تسوِّق مصادر بغداد أنّ وزيرَيْ خارجية السعودية وإيران سيحضران خلال أيام جولة سادسة من الحوار بين البلدين. ومن المتوقّع وفق هذا السياق أن يعلن هذا اللقاء إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران وتبادل السفراء. وإذا ما جرى ذلك، فهذا يعني أنّ جولات الحوار التي بدأت في نيسان 2021 قد حقّقت تقدّماً نوعيّاً لافتاً له ما بعده.
وفق الواجهة الشكليّة للتطبيع بين البلدين لا أحد يعوِّل كثيراً على انعطافة استراتيجيّة كبرى في اهتداء الرياض وطهران إلى قاعدة مشتركة تحترم التوجّهات الاستراتيجيّة للعاصمتين وخططهما للتعامل مع التحوّلات الدراماتيكية في العالم والمنطقة. والأرجح أنّ الطرفين قرّرا إدارة الاختلاف وضبط تداعياته داخل مسار رسمي في نصوصه وأدواته.
يقوم التطوّر التطبيعيّ المحتمل على حقيقتين:
الأولى هي اعتراف إيران بالتطوّر السياسي الذي جرى في اليمن، والذي أدّى إلى تسليم الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي سلطاته الرئاسية إلى مجلس رئاسي بقيادة رشاد محمد العليمي، بما ينقل التنافر السعودي الإيراني في هذا البلد إلى مستوى آخر حظي بإجماع دوليّ نادر.
يجب مراقبة يوميّات الحملة الانتخابية في لبنان، خصوصاً رصد التوتّر في حيويّة حزب الله للحصول على أغلبية برلمانية واسعة واستماتته في “تحريم” أيّ تحدٍّ أو اختراق
الثانية هي أنّ أمر ذلك التطبيع يتحقّق في توقيت سابق على إبرام اتفاق جديد مع إيران حول برنامجها النووي، بمعنى أنّ الرياض تذهب إلى الانفتاح على طهران آخذة بالاعتبار احتمال التوصّل، على الرغم من التعقّد الحالي، إلى اتفاق ما زالت السعودية ودول الخليج متحفّظة على شروطه وتداعياته على السلم الإقليمي.
لا يمكن هنا إلّا ملاحظة أنّ أيّ تطبيع في علاقات السعودية وإيران لا يُنهي ملفّات النزاع بين البلدين. ولا يبدو أنّ في خطاب طهران ونظام الوليّ الفقيه في الجمهورية الإسلامية ما يوحي بذلك. ولئن تنتقد السعودية والمجموعة العربية آليّات المفاوضات التي تقودها الولايات المتحدة بسبب تجاهل فيينا النقاش بشأن برنامج إيران للصواريخ الباليستية وسلوكها المزعزع للاستقرار في المنطقة، فإنّ ما يتسرّب من جولات الحوار السعودي الإيراني لا يوحي أيضاً بأيّ تغيّر ستُقدم عليه طهران في تلك الملفّات.
إذا ما بقي وقف إطلاق النار في اليمن هشّاً يسهل انهياره ما دام الحوثيون لم يشاركوا في الحوار اليمني-اليمني في الرياض ويرفضون أن يكونوا داخل فريق الشرعيّة الجديد، فإنّ إيران ستستثمر مليّاً ما تمتلك من النفوذ لدى هذه الجماعة في علاقاتها المقبلة مع السعودية. في المقابل، يستمرّ حراك طهران الميليشياويّ والسياسي في ميادين النفوذ في المنطقة، وإن بات يتّخذ في العراق مواقع مربكة، وفي سوريا وضع المراوحة في ضوء الحرب في أوكرانيا، وفي لبنان تموضعاً هجومياً يُراد منه تثبيت ذلك النفوذ وتأكيده وشرعنته عبر الانتخابات النيابية.
