكها “حزب الله” في المجلس. ليس الحزب سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، أي أنّ إيران هي التي تسيطر على البرلمان اللبناني الذي يضمّ 128 عضواً. ما عجزت عنه “الجمهوريّة الإسلامية” في العراق نجحت فيه في لبنان.

كلّ ما في الأمر أنّ الأكثرية التي تحدّث عنها قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” (اغتاله الأميركيون مطلع عام 2020 بُعيد خروجه من مطار بغداد) تقلّصت من 74 نائباً إلى 65. أورد سليماني الرقم 74 مباشرة بعد انتخابات عام 2018.

استطاعت الأكثريّة الإيرانيّة في مجلس النواب اللبناني ضمان إعادة انتخاب نبيه برّي رئيساً لمجلس النواب للمرّة السابعة. كان ذلك أمراً طبيعياً في غياب أيّ منافس شيعيّ لرئيس السنّ في البرلمان اللبناني. يبدو الرقم 65 الرقم السحريّ في مجلس النواب الجديد. بهذا الرقم، الذي حصل عليه برّي، أصبح الياس بو صعب المنتمي إلى “التيار العوني”، وهو تيّار تابع لـ”حزب الله”، نائباً لرئيس مجلس النوّاب. كذلك انتُخب النائب آلان عون، وهو نائب “عونيّ” أيضاً، أميناً للسرّ لمجلس النواب بـ65 صوتاً.

سيطرة حزب الله

يستطيع “حزب الله” من الآن، الاطمئنان إلى سيطرته على مجلس النواب بعدما منع وجود أيّ نائب شيعي خارج سيطرته. لدى الحزب 27 نائباً شيعياً من أصل 27. بنى أكثريّته على احتكار التمثيل الشيعي. حال ذلك دون وجود منافس للرئيس نبيه برّي على كرسي رئاسة المجلس. في النهاية، لم يعد ممكناً وجود مجلس للنوّاب غير تابع لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة” في ظلّ القانون المعمول به منذ عام 2018، وهو قانون فُصّل في عام 2017 على قياس “حزب الله” الذي بات يقرّر مَن هو رئيس مجلس الوزراء السنّيّ في لبنان ومن سيكون رئيس الجمهوريّة الماروني المقبل. هذا إذا كان مسموحاً أن يكون للبنان رئيس جديد للجمهوريّة بعدما أدّى ميشال عون كلّ المهمّات المطلوبة منه في بلد انهار نظامه المصرفي ولم يعد فيه أثر للكهرباء… بفضل جبران باسيل وأزلامه الذين تعاقبوا على وزارة الطاقة منذ عام 2008.

لن يتمكّن “حزب الله”، بفضل أكثريّته في مجلس النواب، من تحديد مَن سيكون رئيس الجمهورية المقبل فحسب، بل سيتطلّع أيضاً إلى إمكان إعادة النظر في تركيبة النظام السياسي، خصوصاً أنّه لم يعد في حاجة إلى ممارسة أيّ ضغوط لإبلاغ العالم وكلّ مَن يعنيه الأمر بأنّه صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في لبنان.

على هامش ما شهدته الجلسة الأولى لمجلس النواب الجديد واكتشاف وجود أكثريّة يتحكّم بها “حزب الله”، ثمّة ملاحظات قد يكون من المفيد إيرادها.

في مقدَّم هذه الملاحظات أنّ قانون الانتخابات المعمول به قانون عجيب غريب وُضع من أجل خدمة إيران ولا أحد غيرها، وتكريس احتلالها للبنان. بفضل هذا القانون استطاع “حزب الله” جعل الطائفة الشيعية طائفة منغلقة على نفسها، علماً أنّها من بين أكثر الطوائف اللبنانيّة انفتاحاً على كلّ ما هو حداثي في المنطقة والعالم، أكان ذلك سياسياً أو حضارياً. هل منطقي ألّا يكون هناك نائب شيعي واحد خارج سيطرة “حزب الله”.

إذا تركنا الأرقام تتحدّث، يمكن اختزال الجلسة الأولى لمجلس النواب اللبناني الجديد بعبارة واحدة: هناك أكثريّة من 65 صوتاً يمتلكها “حزب الله” في المجلس

“لا معنى”.. كتلة القوات

ثمّة ملاحظة أخرى لا مفرّ من التوقّف عندها. الملاحظة هذه أنّ الرهان على تشكيل كتلة نيابيّة مسيحية كبيرة، من دون شخصيات مستقلّة ذات وزن، وهو ما نجحت فيه “القوات اللبنانيّة”، يبقى من دون معنى. يبقى ذلك من دون مردود سياسي في غياب قانون انتخابي عادل يسمح للعبة الانتخابات بأخذ مداها مسيحياً وداخل الطوائف الأخرى، بما في ذلك الطائفة الشيعيّة.

من اللافت أيضاً أنّ تشكيل المجلس الجديد كشف أنّ تبعيّة “التيّار الوطني الحر” برئاسة جبران باسيل لـ”حزب لله” وسلاحه زادت أكثر من أيّ وقت. لم يعد مسموحاً وجود أيّ هامش، حتّى لو من أجل المناورة، لدى “التيّار”. من دون أيّ سؤال أو جواب، صوّت جبران باسيل، كما يفعل الولد الشاطر، لـ”البلطجي” نبيه برّي في صفقة أوصلت الياس بو صعب إلى موقع نائب رئيس مجلس النوّاب!

أخيراً، ظهر عدد لا بأس به من النواب الذين أوصلتهم “ثورة 17 تشرين” إلى البرلمان على حقيقتهم. تبيّن أنّه تلزم عقول بعض هؤلاء، وليس جميعهم، كمّيّة كبيرة من النضج السياسي بدل الشعارات الطنّانة من نوع “ثورة، ثورة”… أو طرد مسؤولين من مطاعم في بيروت وغير بيروت. مثل هذا التصرّف الصبيانيّ يدلّ على أمر واحد هو أنّ بعض “الثوار” هواة في السياسة، حتّى لا نقول مجرّد مراهقين. ليس معروفاً كيف يمكن أن ينجح هؤلاء في كشف حقيقة تفجير مرفأ بيروت في ضوء سقوطهم المدوّي في الامتحان الأوّل لهم في البرلمان. الأمل كبير بأن يكون أداؤهم أفضل في امتحان آخر!

أخيراً أيضاً، بدت الطائفة السنّيّة مشتّتة أكثر من أيّ وقت. لم يعد في لبنان زعيم سنّيّ من أيّ نوع. أثبت “حزب الله” قدرة على اختراق السُنّة تشبه قدرته على اختراق المسيحيين بعدما وجد بين هؤلاء مَن يعتقد أنّ في استطاعته استعادة حقوقه بفضل سلاح ميليشيويّ مذهبي من نوع سلاح “حزب الله”.

إقرأ أيضاً: يوم الـ65: وداعاً لـ”الثلث المعطِّل”

أيّ درس يمكن استخلاصه من الانتخابات الأخيرة؟ الدرس الوحيد أنّ مصير لبنان بات مطروحاً. ليس في استطاعة مجلس للنواب يسيطر عليه “الحرس الثوري” الإيراني القيام بأيّ إصلاحات من أيّ نوع. مصير لبنان معلّق بما يجري خارج لبنان… في المنطقة تحديداً، خصوصاً في ضوء وجود مجلس للنواب يعكس واقعاً لا يمكن التحايل عليه. إنّه واقع وجود لبنان تحت الاحتلال الإيراني!

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…