لم يكشف الجيش بعد عن أيّ خيوط إضافية في ملف التحقيقات في كارثة غرق زورق المهاجرين قبالة جزر النخل في بحر مدينة طرابلس. التحقيق سرّيّ يشمل مدنيّين وعسكراً، وحصيلته حتى الآن لم تزِد على موقوف واحد هو ربّان المركب السوري م.ج الذي تُرِك قبل الأعياد رهن التحقيق.
القبطان السوري، وفق تأكيد الجيش على لسان قائد القوات البحرية بالجيش، هو المسبّب الأوّل والأساسي لغرق الزورق بعدما اتُّهم بـ”تنفيذ مناورات للهروب أدّت إلى ارتطامه بخافرة الجيش”. ولا تزال التحقيقات جارية لمعرفة هل هذا الارتطام هو السبب المباشر لغرق الزورق.
وفيما لا تزال المعلومات تتضارب حول العدد الحقيقي لمغادري ميناء طرابلس في رحلة الموت علِم “أساس” أنّ آخر إحصاء دقيق كشف وجود 86 شخصاً من الجنسيات اللبنانية والسورية والفلسطينية كانوا على متن القارب. تمّ تشييع ستّ ضحايا منهم. أمّا عدد الناجين بلغ 45 شخصاً، وعدد المفقودين 35 شخصاً.
سحب المركب فتعترضه، وفق مصدر مطّلع، معوّقات كثيرة منعت إتمام العملية ضمن الوقت المطلوب
لكن ما يجعل عدد الركاب غير نهائي، وبالتالي عدد المفقودين أكبر، هو وجود عدد إضافي من المغادرين السوريين وحتى الآن لم يتمّ التعرّف على كامل هوياتهم، ومن بينهم عائلات بالجملة.
انقطع الأمل نهائياً من انتشال جثث هؤلاء الضحايا بعد مضيّ أكثر من أسبوعين على الفاجعة. وحتى الآن لا يزال هناك “اعتبارات” تمنع بعض التوقيفات لأنّ بعض مَن تحوم حولهم الشبهات فقدوا أقارب لهم، ولا أحد يستبعد اليوم تأثيرات العامل الانتخابي على عدّة ملفّات أمنيّة وغير أمنيّة من ملف العمالة ونزولاً…
أمّا سحب المركب فتعترضه، وفق مصدر مطّلع، معوّقات كثيرة منعت إتمام العملية ضمن الوقت المطلوب.
تواصلت قيادة الجيش مع العديد من الدول، منها بريطانيا وفرنسا وألمانيا، للمساعدة وتأمين مستلزمات انتشال المركب الذي يُقدّر مصدر مطّلع أن يكون على عمق يراوح بين 450 و470 متراً، وهو ما يتطلّب آليّات وتقنيّات غير متوافرة لدى الجيش.
فالدول تستعين بشركات خاصة مدنية متخصّصة في التفتيش في عمق البحار ولبنان يطلب مساعدة للاستفادة من خبرات هذه الشركات. أرسلت القيادة كتباً لهذه الدول طلباً للمساعدة ولا تزال تنتظر ردّاً. فهذه العمليّات مكلفة وتتطلّب وقتاً. وثمّة معطيات تتحدّث عن احتمال وجود عدد من الضحايا داخل الطبقة السفلى للمركب.
قائد الجيش والأهالي
يوم الخميس التقى قائد الجيش العماد جوزف عون وفداً من أهالي ضحايا الزورق الغارق بحضور مدير المخابرات العميد طوني قهوجي، ورئيس فرع مخابرات الشمال العقيد نزيه البقاعي، وقائد القوات البحرية العقيد هيثم ضناوي. حَدَث ذلك بعدما بذلت الكثير من الجهود لـ “ضبّ الشارع” الطرابلسي ولملمة ذيول الكارثة، وبعدما وصل أهالي ضحايا المركب إلى عتبة منزل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسام المولوي.
وَعد عون الأهالي بـ”استكمال التحقيق الذي بدأ منذ اللحظة الأولى بحياد وشفافيّة”، كما قال.
بدا عون حاسماً في مسألة محاسبة المسؤولين عن غرق الزورق وإجراء محاسبة داخلية للعسكر إذا تبيّن أنّهم ارتكبوا أخطاء. مع العلم أن ثمّة اعتراضات عبّرت عنها عدّة جهات بسبب تولي القضاء العسكري التحقيقات كونه طرف غير محايد.
