ما الذي يدعو حزباً بقوّة حزب الله، يدرك أنّه يمتلك القاعدة الصلبة والأكثرية في جمهور طائفته، ويدرك أنّ لديه سلاحاً جعله في مكانة دولة إقليمية لا حزب محليّ وحسب، ويدرك أنّ لديه من القوّة العسكرية والأمنيّة ما يكفي لفرض شروطه في منطقة نفوذه على الأقلّ، إن لم نقل على امتداد البلد، ما الذي يدفعه إلى أن يقوم بمحاصرة خصومه الذين يدرك أنّ وجودهم لا يزال خجولاً نسبة إلى سعة انتشاره؟
فخصوم الحزب لا يتحدّثون فقط عن محاصرة، بل يتحدّثون عن “ترهيب وتخوين” يتعرّض لهما مرشّحو لوائح المعارضة في الدوائر التي يتنافسون فيها مع مرشّحي حزب الله أو “الثنائي الشيعي”.
لا تقتصر محاصرة الحزب لخصومه على المنافسة على المقاعد الشيعية، بل يتحدّث خصوم الحزب، وتحديداً القوات اللبنانية، عن تطويق الحزب لمرشّحيها في بعلبك-الهرمل وصولاً إلى المتن الشمالي .
يحاول الحزب الضغط على مرشحين قواتيين، وعلى معارضيه الشيعة الذين ترتفع حظوظهم، للتأثير على 4 مقاعد في حدّ أدنى
27 على 27
أصبحت الإجابة معلومة. يسعى الثنائي الشيعي، والحزب خصوصاً، إلى حصر التمثيل الشيعي به. بل لا يكفيه أن يحصل على 27 نائباً شيعياً على كلّ الأراضي اللبنانية، بل يريد أن يحصل هو أو حلفاؤه على المقاعد غير الشيعية التي تقع في نطاق نفوذه الجغرافي:
1- يحاصر الحزب المرشّحين عن المقعد الدرزي والمقعد الأرثوذكسي في دائرة الجنوب الثالثة. وبدا ذلك واضحاً في الحملات التي تعرّض لها المرشّحون في الدائرة الحدودية جنوباً، ولا سيّما المرشّح عن المقعد الدرزي فراس حمدان الذي وصل الحدّ بالججيش الإلكتروني أن ينشر صورة يُلبسه فيها بزّة عسكرية إسرائيلية مع خلفيّة العلم الإسرائيلي.
2- لم يسلم أيضاً المرشّح عن المقعد الشيعي علي خليفة من حملة التخوين التي لاحقت مواقفه من “المقاومة”. اعتُبرت هذه الحملات التخوينيّة حثّاً غير مباشر على إلحاق الأذى بالمرشّحين وتعريضهم للاعتداء الجسديّ.
3- في بعبدا يواجه الثنائي مرشّحاً ناشطاً في الشارع منذ ما قبل 2009 عند بدء التحرّكات احتجاجاً على أزمة النفايات، ومحامياً سبق أن توكّل عن شبّان بعد الاعتداء عليهم من القوى الأمنيّة واعتقالهم على خلفيّة مشاركتهم في انتفاضة 17 تشرين. إنّه واصف الحركة الذي يجاهر من قلب الضاحية الجنوبية بضرورة بناء دولة قوية تملك حصرية الدفاع عن أراضيها وحصرية السلاح. يقول واصف الحركة إنّه يتعرّض لأعنف الحملات والتشهير والتخوين والافتراء. إذ وصل بالجيش الإلكتروني أن ينسب إلى الحركة مواقف ليست له من الصراع مع إسرائيل لتشويه صورته في مجتمعه في الضاحية الجنوبية والشيّاح.
ثمّة من نصح الحركة بعدم التجوال بالشارع حرصاً على سلامته. ويقول الحركة إنّه تلقّى النصيحة، لكنّه مستمرّ بالتحرّك، مشيراً إلى أنّه “لن يقوى شيء على ترهيب معارضة بدأت بالنضوج وستستمرّ بمشروع سياسي في مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية. يكفي خلق هذه المشهدية في الساحة الشيعية ويكون الخرق قد حصل فعلاً، ولن تعود عقارب الساعة إلى الوراء”.
4- كما تعرّضت لائحة المعارضة في دائرة الجنوب الثانية، صور – الزهراني، للمحاصرة وقطع الطريق من قبل مناصري حركة أمل، وإطلاق الرصاص في الهواء. وثمّة مَن يتخوّف من حوادث أمنيّة مشابهة في الساعات المقبلة.
خصوم الحزب لا يتحدّثون فقط عن محاصرة، بل يتحدّثون عن “ترهيب وتخوين” يتعرّض لهما مرشّحو لوائح المعارضة في الدوائر التي يتنافسون فيها مع مرشّحي حزب الله أو “الثنائي الشيعي”
الرصاص في البقاع
في البقاع تكفي الانسحابات من لوائح القوات اللبنانية، لتكون دليلاً على الضغط الذي يمارسه الحزب في بيئته على أيّ صوت معارض. هناك تبدو المعركة على أشدّها مع القوات اللبنانية. أطلق عليها الحزب اسم “معركة الوجود”، و”حرب تموز سياسية”. مصطلحات هدفها شدّ العصب وحسب. وهو يراها فعلاً معركة تثبيت شرعيّته لدى طائفته ولدى الطوائف الأخرى:
5- الأكثر بروزاً تطويق المرشّح الشيخ عباس الجوهري، المعارض للحزب، كرسالة إلى كلّ معارضيه، بعد سحب 3 مرشّحين شيعة من لائحته أعلنوا أنّهم انسحبوا “لصالح المقاومة”. وفي اليومين الأخيرين طوّق مجموعات من الحزب منزله في قريته، وأحرقوا صوره أمام المنزل وأطلقوا الرصاص في الهواء، وانتشر مسلّحون حول المنزل. ثم كمن له شبّان من الحزب أمام الجامعة حيث كان يقلّ ابنه في بيروت، وشتموه.
6- نصل إلى تطويق المرشّح القواتي في عقر منطقة الحزب في بعلبك-الهرمل، في رسالة سياسية تحاول إسقاط أنطوان حبشي.
إسقاط ملحم رياشي؟
7- تقول مصادر قوّاتية إنّ هذا التطويق لا يقتصر على المناطق الخاضعة لنفوذ الحزب، بل وصل إلى المتن الشمالي عبر الطلب ممّن يمون عليهم الحزب من فعّاليات مسيحية وحلفائه في الحزب السوري القومي الاجتماعي، التصويت للمرشّح الكاثوليكي العوني إدي معلوف لإسقاط مرشّح القوات ملحم الرياشي.
فيما يخوض الحزب معركته ومعركة حلفائه لانتزاع أكبر قدر من الغطاء التمثيلي على مستوى الطوائف، تختصر القوات معركتها في المنطقتين الأكثر خصوصية، في المتن حيث ينقل المتابعون تدخّل رئيس الجمهورية ميشال عون لإنجاح إدي معلوف وإسقاط مرشّح الحياد البطريركي ملحم الرياشي، وفي بعلبك-الهرمل حيث يتدخّل حزب الله لإسقاط مرشّح القوات الماروني أنطوان حبشي.
إقرأ أيضاً: خطّة الحزب: الأحباش لرئاسة الحكومة
هكذا يحاول الحزب الضغط على مرشحين قواتيين، وعلى معارضيه الشيعة الذين ترتفع حظوظهم، للتأثير على 4 مقاعد في حدّ أدنى، بين المتن وبعلبك الهرمل والجنوب الثانية والجنوب الثالثة.