من اليوم حتى بداية الأسبوع المقبل، يُتوقّع أن تتوضّح الصورة في انتخابات دائرة بيروت الثانية. المتعارف عليه في مثل هذه الأيام حيث الفاصل الزمني عن موعد الانتخابات لا يزيد على عشرة أيام، أن نشهد نشاطاً غير اعتياديّ للماكينات الانتخابية وسط انتشار مكثّف لمكاتب الناخبين في المناطق والأحياء البيروتية. كلّ ذلك يغيب بينما تقتصر المعركة على عدد من اللوحات الإعلانية لبعض اللوائح واتصالات هاتفية يتلقّاها الناخبون للاستفسار عن مناطق انتخابهم وعرض تقديم المساعدة.
عن المشهد الانتخابي بين الناس يغيب مرشّحو لائحة “بيروت تواجه” التي يرأسها الوزير السابق خالد قباني ويدعمها ويعمل لأجلها الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة. لا تزال ماكينتهم الانتخابية متوارية لا يظهر منها إلا جهدٌ يتولّاه النائب السابق سليم دياب، وإعلامياً يبرز الزميل راشد فايد. الحراك الأساسي للّائحة يتركّز على سعيه إلى رفع قرار المقاطعة السنّيّة لصناديق الاقتراع بمعونة سياسية من السعودية وروحية من دار الفتوى. لكن على ما يُظهر في الشارع السنّيّ فلا هذه تنفع ولا تلك حتى الآن، بدليل الإحباط الغالب على أهل بيروت والذي سيُترجم على الأرجح بالإحجام عن التصويت.
مصادر هاشمية تؤكد أنّ اللقاء تناول وقف الإعتداء على إعلانات لائحة السنيورة، وتخفيف التوتر في الشارع. ولينتخب المقترعون من يرونه مناسباً
لا صوتَ سنيّ وازن
أقلّه حتى الساعة، من المسلّم به أن لا صوت سنّيّاً وازناً يمكن أن يحدّد معالم المعركة الانتخابية الأوّلية في دائرة بيروت الثانية. كما في العاصمة كذلك في طرابلس وعكّار يسيطر عدم وضوح الرؤية السنّيّة ويتسيّد الإرباك بحيث يصعب تحديد البوصلة بشكل جازم، فهل تتّجه الغالبية نحو المقاطعة أو المشاركة؟ كيف ستكون النسبة؟
لا أحد يعلم، حتى مسؤولو اللوائح الأساسية يحتارون في تحديد حجم الكتلة السنّيّة التي تدور في فلك تيار المستقبل والتي ستلتزم قرار رئيسه سعد الحريري بالمقاطعة. والأرجح أن تختلط هذه الكتلة مع كتلة المحبطين من سلوك قوى التغيير وتشرذم أصواتها ولوائحها، ومن الذين يعتبرون أنّه لا فائدة من المشاركة، ومن الذين اعتادوا عدم التصويت منذ عقود.
منذ اليوم يمكن للأحباش أن تحسم فوزها بقوّة 11 إلى 13 ألف صوت، وما يزيد على ذلك من الثنائي الشيعي، لكن ماذا عن لائحة نبيل بدر المنتمي إلى تيار المستقبل سابقاً، فهل يجري دعمه خلف الكواليس؟
المؤكّد الوحيد في معركة بيروت الثانية وجود 10 لوائح انتخابية، تخوض ثمانية منها معركتها تحت شعار مواجهة حزب الله وتجييش الناخبين للاقتراع على اعتبار أنّ المقاطعة ستصبّ في مصلحة لائحة الثنائي الشيعي.
يسيطر الخوف على الجميع من تراجع نسبة اقتراع الناخبين السُنّة. لهذا السبب أعلن الرئيس فؤاد السنيورة النفير العام مستعيناً على التزام السُنّة قرار الحريري بالمقاطعة بالمملكة العربية السعودية التي يسعى لإدخالها مباشرة على خط الانتخابات من باب دعم اللائحة التي يرأسها الوزير السابق قباني لتكون اللائحة الوحيدة المتبنّاة علناً. وقد استعان على ذلك بتوزيع صورة السحور الذي جمع سفراء من دول مجلس التعاون الخليجي والسفير المصري الأسبوع الماضي في دارة السنيورة، وحضور الأخير سلسلة إفطارات أقامها السفير السعودي في دارته.