الناخب اللبناني معنيٌّ في قراره الاقتراعي بالذهاب نحو “الاقتراع الصائب”. فالمعركة التشريعية هي سياسيّة بامتياز لها امتداداتها الإقليمية التي يجب عدم إغفالها
أين لبنان من المشهد؟
وفق هذا المشهد يجب مراقبة يوميّات الحملة الانتخابية في لبنان، خصوصاً رصد التوتّر في حيويّة حزب الله للحصول على أغلبية برلمانية واسعة واستماتته في “تحريم” أيّ تحدٍّ أو اختراق. وربّما وفق هذه الرؤية الواسعة تجب مقاربة قرار دول الخليج بالعودة الدبلوماسية إلى لبنان واستنتاج الديناميّات الدبلوماسية العربية (والأجنبية) لتهيئة البلد لِما بعد الانتخابات. وعلى هذا سيولد البرلمان المقبل، الذي ستتسرّب من خرائطه واجهات النظام السياسي اللبناني المحدثة، على قاعدة تبريد نسبيّ أنتجته جلسات الحوار السعودي الإيراني.
لذلك فالناخب اللبناني معنيٌّ في قراره الاقتراعي بالذهاب نحو “الاقتراع الصائب”. فالمعركة التشريعية هي سياسيّة بامتياز لها امتداداتها الإقليمية التي يجب عدم إغفالها. وانتشال لبنان من أزماته رهن بالأيادي الخارجية، العربية والدولية والأممية، التي يُفترض أن توفّر للبلد الموارد المالية الضرورية للتعافي. بمعنى أكثر وضوحاً، فإنّ البلد لا يحتمل اقتراعاً عشوائياً كيديّاً يأتي بجديد مجهول بديل لقديم مستهلَك. والبلد لا يملك ترف الاقتراع لِمن يخلو خطابهم وبرامجهم من تناول مشكلة السلاح والعلاقة مع الخارج وموقع البلد في الدائرتين العربية والدولية.
تجري الانتخابات في بلد يفاخر فيه حزب الله بامتلاك أكثر من مئة ألف صاروخ (إسرائيل تتحدّث عن 150 ألفاً)، منها صواريخ دقيقة تهدِّد إسرائيل بشنّ حرب شاملة إذا ما وصل عددها إلى ألف صاروخ. فوق تلك الترسانة العسكرية الفتّاكة، التي لا تملك حكومات بيروت قرارها، تنتشر صناديق الاقتراع التي يُنتظر من اللبنانيين أن يقفوا أمامها لممارسة حقّهم السياسي الديمقراطي السلمي. بناءً عليه، يجب على الناخبين أن لا يغفلوا في توسّلهم التغيير لإنقاذ البلد أنّ الخيار لا بدّ أن يكون سياسياً باتجاه ديناميّات معقّدة، وربّما طويلة الأمد، لاستعادة لبنان لقراره في ما هو مصلحة البلد لا الأوصياء عليه.
إقرأ أيضاً: لهذا يخشى جبران باسيل تصويت المغتربين
ولئن تضمن إيران اقتراعاً سياسياً لمصلحة أجنداتها في لبنان بالتصويت لحزب الله والتيار الوطني الحر وبقيّة حلفاء ما كان يُعرف بمعسكر “8 آذار”، فإنّ التصويت للخيارات السياسية الاستراتيجية المضادّة لا يمكن أن يكون فاعلاً إلا بالاقتراع لِمن يحمل خيارات سياسية (وليست تقنية مطلبية مهما كانت وجاهتها ووطنيّة أصحابها). وإذا ما كانت تعوِّل طهران وحزبها على كثافة تصويت المناصرين ومنع حصول اختراقات مربكة في موسم التحوّلات الإقليمية والدولية المقبلة، فإنّ تداعيات تلك التحوّلات على لبنان تستدعي بالمقابل مشاركة مكثّفة لا تَدلُّل بها في محاولة للحدّ من توسّع نفوذ طهران في البلد على حساب اللبنانيين وامتداداتهم التاريخية العربية.
*كاتب لبناني مقيم في لندن