كما شدّد عون على أنّ “الجيش هو الحامي الأول للّبنانيين، ولذلك من غير المنطقي والمقبول اتّهامه باتّهامات لا أساس لها من الصحّة تأخذ أبعاداً فتنوية وتخريبية مقصودة”.
بدا لافتاً في هذا السياق تَقصّد البيان الصادر عن الجيش تمرير رسالة سياسية عبر إشارة عون إلى أنّ “العلاقة بين الجيش وأبناء طرابلس متينة، ولا يمكن لأيٍّ كان أن يشوّهها لأيّ أهداف”، داعياً أهالي الضحايا إلى “عدم السماح باستغلال هذه القضية”.
لم يكن تفصيلاً هامشيّاً أن يعمد مكتب قائد الجيش إلى تسريب مضمون المداخلة حرفيّاً التي أدلى بها العماد عون في جلسة المجلس الأعلى للدفاع في 26 نيسان إلى بعض الوسائل الإعلامية “الصديقة” للجيش، وهو ما لا يحدث عادةً، إذ يتحفّظ الجيش في كثير من الأحيان عن تسريب مداخلات قائد الجيش.
بدا الأمر كردٍّ مباشر على الملابسات التي رافقت انعقاد الجلسة أساساً وتصويرها من جانب فريق رئيس الجمهورية وجبران باسيل وكأنّها استدعاء لكبار الضبّاط وعلى رأسهم قائد الجيش… خصوصاً إثر الهجوم المباشر الذي شنّه البعض على الجيش، وعلى رأسهم النائب جبران باسيل الذي وصف قيادته بـ”المستهترة” والمقصِّرة في ملفّات انفجار المرفأ وحادثة التليل و”حوادث أخرى”، وهو ما أدّى إلى حادثة الزورق.
في تلك الجلسة كُرِّس بقاء التحقيق بيد القضاء العسكري لاستكمال تحقيقاته بإشراف مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي.
كان لافتاً في جلسة 29 نيسان، حين بحث المجلس الأعلى للدفاع ملفّ “أمن الانتخابات”، أنّه لم يجرِ التطرّق إلى موضوع حادث الزورق، مع العلم أنّ تداعياته دخلت عنصراً مستجدّاً على الواقع الأمني في طرابلس وتداخلت مع استحقاق الانتخابات النيابية.
يتكتّم الجيش عن مجريات التحقيق ومدّته، لكنّه، وفق المعلومات، يتناول التحقيق بكل تفرّعاته، بما في ذلك الشق ّالمتعلّق بملفّ التهريب كـ”بيزنس” والمافيا المستفيدة منه، وجميع ما تمّ تناوله في هذه القضية في الإعلام وعلى لسان الناجين أو أهاليهم. إضافة إلى الحديث المتكرّر عن مراكب نجحت في عبور المياه الإقليمية والوصول إلى وجهتها في إيطاليا وقبرص من دون اعتراض، ومسار زورق الموت بدءاً من عملية شرائه ومكان رسوّه قبل انطلاقه وهويّة صاحبه وممّن اشتراه وعدد الركّاب وأسمائهم، وصولاً إلى ملابسات غرقه، وتوقيت انطلاق بحريّة الجيش لاعتراض المركب.
إقرأ أيضاً: فاجعة طرابلس: 32 مفقوداً ومتّهم يحاكم نفسه!
انتشال الجثث على نفقة الأهالي!
في السياق نفسه، عقد أهالي الضحايا مؤتمراً صحافياً أمس تساءلوا خلاله عن “سبب هذا التعتيم والإهمال والمماطلة، لقد تمنينا وتوقعنا أن تُشكّل الحكومة خلية أزمة أو غرفة عمليات مشتركة، لإنهاء هذا الملف بشكل سريع وشفاف، وتبريد قلوب أولياء المفقودين”، معلنين اتخاذ “مبادرة فردية لانتشال الجثث، استأجرنا كاميرات تصل إلى عمق 500 متر، لنتمكّن من تحديد مكان غرق المركب، وسننتشله على نفقة أهالي الضحايا دون سواهم”.
وقال المتحدث باسم أهالي الضحايا، حمزة دندشي، في مؤتمر صحافي، إن “الانتخابات المقبلة لا تعني عشيرة الدندشي وأهالي الضحايا”، رافضاً” أيّ استغلال سياسي لمصالح انتخابية”.