مصادر متابعة لحراك رئيس تيار المستقبل تنفي لـ”أساس” وجود مسعى سعودي باتّجاه الحريري لحثّه على خيار الدعوة إلى الانتخاب. الأمر الذي يؤكّد أنّ قرار السعودية بالابتعاد عن الحريري على كلّ المستويات ساري المفعول
سلاح “المفتي” لكل المرشحين
أمّا الدليل الثاني والذي يشيع العاملون مع السنيورة أنّه الدليل القاطع فهو دخول مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان مباشرة على خط الانتخابات، وتحويله خطبة العيد إلى الحديث حصراً عن الانتخابات النيابية محذّراً ومنبّهاً من “خطورة الامتناع عن المشاركة في الانتخابات”، ومعتبراً أنّ “الانتخابات النيابية فرصة للتّغيير نحو الأفضل”. فكان كلامه بمنزلة قنبلة دخانية في الوسط السنّيّ هدفها حثّ سُنّة “المستقبل” على الخروج عن قرار زعيمهم بعدم المشاركة. يمكن اعتبار كلام المفتي موجّهاً بالدرجة الأولى إلى الحريري وموقفه ولو أنّ بعض الأوساط تنقل عن المفتي قوله في مجلس خاصّ إنّه لم يقصد بكلامه الدعوة إلى التصويت للائحة بعينها بل هي دعوة عامّة للسُنّة.
جاء حديث المفتي في وقت سرت أقاويل حول مغادرة السفير البخاري بيروت عائداً إلى بلاده، وهو ما فُسِّر بأنّه محاولة سعودية للضغط على الحريري لحثّ الناس على الانتخاب بعدما أظهرت الاستطلاعات التزاماً سنّيّاً بالمقاطعة. لكن لا كلام المفتي ولا محاولات توريط البخاري والسعودية في دعم السنيورة ستنجح في تغيير المناخ السنّيّ، ولا سيّما في العاصمة.
هاشمية “العنيد”
أجواء من القلق واللامبالاة الانتخابية تسود البيارتة بما يصعّب التأثير عليهم. وهو ما لمسه السنيورة حين اجتمع مع رئيس جمعية بيروت للتنمية الاجتماعية، المستشار الخاص للرئيس سعد الحريري، رجل الأعمال أحمد هاشمية.
استمرّ اللقاء، الذي عُقِد في مكتب السنيورة زهاء أربع ساعات، وأكّد خلاله هاشمية قرار الحريري بالمقاطعة قائلاً للسنيورة الذي تمنّى عليه التعاون وتوحيد الماكينات الانتخابية إنّ “القرار ليس عندي بل عند سعد الحريري”. واعتُبر أنّ هذا اللقاء هو تلبية لرغبة سعودية. كثيرة هي الروايات التي نسجت حول هذا اللقاء إلاّ أنّ مصادر هاشمية تؤكد أنّ اللقاء تناول وقف الإعتداء على إعلانات لائحة السنيورة، وتخفيف التوتر في الشارع. ولينتخب المقترعون من يرونه مناسباً..
أيضاً عُقِد قبل أيّام في الطريق الجديدة، بدعوة من أحد فعّاليّات الطريق الجديدة طارق الدنا، لقاءٌ سنّيّ موسّع حضرته شخصيات سنّيّة ورؤساء جمعيّات للتأكيد على قرار المقاطعة الذي دعا إليه الحريري. والدنا مقرّب من هاشمية، وإلى جانبه حضر المستشار الخاص للأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري الناشط سامر الترك، والنائب نزيه نجم، ومسؤولة الاغتراب في المستقبل سابقاً ميرنا منيمنة، وهو ما يشير إلى أنّ فحوى الرسالة لمن يعنيهم الأمر هي المقاطعة، وطلب صاحب الدعوة من الحضور أن يقسموا بالله بعدم خيانة سعد الدين الحريري. بالإضافة إلى حملة منظّمة من “بلو فورس”، الجيش الإلكتروني لتيار المستقبل” على مواقع التواصل الاجتماعي، تدعو إلى المقاطعة “لعيونك”، والمقصود الرئيس الحريري.
سنّة الاغتراب أيضاً
ليس أفضل حالاً سُنّة الاغتراب، إذ تؤكّد استطلاعات الرأي قرار المقاطعة السنّيّة، ولا سيّما في دول الخليج والدول العربية على وجه التحديد.
الأكيد أنّ مصادر متابعة لحراك رئيس تيار المستقبل تنفي لـ”أساس” وجود مسعى سعودي باتّجاه الحريري لحثّه على خيار الدعوة إلى الانتخاب. الأمر الذي يؤكّد أنّ قرار السعودية بالابتعاد عن الحريري على كلّ المستويات ساري المفعول.
إقرأ أيضاً: لعيون من يقاطع تيار سعد الحريري؟
من يدور في فلك الحريري يجزم أنّ الرئيس السابق للحكومة لن يتدخّل في الانتخابات لا من قريب ولا من بعيد، وهو يستعدّ في غضون أيام لجولة أميركية يعقد خلالها لقاءات مع مسؤولين أميركيين بناء على سلسلة مواعيد تمّ ترتيبها، وهو ليس مستعدّاً لإعطاء أيّ إشارة تتعلّق بالانتخابات من شأنها أن تستفزّ الأوروبيين أو السعوديين، وسيعود إلى لبنان بعد الانتخابات النيابية.
تنذر مقاطعة السُنّة بقلب التوقّعات في معركة عنوانها الصوت التفضيلي وصراع المرشّحين داخل اللائحة الواحدة.